رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيروشيما.. وبيدوقراطية أمريكا

قامت أمريكا على إبادة أكثر من مئة مليون هندى أحمر بأحط الوسائل ومنها تسميم آبار المياه، ورسخت من حينه نظامًا بيدوقراطيًا واصل دوره فى إبادة شعوب أخرى، إلا أن أفظع عمليات البيدوقراطية الأمريكية جرت فى ٦ أغسطس ١٩٤٥، حين أسقطت أمريكا أول قنبلة نووية على البشر فى هيروشيما وبعدها بثلاثة أيام قنبلة أخرى على نجازاكى، وقتل من جراء ذلك نحو ربع مليون إنسان برىء، وبعد نحو ستين عامًا، توفى فى نوفمبر ٢٠٠٧ فى مدينة كولومبوس الطيار بول تيبيس، الذى ألقى أول قنبلة ذرية فى العالم على الأرض من دون أن يخامره أدنى شعور بالندم، وعلى العكس صرح بقوله: «إننى فخور لأننى نفذت الأوامر بنجاح.. وأنا أنام كل ليلة هادئًا لا أشعر بالذنب»!.

هكذا لم تقم البيدوقراطية الأمريكية بإبادة شعب آخر فحسب، بل خلقت داخل بلادها كائنات شوهاء عديمة الضمير مثل المحترم بول تيبيس. وقد أحيت اليابان الذكرى السادسة والسبعين لجريمة هيروشيما بقرع الأجراس، لعل رنينها يحرك الضمائر، أو يسوق أمريكا للاعتذار عن جريمتها، لكن اليابان والعالم كله لم يتلق أى اعتذار يمنع ولو أدبيًا تكرار تلك الجريمة، وعلى العكس من ذلك واصلت البيدوقراطية الأمريكية إبادة شعوب أخرى فى فلسطين وأفغانستان وفيتنام والعراق وسوريا ويوغوسلافيا واستخدمت فى ذلك قنابل النابالم وأخطر الأسلحة الكيماوية فى فيتنام واليورانيوم المخصب والفوسفور الأبيض فى عدوانها على العراق قبل احتلاله سنة ٢٠٠٣.

وبينما قدمت اليابان اعتذارًا عن دخولها معركة صغيرة فى «بيرل هاربر» رفض الرئيس الأمريكى السابق أوباما تقديم أى اعتذار عن جريمة هيروشيما، وبرر ذلك بقوله: «على القادة أن يتخذوا جميع القرارات إبان الحرب»!.

وقد صرح قادة الغزو الأمريكى الإجرامى للعراق بأنه لم تكن لدى العراق أى أسلحة دمار شامل، لكنهم جميعًا رفضوا الاعتذار عن تمزيق العراق وقتل الملايين من أبنائه وهدم دولته، وقد سجل رئيس الوزراء البريطانى السابق جوردون براون فى كتابه «حياتى وعصرنا» الصادر ٢٠١٧ قوله إن: «البنتاجون كان على علم بأن بغداد لا تملك أسلحة الدمار الشامل ولم يبلغنا بذلك.. إننا لم نتلق معلومات خاطئة فحسب بل وضللنا أيضًا». 

وأفرد الرئيس الأمريكى جورج بوش فى مذكراته «قرارات مصيرية» فصلًا كاملًا للحرب على العراق، وانتهى فيه بأن «المخابرات فشلت فى العثور على أسلحة دمار شامل فى العراق»! أى أن موضوع أسلحة الدمار كان كذبة وذريعة للهيمنة على نفط العراق وهدم دولة عربية لصالح تقوية إسرائيل.

ومع تدمير العراق لا تفكر البيدوقراطية الأمريكية فى الاعتذار عن جرائمها فى هيروشيما والعراق وغيرهما، لكنها تطالب بتقديم الرئيس السودانى الأسبق عمر البشير لمحكمة جنائية دولية لمحاسبته على «ارتكاب جرائم حرب»! هكذا تتحدث البيدوقراطية الأمريكية التى هاجت وماجت دفاعًا عن الحرية حين أجبرت بيلاروسيا فى يونيو هذا العام طائرة على الهبوط فى مطار مينسك لاعتقال صحفى كان بداخلها، ونسيت البيدوقراطية تمامًا صمتها التام وتأييدها لما جرى فى يوليو ٢٠١٣ عندما أجبرت الدول الأوروبية طائرة الرئيس البوليفى على الهبوط فى فيينا لاعتقال «إدوارد سنودن»، موظف المخابرات الأمريكية الذى تمرد عليها!.