رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطنة والوصاية الدينية

تنص المادة ٥٣ من الدستور المصرى على: «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو إلى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون مفوضية مستقلة لهذا الغرض». كما تنص المادة ٦٤ على: «حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية إقامة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون». الدستور هنا إرادة وضع الأسس السياسية الصحيحة لتحقيق المواطنة لكل المصريين. فلماذا نجد فى الواقع العملى ممارسات غير ذلك بل ممارسات تتناقض مع ذلك؟ 

لا شك أن التاريخ بكل حقباته التى شكلت الشخصية الحضارية المصرية سجل أهمية الجانب الدينى لدى المصريين، منذ الديانة المصرية القديمة، مرورًا بالمسيحية، وصولًا إلى الإسلام. الشىء الذى جعل للدين قداسة خاصة انسحبت هذه القداسة على من يسمون برجال الدين. وبالرغم من عدم وجود رجال دين فى الإسلام، لكن وجدنا هذا التراث التاريخى يظهر فى مصر ويختلق رجال دين تحت مسميات أخرى. والإشكالية هنا أن رجال الدين هؤلاء ونتيجة الفكر الدينى الخاطئ تم إضفاء ليس القداسة عليهم فقط بل جعلهم هم المدخل الصحيح للدين والعبادة. فى الوقت الذى يجب أن يوضع فيه رأى وتفسير واجتهادات وفتاوى هؤلاء للنص الدينى وغيره موضع النقد والمراجعة وإعمال العقل النابع من الإيمان الواقر فى القلب، والذى يصدقه عمل المؤمن. لأن هؤلاء بشر لا يمتلكون الحقيقة المطلقة فى الفكر أو فى الرأى. وعلى هذه الأرضية وجدنا مناخًا طائفيًا بين أتباع الدين والدين الآخر بل بين أتباع الدين الواحد نتيجة لانحياز هؤلاء غير المقدسين لطوائف وملل ابتدعوها تحت تفسيرات واجتهادات تسعى لتحقيق مصلحة ذاتية أو حزبية أو تنظيمية مما خلق حالة خلط بين الدينى والسياسى. هنا اجتمع الدينى الذى له القداسة فى الحياة وما بعد الحياة، والسياسى الذى ينظم المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبشر. وبالطبع كان ولا يزال المقصود من هذا الخلط هو الوصول إلى السلطة والحكم للوصول إلى الأهداف الذاتية تحت مسميات وشعارات دينية. فكان من الطبيعى أن يحدث استقطاب طائفى بين أبناء الشعب. فمن هاجر داخل الكنيسة وجعلها بديلًا للدولة أى التنازل الطوعى عن حقوق المواطنة. وهناك من تم استدراجه لتنظيمات ما يسمى بالإسلام السياسى استغلالًا للإسلام والعاطفة الدينية. هنا وجدنا التأثير السلبى من هذه الممارسات هنا وهناك مما جعلنا نعيش بحق فى مناخ تسوده الوصاية الدينية، تلك الوصاية التى لا علاقة لها لا بالديمقراطية ولا بالمواطنة من قريب أو من بعيد مهما ادعوا غير ذلك كنوع من التقية التى يحاولون من خلالها مسايرة الواقع الوصول للأهداف. فى الوقت الذى نشاهد فيه فشل تلك التنظيمات فى الحكم بعد وصولهم بعد استغلال الوصاية الدينية. فيما سمى «بغزوة الصناديق»!!! ونتيجة لذلك شاهدنا تلك الشهادات لرموز السلفية فى محاكمة ما يسمى بتنظيم داعش إمبابة. لا أريد التعليق، ولكن أريد طرح بعض الأسئلة التى تخصنى كمواطن مصرى يعيش على أرض هذا الوطن الغالى وينتمى إليه بروحه وكيانه: هل الإجابات التى تنصلت من كل الأفكار السابقة والمسجلة والمتناقضة مع تلك الشهادة تعنى إسقاط ما سبق من أفكار شكلت وعى وفكر الشباب؟ وهل كشف الشيخ حسان أخطاء الإخوان يعنى إسقاط آرائه وممارساته ومساندته لهم حتى بعد ٣٠ يونيو؟ مما يجعل البعض «دون ذكر اسم» يمجد شهادته لمجرد مهاجمة الإخوان له؟ فهل القضية هى أن من يساير الأوضاع ويغير الأفكار يمر مرور الكرام دون حساب؟ قال حسان: «إن الشباب الذى يقتل المسلم ويقتل الجيش والشرطة ليسوا مسلمين». طيب من يقتل غير المسلم ما رأيك فيه؟ القضية مهمة ومتشابكة وتمثل أهمية خاصة جدًا سواء فى إطار تحقيق المواطنة الحقيقية التى نسعى إليها الآن بعد ثورة ٣٠ يونيو. أو فى تصحيح الفكر الدينى الخاطئ. الذى يقبل التعددية الدينية ويقبل الآخر أى آخر حسب الدستور وتحقيقًا للمواطنة التى تجعل مصر وطنًا لكل المصريين. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.