رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصرُ عادت شمسُك الذهبُ

فرضت علينا ظروف الكورونا عددًا كبيرًا من الإجراءات الاحترازية التي قيدت حركة الناس بصورة كبيرة، واضطرت معها السلطات لاتخاذ عدد من الإجراءات الصارمة حماية للمواطنين وحفاظًا عليهم من خطر الإصابة بالفيروس، ورغم فقدنا عددًا كبيرًا من الأحبة نتيجة تداعيات مرض كوفيد 19، غير أن لطف الله ثم جهود الدولة وتعاملها باحترافية مع الجائحة العالمية جعل الكارثة أقل وطأة وأخف حدة، ونسأله تعالى مزيدًا من الستر والعون لوطننا وقيادتنا وهيئاتنا الطبية.
ومع عودة الحياة لطبيعتها، بدأت حياتنا تعود تدريجيًا لسيرتها الأولى، فهذه القاهرة التي لا تنام، وتلك لياليها الساهرة وهؤلاء هم إخوتنا العرب وقد بدأوا يعودون لمعشوقتهم ووطنهم الثاني ليسعدوا بقضاء عطلاتهم وإجازتهم الصيفية في أجواء مصر الساحرة في صحبة شعبها الطيب المضياف، وهكذا بدأت- وإن كان على استحياء- تدب معالم الحياة في كل المزارات التي ظلت مهجورة لنحو سنتين مضتا.
وكيف لا وهذا رئيس الجمهورية ينزل في جولاته الأسبوعية وسط المواطنين، متفقدًا أحوالهم ومتريضًا مع الشباب، كما لم يتردد سيادته في توجيه المسئولين بالحرص على إنجاز المشروعات القومية في توقيتاتها المخططة، ليس هذا فحسب وإنما ظل حرص سيادته على اصطحاب المسئولين وكبار الصحفيين لمواقع العمل ليشهدوا بأنفسهم معدلات الإنجاز وليكونوا شهودًا على ما تم في ظرف صحي عطل الحياة في معظم دول العالم وفي أنجح اقتصادياتها، ففي الأسبوع الماضي توجهت القيادة المصرية نحو مدينة السادات لافتتاح مشروع ضخم يهدف لبناء الإنسان المصري- لاسيما الأطفال منهم- من خلال مصنع معني بإعداد وتجهيز الوجبات الغذائية لطلاب المدارس بمواصفات صحية.
في ذات اليوم تقريبًا حضرتُ فعاليتين ثقافيتين سعدت بهما لأنهما أعادا لي من جديد سيرة القاهرة كمدينة ساحرة قبل أن تعطل حركتنا لفترة جائحة كورونا، الحدث الأول كان ندوة ثقافية فنية في مكتبة القاهرة الكبرى أدارها الإعلامي أيمن عدلي، وشارك فيها الكاتب محمد السيد عيد صاحب عدد كبير من مسلسلات السيرة الذاتية التي خلدت رموز مصر من المفكرين أمثال: قاسم أمين، مصطفى مشرفة، علي مبارك، طلعت حرب وغيرهم، كما شاركت في الندوة ذاتها المخرجة إنعام محمد علي صاحبة مسلسلات بقيمة: أم كلثوم، ضمير أبلة حكمت، هي والمستحيل، رجل من هذا الزمان.
والجميل أنني فوجئت بمشاركة عدد من الشخصيات العامة التي لم تغادر مكان الندوة إلا حين انتهت بعد حوالي ساعتين ونصف الساعة من البداية، فكان من بين الحضور المستشار محمد شيرين فهمي الذي أبهرني باهتمامه بهذا الجانب بعيدًا عن ميدانه القضائي وساحته القانونية، والنائب النشط محمود بكري عضو مجلس الشيوخ، وكذلك عالم اللغة وعضو مجمعها د.حافظ شمس الدين، والدكتورة منى مكرم عبيد، والسفير رضا الطايفي وغيرهم كثر.
الفعالية الثانية حضرتها بعد انتهاء الأولى بنحو ساعتين وهي فعالية ثقافية احتفلت بصدور رواية جديدة للأديب والإعلامي المصري المغترب محمود الورواري، وبقدر سعادتي بالمنجز الأدبي، غيرأن فرحتي كانت أكبر بمستوى الحضور من فنانين كبار أمثال: سامح الصريطي، مجدي أحمد علي، محمد رياض، ناصر النوبي. علاوة  على مشاركة نجوم في ميادين أخرى أمثال النقاد الكبار الدكاترة: أحمد عبدالحميد، حسين حمودة، محمود الضبع، وكذلك اللواء محمود الفيشاوي، والصحفيين كارم محمود ومصطفى البلك، والكاتب والنائب محمود مسلم، فضلًا عن عدد كبير آخر من عشاق الأدب الدين افتقدوا هذا الحراك الثقافي، اللهم إلا في معرض الكتاب الذي أحسنت الدولة بحرصها على تنظيمه هذا العام في إطار خطة عودة الحياة مع الحفاظ على الإجراءات الاحترازية.
وفضلًا عن متعتي الشخصية مع قراءة فصول رواية الورواري وانبهاري بروعة السرد وحرفية اختيار المفردات، إلا أن سعادتي لم تقتصرعلى مجرد صدور منجز أدبي جديد لصديق وزميل إعلامي أقدره مهنيًا وإبداعيًا، ولا في مستوى الحوار النقدي الراقي الدي أداره الحضور، ولكن السعادة الحقيقية كانت بما قرأته على وجوه الجمهور سعادةً بعودة شمس القاهرة المبدعة لتشرق من جديد- بعد أشهر طالت من الأفول- وتفاؤلًا بمزيد من الحراكين الفني والثقافي الذلين يميزان القاهرة عن غيرها من عواصم المنطقة بل والعالم، وحين عدت إلى منزلي طالعت أخبار اليوم التالي فإذا بقرار عودة مهرجان القلعة للموسيقى والغناء منتصف الشهر الجاري.
نمت ليلتها سعيدًا مرددًا أغنية قيثارة السماء وهي تشدو "مصرُ عادت شمسُك الذهبُ تحمل الأرض وتغتربُ.. مصر يا شعبًا جديد غدٍ صوب وجه الشمس يغتربُ".