رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حار جاف «حارق».. صيفًا

علمونا في المدارس قديمًا أن مناخ مصر بشكل عام هو مناخ صحراوي حار، وهو جاف للغاية في جميع أنحاء البلاد باستثناء الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، الذي يستقبل هطول الأمطار في الشتاء، ونشأنا نردد مصطلحًا جغرافيًا واحدًا هو "مناخ مصر  حار جاف صيفًا، دفيء ممطر شتاءً".
سعيت للقراءة في الموضوع وعنه، فوجدت الخبراء يصرحون بأن مناخ مصر مقدم، بل دخل فعلاً مرحلة تغيرات واضحة، تتمثل في مزيد من الارتفاع في درجات الحرارة، زيادة هطول الأمطار التي قد تؤدي إلى زيادة فرص حدوث الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر المتوسط.
وبناءً على ما صارت تفرضه التغيرات المناخية من إجراءات وقائية أصبحت دول المنطقة ملزمة بسرعة اتخاذ تلك الإجراءات، وإلا فإن تحمل تبعات التغيرات سوف يكون صعبًا للغاية، و بناءً عليه فإن على الدولة - بل وكل دول المنطقة- السعى إلى إدراج مخاطر تغير المناخ في الخطط والسياسات العامة على مدار السنوات والعقود المقبلة.
وقد اهتمت الهيئة العامة للأرصاد الجوية بدراسة ظاهرة التغير المناخي، لدراسة مناخ مصر على مدار نصف قرن مضى، وذلك من خلال دراسة البيانات المناخية الخاصة بالطقس والخرائط وتوزيعات الضغط الجوى.
وفي تقرير صادم، صدر مؤخرًا، أكدت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية أن التغيرات أو ما وصفته بالانحرافات المناخية التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة ستمتد لآلاف السنين، هذه أخطار كارثية تجعل من الحتمي على المجتمع الدولي بأسره أن يسعى إلى اتخاذ إجراءات فورية لخفض معدلات الاحتباس الحراري؛ لمواجهة تلك التغيرات، ولفت التقرير إلى ترقب وقوع ظواهر مناخية متطرفة، تتمثل في موجات الحر والأمطار الغزيرة والجفاف ونسبة الأعاصير المدارية الشديدة.
ولم يكن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة قاصرًا على مصر وحدها فقد سجل بعض المدن في كندا 50 درجة مئوية في الظل، وفي الكويت وصلت درجة الحرارة إلى 54 درجة، وفي العراق وصلت إلى 52 درجة مئوية.
الأمر الذي يلفت إلى أن ظاهرة التغير المناخي غدت ظاهرة كونية تستلزم انتباهًا حقيقيًا من البشر أجمعين، ومن المنظمات العالمية المعنية بالأمر، وعلى هذه المنظمات أن تقوم بدورها حماية للأرض شمالها وجنوبها، وإلا فإن الأخطار المناخية، وما يترتب عليها من كوارث طبيعية وبيئية ستطال الجميع غنيًا كان أو فقيرًا، وستؤثر سلبًا على شركائنا في هذا الكوكب من نباتات وحيوانات.
تحذيرات قوية أطلقها العلماء والمختصون والمنظمات العالمية، هي تحذيرات ليست وليدة اليوم وإنما جاءت منذ تم عقد مؤتمر قمة المناخ فى البرازيل في ريو دى جانيرو سنة 1992، وحينها التزم المؤتمرون بالسعي نحو الحد من الانبعاثات الحرارية لمستويات يمكن السيطرة عليها، حتى لا تسبب أضرارًا لعملية إنتاج الغذاء.
فهل أنجز العالم شيئًا من هذه التعهدات حتى اللحظة؟ للأسف يظل العالم المتقدم في شره نحو تحقيق المكاسب المباشرة لشعوبه، وهو في هذا لا يعبأ بمن قد تصيبه الأضرار أو يتعرض للمخاطر نتيحة لتلك السلوكيات الغبية المدمرة للبيئة والمؤثرة في النهاية على المناخ.
وما يترتب عليها من ندرة في المياه وارتفاع في درجات الحرارة فى غير أوقاتها، وتلف في المحاصيل الزراعية، وتأثر الطرق بما قد يصل بها إلى حد الانهيار، وهذه أمور لو تعلمون عظيمة وخطيرة، تستلزم منا سرعة التكيف معها ومواجهتها بخطط استباقية.
ما عاد الحديث عن المناخ ولا عن شئونه نوعًا من الترف أيها السادة، بل إنه صار ضرورة للحفاظ على الحياة وعلى الوجود، وما تشهده الجزائر وتونس وسوريا ولبنان وشمالًا، حيث اليونان من حرائق في الغابات هي كلها نذر وأجراس تنبيه للبشرية.
باختصار شديد يمكن القول إن حرائق الغابات تلف الكرة الأرضية من الشرق إلى الغرب، وفي خمس من  قارات العالم، فهل بلغ الأمر من الخطورة ما صار يستلزم عقد قمة عالمية جديدة للمناخ، تكون قراراتها ملزمة لجميع الدول؟
بالتأكيد نعم، بل الأهم من هذا كله هو أن تضع تلك القمة آليات للثواب والعقاب، تصنع بها الإنسانية رؤية موضوعية، تضمن من خلالها تنفيذ تلك القرارات التي ستخرج بها لحماية الأرض، وإلا فإنها ستظل مجرد قرارات غير مفعلة، يضرب بها أغنياء الكوكب عرض الحائط تحقيقًا لمصالح بلدانهم، لينالوا هم خيرات الكرة الأرضية بينما يظل العالم الثالث مجرد مستودع يدفنون فيه نفاياتهم الأشد ضررًا بالبيئة وبشعوب تلك الدول البائسة.