رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاكل التعليم بين الحكومى والخاص

لا أكون مُغالية إذا ما قلت إن التعليم فى مصر سواء الحكومى أو الخاص يمر بأزمة طاحنة تتطلب حلولًا مناسبة، وهناك مشاكل معلقة نعرفها جميعًا وليس فى يد أولياء الأمور حلها، وإنما الحلول جميعها تكمُن فى يد الدولة. فالتعليم الحكومى يعانى من تكدس الفصول وكثافة الأعداد الموجودة فى الفصول بما يصعب معه على التلميذ استيعاب الدرس، وهذه المشكلة ستظل موجودة إن لم يتم، وبشكل عاجل، بناء مدارس تستوعب الأعداد الكبيرة من التلاميذ الذين يلتحقون بالمدارس منذ سنوات الحضانة حتى الثانوية العامة. 

ومن ناحية أخرى، يعانى المدرسون من انخفاض الرواتب مما يجعلهم يلجأون إلى الدروس الخصوصية رغم حظرها، وذلك من أجل زيادة دخولهم مع ارتفاع الأسعار وضعف الرواتب، وهناك دول مثل اليابان سبقتنا فى إدراك أهمية المعلم بالنسبة للعملية التعليمية، ومن الضرورى أن نلتفت إلى تجربتها، لأنها تستحق الاهتمام، حيث إنه لا بد للمعلم من أن يحظى براتب مناسب وباحترام من المجتمع ما دام يؤدى رسالته على خير وجه، وهى رسالة مهمة لأنه حجر الأساس فى تقدم أى دولة.

ولا بد أن تتيح له الدولة هذين العنصرين «الراتب والاحترام» حتى يتمكن من أداء مسئوليته فى تعليم التلاميذ بشكل سليم وتنشئة الأجيال الجديدة بإخلاص واجتهاد، وبما يمكن التلميذ من التفوق فى الدراسة التى تعتبر اللبنة الأولى فى بناء جيل جديد من التلاميذ المتفوقين، فاليابان على سبيل المثال تعتبر أن التعليم هو أساس تقدم الدول، وحينما سئل ذات يوم إمبراطور اليابان عن أسباب تقدم دولته فى هذا الوقت القصير، فأجاب:

- «بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسى وراتب الوزير»، وهذا الرد المختصر لخص سبب تقدم اليابان فى وقت قصير، فهى دولة اقتصادية من الدرجة الممتازة، لكنها لم تصل إلى ما وصلت إليه لمجرد توافر رءوس الأموال والأسواق، بل لأنها أدركت- بعد ما أصابها من ويلات الحروب وتبعاتها- أن السبيل الوحيد للنهوض بالبلاد هو التعليم، وأن المعلم هو حجر الزاوية للمنظومة التعليمية، ولهذا سنجد أن المعلم فى اليابان يحظى باحترام وإجلال من كل فئات المجتمع، وأن له مكانة اجتماعية متميزة لدى الأسرة اليابانية.

وفى تصريح مهم لها لخصت مؤخرًا د. يوهانسن عيد، رئيسة هيئة ضمان جودة التعليم، أزمة العملية التعليمية فى مصر، مؤكدة أن «أكبر عقبة تواجهها العملية التعليمية فى بلدنا هى كثافة الفصول»، هكذا لخصت أزمة التعليم فى مصر، وأضيف إليها أنها باختصار أزمة لها عدة أسباب أساسية، أولها كثافة الفصول وثانيها ضعف رواتب المعلمين وثالثها نقص عدد المدارس بالنسبة للزيادة السكانية المطردة فى السنوات الأخيرة، وهناك أيضًا مشكلة خطيرة ذات نوعية خاصة وأقصد بها التشدد الفكرى الذى يوجد فى مدارس فى بلدنا يسيطر عليها أصحاب الفكر المتشدد الذين يروجون لفكرهم المتشدد والمتطرف لدى التلاميذ منذ صغرهم، مما يشكل خطورة تتمثل فى تخريج أجيال يسيطر على عقلها التطرف والتشدد مما يقف حجر عثرة أمام بناء دولة متقدمة ومستنيرة، وهى إشكالية أيضًا لا بد أن تنتبه لها الدولة بما يتناسب مع مواد الدستور المصرى ومع متطلبات التقدم والتنوير قبل فوات الأوان.

