رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطغيان على العقول

العقبة التى تُواجه أى شخص أثناء محاولة السيطرة على عقول الغير هى «الوعى»، فعندما تجد أى شخص أو شعب لديه وعى حقيقى، يكون من الصعب عليك السيطرة عليه أو وضعه داخل دائرة مغلقة لكى تحركه بالريموت كنترول، فالعقول الواعية تملك أهم سلاح فى الحياة، لأنها لا تقع بسهولة فى براثن الكذب والاحتيال، ومن ثم السيطرة والاستسلام.

لذا أول شىء يفكر فيه الشخص الذى يرغب فى الاستحواذ على الآخرين هو كيفية السيطرة على عقولهم وتوجيهها فى الاتجاه الذى يرتأيه، وهذا يستلزم بالتبعية العمل على التحكم فى مقدار وعيهم، ووضعهم تحت ضغط معين لكى يفقدهم القدرة على إحكام العقل وإعماله، وهذا الضغط قد يكون ضغطًا عاطفيًا، أو نفسيًا، أو ماديًا، أو غيره من الضغوط التى تعمل على تشتيت الذهن، والعصف بالفكر، ومن هنا يصعب على الإنسان أن تكون لديه القدرة الكافية لكى يُكوِّن فكرًا ثاقبًا، الذى من خلاله ينمو الوعى الذى يحمى صاحبه من أى سيطرة خارجية تقع عليه.

وفى الواقع، هناك كثير من الدول تستخدم هذا الأسلوب من أجل السيطرة على الدول الأخرى، وقديمًا كان هناك بعض الحُكام يفعلون ذلك من أجل إحكام السيطرة على شُعوبهم، ومما لا شك فيه أن أصحاب الجماعات المُتطرفة لا يستخدمون سوى هذا الأسلوب من أجل ضمان سيطرتهم الكاملة والفعلية على من يُريدون ضمهم إليهم، ولكى يضمنوا ولاءهم الكامل والتام لهم. فهذه سياسة مُتبعة منذ قديم الأزل لأنها تستهدف العُقول من خلال توجيه عواطف الهدف فى اتجاه مُعين، فبالرغم من أن كل الأبحاث العلمية أكدت أن العقل هو الذى يُعطى إشارات لكى تتحرك العاطفة، فإن العاطفة فى كثير من الأحيان تكون أحد أسباب إلغاء العقل وتهميشه، وأكبر دليل على ذلك أنه يُمكن التعامل مع فاقدى الأهلية من خلال السيطرة على عواطفهم، رغم أنهم لا يملكون العقل، فكم من مرة ارتبط شخص سفيه أو مجنون نفسيًا بأحد الأشخاص بسبب حُسن تعامله معه، فالعاطفة لها دور غير عادى فى توجيه العقل، ولا خلاف على أن هذا الأمر أودى بحياة كثيرين، وتسبب فى تدمير كيانهم بالكامل، بسبب أن عاطفتهم جعلتهم يُنحون عُقولهم جانبًا، بل ويُسيطرون عليها تمامًا.

وهناك حادثة وقعت بالفعل تُؤكد أن هناك تصرفات يأتى بها البعض من أجل نقل فكرة مُعينة للآخرين، بهدف التأثير على وعيهم، رغم أن هؤلاء الأشخاص ليسوا على قناعة تامة بما يفعلونه من سُلوكيات، ولكن هدفهم يكون أقوى من قناعاتهم. 

فى أحد الأيام فى «نيودلهى» عاصمة الهند، كان سفير بريطانيا يمر بسيارته مع قُنصل مملكته، وفجأة رأى شابًا هنديًا جامعًيا يركل بقرة بقدميه... فأمر السفير سائقه بأن يتوقف بسرعة، وترجّل السفير من السيارة مُسرعًا نحو البقرة المُقدسة، يدفع عنها ذلك الشاب صارخًا فى وجهه، ويمسح على جسدها طلبًا للصفح والمغفرة، وسط دهشة المارة الذين اجتمعوا بعد سماع صراخ السفير، ووسط ذهول الحاضرين، ثم اغتسل السفير البريطانى ببول البقرة ومسح به وجهه، فما كان من المارة إلا أن سجدوا تقديرًا للبقرة التى سجد لها الغريب.

ثم بعد ذلك أحضروا الشاب الذى ركل البقرة ليسْحقونه أمام البقرة، انتقامًا لقُدسية مقامها ورفعة جلالها، ثم عاد السفير إلى سيارته بربطته وقميصه المُبلل ببول البقرة وشعره المنثور، ليركب سيارة السفارة بجانب القنصل الذى بادره بالسؤال عن سبب ما فعله، وهل هو مُقتنع حقًا بعقيدة عبادة البقر؟! فأجاب السفير إجابة تعكس عبقرية الطغيان على العُقول، حيث قال: «إن قيام الشاب بركل البقرة هو صحوة للعُقول، وركله للعقيدة الهشة التى نُريدها أن تستمر، ولو سمحنا للهنود بركل العقائد، لتقدمت الهند خمسين عامًا إلى الأمام، حينئذٍ سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيوية، فواجبنا الوظيفى هنا ألا نسمح بذلك أبدًا لأننا نُدرك أن الجهل والخرافة والتعصب الدينى والمذهبى وسفاهة العقيدة، هى جيوشنا التى نعتمد عليها فى تسخير المُجتمعات».

وهكذا، فإن السيطرة على عُقول الشباب بأفكار الغرب ودحضهم فى مواقع التواصل الاجتماعى، والهرولة خلف كل ما هو خارج عن المألوف، يُعتبر حربًا شعواء، لتقليل الوعى وإخماد العُقول، وهذا مُخطط استراتيجى من دول الغرب، لابد أن نعيه جيدًا، ولا نسمح بنجاحه، لأن الوعى ثم الوعى ثم الوعى، هو سلاح وجيش الأمم.