رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاقتصاد التونسى تحت إدارة الإسلام السياسى

 

فى يوم ٢٥ يوليو الماضى قام الشعب التونسى بالنزول إلى الشارع مطالبًا بإسقاط الإخوان المسلمين ممثلين فى حركة النهضة بعد ١٠ سنوات من حكمهم، وهو الأمر الذى استجاب له الرئيس قيس سعيد عبر مجموعة من القرارات المهمة والجوهرية، التى على رأسها تعليق عمل البرلمان برئاسة الغنوشى، وإقالة رئيس الوزراء، وهذه الخطوة اعتبرها الإسلاميون «انقلابًا» على الديمقراطية، لا يمكن فصل الأزمة فى المشهد السياسى التونسى عما آل إليه الاقتصاد من تدهور كبير، ومن هذا المنطلق سأقوم بقراءة بانورامية للوضع الاقتصادى أثناء حكم حركة النهضة.

منذ انتهاء حقبة بن على وصعود الإسلام السياسى فى تونس، واجهت الدولة التونسية مجموعة من التحديات الاقتصادية التى فشلت حركة النهضة فى إدارتها خلال عشر سنوات من تواجدها فى السلطة، حيث أفضت استراتيجية «التمكين» التى تحركت على أساسها النهضة للسيطرة على مفاصل المجتمع التونسى إلى فساد استشرى فى شتى النواحى، وهو ما انعكس على الوضعين الاقتصادى والاجتماعى التنمويين، وعلى إدارة ملف أزمة كورونا سأبدأ بمعدل الناتج المحلى الإجمالى، الذى يقترب من ٤٠ مليار دولار عام ٢٠٢٠ إذ استخدمنا مقياس $ Current US، سنجده يقل عن معدل عام ٢٠١٠ بـ٤.٥ مليار دولار، أى أن معدل النمو خلال هذه الفترة قد انكمش بنسبة تزيد على ١١٪، وهو ما يعنى الانتقال من أزمة اقتصادية إلى مقدمات إفلاس. حيث توغل الفساد والصراعات السياسية الحِدية؛ مما أثر على بيئة الاستثمار وتدهور الإنتاج، وتراجع قيمة العملة بنسبة ٤٠٪، وهى الحالة المعروفة بالسير نحو الإفلاس أو الاستدانة، وهو أمر لم يحدث فى تونس منذ الاستقلال.

واذا انتقلنا إلى مؤشر نصيب الفرد إلى الناتج المحلى الإجمالى، نجده فى نفس مستوى نصيب الفرد لعام ٢٠٠٥، وهذا المؤشر المهم يدخل أيضًا ضمن معايير حساب مؤشر السعادة العالمى، الذى تحتل تونس فيه المرتبة ١٢٢.

لقد كانت البطالة من أهم العوامل الدافعة لحرق محمد بوعزيزى نفسه فى عام ٢٠١٠، الذى كان بمثابة الشرارة لنزول المواطنين للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فكان معدل البطالة حينذاك ١٢٪، الذى أصبح الآن يزيد على ١٨٪، وبلغت معدلات الفقر أكثر من ٢٠ ٪، وهو وضع تجلى فى تراجع حجم الطبقة المتوسطة إلى ٥٠٪ بعد أن كانت ٧٠٪، فتنامى الطبقة المتوسطة أو انخفاضها يرتبط بمدى نجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية فى تحقيق العدالة، وتوزيع الدخول، وهو ما يعنى فشل حكومات النهضة فى تونس، وتخبطها فى القرارات الاقتصادية والاجتماعية.. من ناحية أخرى ارتفعت نسبة الدين تقريبًا إلى ٣٥.٦ مليار دولار، بما يزيد على ١٠٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وفى هذا الصدد يتعين على تونس فى هذا العام سداد ٥.٦ مليار دولار، فضلًا عن حاجتها إلى ٦.٥ مليار دولار لسد عجز ميزانية ٢٠٢١، وهو ما يضطرها إلى المزيد من الاستدانة من المؤسسات الدولية، فى ظل تراجع معدلات الدخل، وبطبيعة الحال هذا الوضع كاشف لحجم المأزق المالى الذى تواجهه تونس، حيث بلغ العجز المالى ١١.٥ ٪ فى عام ٢٠٢٠، وهو أمر لم يحدث منذ أكثر من ثلاثة عقود تقريبًا، وهو مأزق، مسئول عنه الاختلال الكبير بين النفقات والإيرادات، وزيادة النفقات العامة على حساب الاستثمار، وهو ما يضع تونس فى الفترة المقبلة أمام تحديات كبرى، تتمثل فى اتخاذ خطوات إصلاحية رشيدة يتوافق عليها الرفقاء السياسيون من أحزاب ونقابات، وتحتوى على برامج اقتصادية تمكن الدولة التونسية من استعادة الأموال الهاربة، وجذب تحويلات العاملين بالخارج وإدماجها فى عمليات إنتاجية، أو العمل على تأجيل الديون وليست جدولتها، والوصول إلى تفاهمات مع شركائها لتحويل بعض الديون إلى استثمارات، من أجل اكتساب ثقة العالم مرة أخرى إلى تونس، وعودة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة بعد تراجعها بأكثر من ٢٩ ٪.

أما على المستوى القطاعى، فقد تأثر القطاع الصناعى بشكل كبير نتيجة لتوقف الاستثمارات، ويمكن القول إن هذا القطاع أصابه «التصحر»، أما فيما يخص القطاع الصحى فقد كشفت أزمة كورونا عن قدر كبير من انعدام الجدية فى مواجهة الوباء، وهو ما زاد من قلق المواطنين من عدم قدرة حكومة النهضة وحلفائها على احتواء الأزمة، وفى القطاع السياحى الذى يعد أهم قطاع بعد القطاع الزراعى، تراجعت عوائد السياحة بنسبة ٧٤٪ عن ما قبل الجائحة، بعد أن اعتبرت دول كثيرة أوروبية وأمريكية ودولة روسيا تونس منطقة حمراء، وترتب على ذلك منع مواطنيها من السياحة فى تونس.

هذا الوضع المزرى للاقتصاد التونسى لم يكن فقط ناتجًا عن الأبعاد الاقتصادية، فقد تشابكت عوامل كثيرة فى الوصول إلى هذه الوضعية التى دفع ثمنها المواطنون التوانسة من المجموعات الاجتماعية الصغيرة، والمتوسطة، والفقيرة.

إننا إزاء فشل اقتصادى، وسياسى، واجتماعى ارتبط بسياسات الإسلاميين حين يصلون إلى السلطة فى البلاد العربية، وهو ما حدث أيضًا فى السودان الذى اندلعت فيه الثورة ضد حكم البشير والجبهة القومية الإسلامية.