والمفارقة هنا تكمن فى أن المدارس الحكومية حتى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى كان يرتادها كل فئات المجتمع، وتخرجت فيها شخصيات تقلدت مناصب رفيعة وعليا فى بلدنا، والمدارس الخاصة للغات كانت مصاريفها فى متناول الأسرة المتوسطة، ولم يكن التعليم يشكل أزمة لأولياء الأمور بالنسبة لاختيار المدرسة المناسبة للأبناء، فلم يكن التعليم الخاص أو الحكومى يشكل أزمة مادية أو يواجه فيه أولياء الأمور عقبات فى إلحاق الأبناء به أو يعانى من كثافة الفصول غير الآدمية فى بعض الأحوال أو أى من العيوب والسلبيات التى نراها حاليًا، بالإضافة إلى هذا فلا تزال أزمة الثانوية العامة تشكل معاناة كبيرة لكل أسرة لديها تلميذ بها.

وإذا ما انتقلت إلى أزمة المدارس الخاصة ومدارس اللغات الدولية فإنها فى حاجة إلى التفات من الدولة، حيث يجد أولياء الأمور أنفسهم أمام معضلة مادية ليس لها حل سوى تدخل الدولة بشكل حازم، فهناك مغالاة غير طبيعية فى مصاريف الدراسة بحيث تتجاوز إمكانيات الأسرة المصرية التى تريد تعليمًا خاصًا أو تعليم أبنائها فى مدارس اللغات، أو المدارس الدولية، فقد وصلت الأرقام خلال هذا العام إلى أرقام فلكية، رغم وجود فيروس كورونا وحتمية بقاء التلاميذ والمتابعة للدروس فى البيوت «أون لاين» خوفًا من إصابة التلاميذ بالفيروس القاتل، وهناك مدارس تزيد مصاريفها بشكل منتظم، حيث التلميذ فى أولى ابتدائى مثلًا يدفع فوق الـ١٠٠ ألف جنيه، ومدارس يدفع فيها الآباء ٢٥٠ ألف جنيه فى السنة، وكل ذلك يحدث ويتطلب تدخلًا لوزير التعليم، لتخفيف الرسوم المغالى فيها وغير المنصفة، وعدم ترك فوضى المصاريف بهذا الشكل الفلكى.

إننا الآن أمام عقبات صعبة تواجه التعليم فى مصر، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه فإننا سنواجه ما هو أسوأ مع الزيادة السكانية المطردة، حيث سيتعذر إيجاد مكان لكل تلميذ جديد خلال السنوات المقبلة، نظرًا لتكدس الفصول فى المدارس الحكومية إلى درجة غير مقبولة، وتسىء للعملية التعليمية فى بلدنا وتعوق التقدم المأمول لبلدنا، ومن ناحية أخرى فإن الأهالى الذين يبحثون عن تعليم أفضل من خلال التعليم الخاص أو المدارس الدولية أو مدارس اللغات فإنهم يجدون أنفسهم منذ الآن أمام مصاريف لا يستطيعون دفعها وغير منصفة، لأنها تكون وفقًا لأهواء أصحاب هذه المدارس، لهذا فإننى آمل أن تجد الدولة حلولًا لمشاكل التعليم الحكومى، والخاص فى بلدنا حتى يمكننا أن نتقدم بالتعليم، وأن نتمكن من بناء دولة متقدمة ومستنيرة ولن يتم لنا هذا وهذا حال التعليم فى بلدنا.