رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعلومات

"كوبنهاجن عاصمة الدنمارك" دي معلومة صح؟ صح.

إيه اللي خلاها معلومة؟

في الواقع، أي جملة خبرية هي معلومة، خبرية يعني مش لـ غرض بلاغي مخصوص زي الاستفهام والطلب، فـ بذلك: 
"البنت جميلة" معلومة، "المعادن تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة" معلومة، "ولد عاصي الرحباني في 4 مايو 1923" معلومة، "فتحي رجع من الشغل تعبان" معلومة.

كذلك: "بدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914" معلومة، "القرع لما استوى قال لـ الخيار يا لوبيا" معلومة، "الجمل هو أكثر الثدييات تحملا للعطش" معلومة، "القمر يدور حول الأرض مرة كل 29 يوم ونصف" معلومة.

"نجيب محفوظ هو مؤلف رواية أولاد حارتنا" معلومة، "الأهلي حصل على بطولة الدوري العام المصري 42 مرة" معلومة، "نبيل مرتبه 17 ألف جنيه في الشهر" معلومة، "منى أكبر من نور بـ خمس سنين" معلومة.

أي جملة خبرية تتخيلها هي معلومة، قد تكون مهمة/ تافهة، صادقة/ كاذبة، حرفية/ مجازية، قديمة/ حديثة، مطلقة/ مقيدة، لكنها معلومة.

قد يختلف مجالها: السياسة/ الاقتصاد، الجغرافيا/ الفلك، الأدب/ البيولوجيا، الزراعة/ الفيزيا، الشخصي/ الاجتماعي/ إلخ إلخ، لكنها معلومة.

قد تختلف طريقة الحصول عليها: الإثبات العلمي/ المعاينة الشخصية، الوثائق الرسمية/ الرجوع لـ منشور، الانتقال الشفاهي/ الاستنتاج من معلومات أخرى إلخ إلخ، لكنها معلومة.
حيلو!

هل هناك علاقة بين كمية المعلومات التي نتحصل عليها وقدر "معرفتنا"؟

مش عايزك تتسرع في الإجابة، لـ أنه من طريقة طرحه كدا ممكن تكون الإجابة الأقرب هي "لا طبعا"، أو "مش شرط"، وي كـ أنها حاجة بديهية، بينما الواقع من حولنا بـ يقول لنا العكس.

أي بـ يقول لنا إنه أغلب الناس بـ تربط بين "كم" المعلومات و"قدر" المعرفة، وإن كان دا بـ يتم بـ أشكال مختلفة ومتباينة.

زمان لما كنا في المدرسة الإعدادية، أو يمكن الثانوية كمان، كانوا بـ يعملوا مسابقات بين الطلاب في المعلومات العامة، ويحتفوا جدا بـ الطلاب اللي عندهم كم كبير منها، وكانت المسابقات دي عاملة كدا زي "من سيربح المليون".

اللي هو سؤال: "ما هي عاصمة شيلي"، السؤال اللي بعده: "كم فقرة في عنق الزرافة"، اللي بعده: "من هو صاحب قوانين الحركة"، وهكذا وهكذا.

وكان الطلاب المتفوقين في هذا المضمار عندهم وسائل لـ تحصيل المعلومات زي مجلدات "س وج"، مش عارف إذا كنتو تعرفوها أو لأ، أو فاكرينها ولا لأ، لكنها كانت نموذج مبهر، لـ تكديس أكبر كم من "المعلومات"، في مجالات مختلفة.

الظاهرة دي ما كانتش بس في المدرسة، لكن عموما لما كنا نقعد ع القهوة كان بـ يبقى فيه انبهار لو حد من القاعدين يقدر ياخد ويدي في أي موضوع يتفتح، أيا كان مجاله، لـ أنه يمتلك حصيلة معلومات عنه تكفي إنه يخوض هذا النقاش.

دلوقتي، ما أعرفش إذا دا لسه شغال ولا لأ، ولو إني شخصيا لي أكتر من تجربة، وهى إنه أحظى بـ تقدير لـ إني بـ أعرف كم معلومات هايل «بـ النسبة لهم طبعا» وكانوا أحيانا يسموني "جوجل"، ويقولوا لـ بعض اسأل جوجل، أي يسألني. 

هـ أرجع لـ التجربة دي، وإزاي وليه الموضوع دا كان بـ يضايقني.

لكن ما دمنا جبنا سيرة جوجل، فـ هذا المخزن العملاق لـ المعلومات يثير انبهار البشر في العالم، نتيجة إنه يجمع كما هائلا من المعلومات.

الأمر فقط يتعلق بـ الكم، حتى اسمه "جوجل"، بـ يحيلك إلى هذا الأمر.

ناس كتير افترضوا وقت ظهوره إنه هـ يؤدي إلى خلق أجيال أكثر معرفة واطلاعا، نتيجة سهولة الوصول إلى المعلومات بـ صورة لم تعرفها البشرية من قبل، بل لم تتخيلها أصلا، فـ هل دا حصل؟

كما أرى، إنه بعد عشرين سنة تقريبا من ظهور المخزن العملاق، مفيش حاجة تقريبا اتغيرت، اللي عنده معرفة زادت، واللي عنده جهل زاد.

"المعلومات" كانت متوافرة في بطون الكتب، ولم يكن المانع نحو تحصيلها، والاستفادة منها، هو صعوبة عملية ما، فـ يبقى التسهيل حل.

بـ أقول دا، وأنا شخصيا استفدت من جوجل استفادة ضخمة جدا، بـ اعتباري نشأت في عصر ما قبل الكومبيوتر، فـ لمست الفرق.

إنما الاستفادة اللي اتحققت تشبه كدا واحد كان بـ يروح الشغل بـ أتوبيس الهيئة، ولا ميكروباص، ثم جابوا له عربية بـ سواق، فـ بقى في إمكانه الوصول لـ الشغل أسهل وأسرع وأريح.. إنما مفيش تغيير في الشغل نفسه، لا العربية هـ تزود كفاءته، ولا هـ تقلل عنه الضغوط.
الخلاصة هنا إنه البشر بـ ينبهروا بـ كثافة المعلومات، سواء توافرت لدى شخص أو على مخزن، وبـ يفترضوا إنه هذه الضخامة لا بد تنتج قدر من المعرفة. 

كل ما يكتشفوا إنه الموضوع مش كدا، يتغير الشكل، وتظهر حاجة، تبدو أنها كثيفة المعلومات، أو هي فعلا مصدر معلومات مكثفة، فـ ينبهر البشر، ويفترضوا أنها مصدر لـ المعرفة، والمعرفة دي يعني العلم، والعلم زي ما إحنا عارفين هو سبيل البشرية لـ التقدم. 

طيب: هل فيه فعلا علاقة بين هذا وذلك وهؤلاء؟.. خلينا نشوف دا في مقالات مقبلة.