رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحب الديمقراطى العاشق بين النساء والرجال فى الحب

يتعلم الإنسان الدرس الأول فى الديمقراطية، ألا وهو كيف يتقبل ويحترم الآخر الذى هو بالضرورة مختلف عنه، فى الحب يفاجأ الإنسان بأنه أصبح منشغلًا بكل ما يجعل الآخر المختلف عنه ينمو ويتطور ويتفتح ويتألق ويتحرر، أليس فى هذا أجمل تدريب على الديمقراطية؟

هل الديمقراطية شىء آخر إلا هذا التوجه المنفتح نحو كيان غير ذاتى؟ الحب لا يعرف ولا يعترف بالفروق المصطنعة بين البشر، الحب يذيب جميع الفروق ويعبر كل الحواجز ويُحلّق بعيدًا فوق كل الاختلافات الطبقية العرقية والدينية والفكرية والعمرية والجغرافية والعنصرية الموروثة.

فالحب يمكن أن يجمع بين امرأة ثرية ورجل فقير، أو بين امرأة ذات ديانة معينة ورجل من ديانة مختلفة، والحب يمكن أن يلم شمل الشامى على المغربى، ويربط بين رجل له بشرة بيضاء وامرأة ذات بشرة سوداء، وبين رجل فى العقد الثالث من العمر وامرأة تعدت الخمسين أو الستين، أهناك ديمقراطية أكثر وأرقى من هذه التى يجسدها الحب؟

وإذا تأملنا الواقع نجد أن الفشل فى علاقات الحب يكمن بالتحديد فى افتقاد هذا "التوجه الديمقراطى" المنفتح تجاه الآخر، فالرجل قد تكون لديه مشاعر صادقة وجميلة للمرأة، لكنه عاجز عن التعامل معها ككيان مستقل لها طموحاتها وشخصيتها الحرة المنفصلة عنه، والمرأة قد تكون مخلصة فى عواطفها تجاه الرجل لكنها هى الأخرى عاجزة عن رؤيته فى إطار يضمن له الحرية والاستقلال عنها.

مشكلة الحب ليست غياب المشاعر أو العواطف ولكنها فى غياب "الإحساس الديمقراطى العاشق"، وهو يأتى منذ الطفولة من تربية الأب والأم، اللذين يجب أن يكون كل منهما حرًا ومستقلًا ويحترم مساحة الآخر وخصوصياته.

كل يوم هناك نساء ورجال فى العالم كله يقعون فى الحب، لكنه حب مريض متسـلط غير ديمقراطى التوجه، ديكتاتورى النزعة، يجنح إلى تملك الآخر وإخضاعه بدرجات وأشكال مختلفة يمكن أن تصل إلى إلغاء شخصية أحد الطرفين.

ولأن العالم هو عالم ذكورى، فإن الطرف الذى يعانى أكثر من نزعات التملك والسيطرة هو "المرأة"، والنتيجة هى أسرة مضطربة أحد أطرافها هو "الأعلى" والطرف الآخر هو "الأدنى"، وهذا التقسيم لا ينتج سعادة حقيقية، وإن ظهرت على السطح مظاهر كاذبة مزيفة على السعادة، ويظل الطرفان يتباكيان على بدايات الحب الجميلة ويتساءلان: أين ذهبت بهجة الأحاديث؟ وأين اختفى فرح اللقاءات؟

طبعًا المعيشة المشتركة اليومية تنقص من البهجة والتوهج والفرح، وتخمد من اشتعال المقابلات الأولى، لكنها مع الوعى والإدراك والرغبة الحقيقية فى التغيير يمكن معالجتها، وهى لا تسبب التعاسة أو الاكتئاب أو الندم.

الشىء الوحيد الحقيقى الذى يدمر ويخرب هو أن يشعر أحد الطرفين بأن الزواج بعد الحب الجميل المشتعل قد أفقده حريته وخصوصيته أو شخصيته بالكامل، والعيادات النفسية ممتلئة بهذه النماذج البائسة.

والآن ساهمت ما يسمونها "الصحوة الإسلامية"، وما لازمها من انتشار فتاوى الشيوخ الإخوانية السلفية الوهابية الحنبلية التى هى غارقة من رأسها حتى قدميها فى الذكورية الشرسة المتنمرة المتحرشة بالنساء- فى زيادة تسلط الرجال وسطوة الأزواج وبالتالى تزداد تلك النماذج البائسة.

الحب ابن الحرية، والزواج السعيد الصحى لا يعرف التسلط أو التحكم، وهو علاقة بين مواطنات ومواطنين أحرار، امرأة لا تريد "سيدًا" ولكن إنسانًا، ورجل لا يريد "جارية" ولكن إنسانة. 

ومع الأسف الأغانى والأفلام التى نسمعها ونشاهدها فى أغلبها تكرس لعلاقات غير صحية، غير متكافئة، علاقات تحتاج إلى علاج نفسى واجتماعى قبل أن تلقى علينا.

إن الحب بين الرجال والنساء هو "الحزب السياسى" الأمثل الذى يمكنه تعليم الديمقراطية دون خطب أو مواعظ أو شعارات،  وليس المجتمع الديمقراطى إلا تحصيل حاصل لمجتمع صحى، نساؤه ورجاله قادرون على الحب المنفتح تجاه الآخر، هذه هى البداية التى يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون أو يقللون من شأنها، وهى البداية المنطقية، لأن الإنسان العاجز عن تقبل الآخر الذى يقيم معه علاقة عاطفية بعد تواصل حميم تحت سقف واحد سيكون أكثر عجزًا عن تقبل الآخر البعيد عنه.

من بستان قصائدى
---------------------
الحب.. ليس أسطوانة 
نعيدها مرات ومرات 
الحب.. بحر متقلب 
خيال جامح وإبداع.. فأبقنى معك دائمًا 
فى دهشة وحيرة.. كن جريئا 
ولا تخف كسر الإيقاع