رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حد يقول لهم عيب!

بعد سماعه لعبارات التهكم، التي أطلقها صديقه وشريك غرفته بالبنسيون، الشاب " التافه" علي، لم يتمالك شحاتة أعصابه ، وقام بتحطيم جهازالتليفزيون الذي ظهر" التافه " ضيفاً علي أحد برامجه!
لم يكن شحاتة يائساً أو بائساً، لم يكن أبداً محبطاً، كان طموحاً رغم فقره، قنوعاً رغم عوزه، راضياً رغم حاجته، كان ذكياً، دؤوبا، نشيطاً، مفعماً، يملؤه اليقين ولا يفارقه الأمل .
سوف يصل يوماً إلي تحقيق كل ما يتمناه ويأمله، كانت تلك هي قناعته، هانت ياشحاتة، كلها كام شهر وتمتحن وتنجح وتاخد شهادتك، وتحضر الماجستير، وبعدين الدكتوراه، ومش بعيد تبقي زى "أينشتاين" ليه لأ؟ 
كل شيء بالاجتهاد والصبر ممكن يتحقق!
كلمات بسيطة كان الطالب شحاتة يصبر بها نفسه ليطمئنها إلي أن عناءه لن يطول، وأن الخير قادم لا محالة ومادام الأمر كذلك، فلا مانع من تحمل ذل العلم، وضيق العيش، وبعض متاعب الحياة و مشاقها ...
تحمل كل هذا بنفس راضية، وروح متسامية، قبل أن تصدمه نصائح "التافه" الأجوف، المغرور المجوف، صاحب العقل المجفف، التي وجهها إليه، وإلي أمثاله من المجتهدين!
كان هذا مشهد من فيلم "علي بيه مظهر" الذي كتبه المبدع لينين الرملي، وأخرجه أحمد يس، وقام ببطولته الرائع محمد صبحي، والراحل أحمد راتب، والقديرة سمية الألفي قبل ٣٦سنة بالتمام والكمال، تحديداً عام ١٩٨٥، أي قبل أن يولد بعض مؤدي أغاني المهرجانات، الذين أطلقوا العنان مؤخراً لتصريحاتهم القيمة، ونصائحهم الغالية، "ليفيدوا" بها جيلاً كاملاً من الشباب، ظن أولئك أنهم قد ضلوا طريقهم في الحياة، بأن ذاكروا، وتعلموا، واجتهدوا، فجاءوهم ليصححوا لهم المسار، ويأخذوا بأيديهم إلي الطريق الصحيح، كتر ألف خيرهم!!! 
كيس من النصح إنفثأ، وكأن ربنا سبحانه وتعالي قد أنعم عليهم فجأة، بفيوض العلم والحكمة، وأرادوا ألا يبخلوا بما رزقوه، فقاموا بنصح" الغلابة" المتعلمين، وزمرة المثقفين، وحزمة الباحثين بأن يريحوا أدمغتهم من هذا العناء كله، لأن الشطارة مش في إنك تجيب ٩٠%، ولا ٧٠%، ولا حتى ٤٠%، الشاطر الحقيقي هو اللي يعرف يجيب فلوس في الآخر!
هذا ما قاله أحدهم بالأمس، بعد أن سمح لنفسه بتوجيه الآخرين، وكأنه قد صنع مجداً، أوأتي بما لم يستطعه الأوائل، ومن ثم بات من حقه الكامل إسداء النصح والإرشاد!
((إهدوا شوية يا "بعض" مؤدي المهرجانات، إهدوا كده الله يهديكم، إنتوا لا عملتوا الإلياذة ولا الأوديسة))
لقد كان كلامكم في السابق، يدور كله في إطار أنكم عاوزين تأكلوا عيش بالحلال، أحسن من الوقوف علي النواصي ومعاكسة بنات الناس، ومضايقة خلق الله، ولهذا تعاطف الجميع معكم ، فما الذي تغير اليوم؟!
أن يختاركم الله لينعم عليكم دون غيركم بنعمة المال، لأمر يعلمه ولا نعلمه، هذا شأن الله وتلك مشيئته، وليس لنا نحن أن نعترض أو نتدخل، أو نحسد، أو نحقد، أو نغير، حاشا لله!
أن تظنوا أنكم قد نجحتم لأنكم أذكي، أو أعلم، أو أفهم من الآخرين فهذا أيضاً شأنكم، وانتم أحرار فيه!
ولكن أن تقوموا باستفزاز وإحباط شبابنا، وتسفيه قيمة العلم، والنيل من قدر العلماء، فهذا أمر لا نقبله، ولن نرضاه، ولن نصمت عليه، ومن ثم، فإنني أطالب المسئولين، بألا يتركوا المجال هكذا مفتوحاً، أمام كل من أراد أن يقول، أو ينصح، أو يصرح، أو يرشد، أويوجه، ليفعل ما يفعله دون حساب، وهو أصلا غير مؤهل، يجب أن يراجعهم أحد، أو  يحاسبهم أحد، أوحد يقول لهم عيب!