رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحداث تمرد الأمن المركزي.. تاريخ لن ننساه (12)

مع مطلع عام 1986 كانت أمور الدولة تسير بطريقة روتينية وهادئة تمامًا. كانت الجماعات الإسلامية التي اغتالت السادات قد نزلت الي طور الكمون، وخصوصًا بعد صدور الأحكام في قضايا المنصة. ولم تحدث عملية واحدة عملياتها المسلحة، لأجل هذا لم تلفت الأنظار الي خطورة ما تقوم به من إعادة بناء تشكيلاتها في قري ومدن ومصر بهدوء تام، ودون ضجيج، تحت نظر الشرطة المصرية.  
وفجأة، في الساعة السادسة من صباح 26 فبراير 1986أعلنت أجهزة الإعلام أنه تم فرض حظر تجول في منطقة الأهرامات بالجيزة اعتبارًا من الساعة السادسة صباحًا، وذلك بسبب تمرد المجندين بقطاع الأمن المركزي بمنطقة الأهرامات.
وفي الثانية والنصف بعد الظهر أعلن عن فرض حظر تجول اعتبارًا من الساعة الرابعة وحتى إشعار آخر، كما أعلن عن انتشار القوات المسلحة في الشوارع الرئيسية بالقاهرة والجيزة وذلك للمحافظة علي الأرواح والممتلكات.
وفي الساعة السادسة أعلن قرار إغلاق المدارس والجامعات في القاهرة والإسكندرية والجيزة وأسيوط وسوهاج. 
وأعلن وزير الأعلام في التليفزيون ان الأمن مستتب تمامًا، وأنه تم تعيين قائد المنطقة العسكرية بأسيوط حاكمًا عسكريًا. وعندما تحدث وزير الإعلام عن حادث التمرد ذكر أنه تم العثور على مبلغ خمسين جنيهًا مع بعض جنود الأمن المركزي المقبوض عليهم، وهي عبارة عن خمسة أوراق من فئة العشرة جنيهات مع كل منهم، وكلها أوراق جديدة. وأعلن الوزير أنه تم تبادل إطلاق النار بين المجندين في الأمن المركزي وبين الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة بمنطقة منقباد بأسيوط حيث تتجاور معسكرات القوات المسلحة مع معسكرات الأمن المركزي. 
كما تكرر تبادل إطلاق النيران في منطقة الهرم بالجيزة، وطريق الإسكندرية الصحراوي.
وفي يوم 28 فبراير 1986 أدي اللواء ذكي بدر، اليمين أمام رئيس الجمهورية كوزير للداخلة خلفًا للواء أحمد رشدي، وأعلن النائب العام أنه سيذيع التفاصيل الكاملة بعد انتهاء التحقيقات، وأن المتهمين سيحاكمون طبقًا للمواد 1 و2 و3 من قانون العقوبات رقم 10 لسنة 1968.
كما نشرت الصحف أن المتهمين وهم من جنود الأمن المركزي، قام بتجميعهم" شاويش السرية" في قطاع الهرم وقرأ عليهم منشور صدر عن وزارة الحربية بزيادة مدة تجنيدهم عامًا رابعًا، فخرجوا من المعسكر في حالة هياج وثورة وأشعلوا النيران في الفنادق والمحلات المجاورة لشارع الهرم.
وقرر الوزير النزول لمقابلة الجنود المتمردين.
قبل أن يصل الي الثكنات شاهد الوزير عددًا كبيرًا من الجنود يتظاهرون، في طريق شارع الهرم. 
نزل الوزير من سيارته وتقدم نحو العساكر المتظاهرين. يقول اللواء أحمد رشدي إن الجنود بدأوا في العودة فعلًا إلي ثكناتهم، وظل أحمد رشدي يسير خلفهم حتى وصلوا إلي أول طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وبعد ان دخل الجنود، وعندما بدأ الوزير يركب سيارته، فوجئ بمجموعة من جنود قوات الأمن، يخرجون من جديد من المعسكر، ويقذفون سيارة الوزير بالحجارة. 
خرج الوزير مسرعا من المعسكر، حتى وصل الى مكتب محافظ الجيزة فوجئ وزير الداخلية بالدكتور عبدالحميد حسن محافظ الجيزة ومعه اللواء حسن أبوباشا وزير الداخلية السابق ووزير الحكم المحلي الحالي، وبالفعل أتصل وزير الداخلية برئيس الجمهورية، وأبلغه بالتفاصيل. 
بعد ان انتهي من حديثه مع رئيس الجمهورية، قال له الدكتور عبدالحميد حسن محافظ الجيزة:
- الدوشة دي والموضوع ده، ليس له إلا حل واحد، إما ان سيادتك تستقيل، أو أستقيل أنا!
لم يرد أحمد رشدي. 
ربما أدرك ما هو مطلوب منه. 
وعلى الفور ركب سيارته وغادر مبني المحافظة، وتوجه الي مكتبه في الوزارة، وجمع أوراقه، وغادر الي بيته.
الغريب ان احمد رشدي قرر ان ما حدث في صباح 26 فبراير 1986 كان مدبرا ضد وزير الداخلية، أي ضد احمد رشدي، فعندما سأله الصحفي احمد مصطفي:
- هل تعرف ان أحداث تمرد قوات الأمن المركزي كان مؤامرة مدبرة ضدك؟
وأجاب الوزير:
- نعم عرفت ذلك من بعض أصدقائي من قيادات القوات المسلحة.
وقد كتب الصحفي احمد مصطفي كتابه شاهد علي أسرار وزراء مصر عام 1995. وربما نشر بعضا منه في صحف قبل هذا التاريخ. 
ورغم خطورة ما ذكره الوزير من أنه كانت هناك مؤامرة تدبر ضده من بعض العناصر القيادية في الدولة حسب ما أخبره به بعض أصدقاء الوزير من قيادات القوات المسلحة. فان أحدا لم يطالب الوزير بتوضيح ما كتبه، كما لم تتدخل أي هيئة من الهيئات التي تهيمن علي الأمن القومي لتوضح للناس أبعاد تلك المؤامرة، والمقصود بها، ورغم ان كلام الوزير يمس الأمن القومي المصري فإننا نتساءل 
من هو صاحب المصلحة في إبعاد احمد رشدي بالذات؟ 
ومن هو المسئول الذي يتآمر علي وزير الداخلية؟
ولمصلحة من تحدث تلك المؤامرة؟
فيما بعد، وفي عام سبتمبر 2010 , كشف اللواء أحمد رشدي، في حواره لبرنامج الحياة والناس، مع الإعلامية رولا خرسا، عن تفاصيل أخري عما حدث ليلية انقلاب عساكر الأمن المركزي، وتركه للوزارة، حيث كان أول وزير في مصر يتقدم باستقالته، ولم يقال كما ردد البعض وقتها، مؤكدًا أنه كانت قد أثيرت إشاعة بزيادة مدة العمل لعساكر الأمن المركزي لمدة عام.. يتبع.