رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أم منيع ونسيبة وأسماء».. سيدات لعبن أدورًا بارزة في الهجرة النبوية

الهجرة النبوية
الهجرة النبوية

يحتفل العالم الإسلامي اليوم بالعام الهجري الجديد، والذي يوافق اليوم الأول من شهر المحرم، وهو بداية التقويم الإسلامي.

وقد لعبت المرأة دورًا كبير في المجتمع النبوي منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد شاركت في بيعات النبي وغزواته، وكانت تعلم الناس أمور دينهم ومستشارة في عهده، وقبل الهجرة وبعدها لعبت بعض النساء دورا كبيرا في تلك الهجرة، فقد كان يأخذ الصحابة أمور دينهم من السيدة عائشة رضى الله عنها.

فكانت هجرة النبي ليست كهجرة باقي البشر، وإنما جاءت بأمر الله لتمكين دين الإسلام بإرساء قواعده ، ومنذ أن كان في غار حراء لعبت المرأة في هذا التوقيت دور.

وعندما نحتفل بذكري الهجرة النبوية التي كانت نقطة تحول في نشر الدعوة يجب أن نبرز الدور المهم الذي قامت به المرأة العربية المسلمة والشدائد التي احتملتها في سبيل الله.

"الدستور" يرصد خلال السطور القادمة  أبرز النساء التي كان لهن دور مؤثر في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفقا لما جاء في كتب السيرة النبوية.

أسماء بنت أبي بكر

لعبت أسماء  دورا كبيرا في هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ، فقد حملت إليهما ما يحتاجان إليه من الطعام والشراب وهما مختبئان في غار ثور ولما عزما على الارتحال من الغار لم تجد ما تعلق به الطعام والماء في رحالهما، فشقت نطاقها وعلقت الطعام بنصفه وانتطقت بالنصف الآخر، فسميت ذات النطاقين.

وقد نالها من الأذى ما نال غيرها من الرجال والنساء ،ولكنها صبرت واحتسبت.تقول (رضي الله عنها) : ((لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ فَقَالُوا : أَيْنَ أَبُوك يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ قُلْت : لَا أَدْرِي وَاَللّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَتْ فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا ، فَلَطَمَ خَدّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي .))

لقد وقفت (رضي الله عنها)  عنها في وجه البغي والطغيان ولم تفش سر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا صاحبه ، ويا له من درس رائع للنساء المسلمات في كل مكان وفي كل عصر، وما أجمل ما قاله الإمام الماوردي : "كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح وأدوم أحوال الصلاح".

وكان لأسماء دور بارز في بيت أبيها حيث ترك أبو بكر (رضي الله عنه)  أباه شيخاً كبيراً ضريراً، أي: أعمى، وخرج أبو بكر مهاجراً بكل ماله في سبيل الله، فقال أبو قحافة لأسماء : ماذا ترك لنا أبو بكر ؟ فأخذت ظرفاً ملأته من الحجارة وحركته وقالت: ترك لنا هذا المال الكثير، فأراد الشيخ أن يحمل الظرف فإذا هو ثقيل: فقال: هذا مال كثير، فمن تركه لا عليه أن يسافر ويخاطر!. تقول أسماء: " ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن اسكن الشيخ بذلك"

لقد استخدمت فطنتها وعقلها لتستر أمر أبيها وتسكن قلب جدها الضرير وتخفف من حزنه ولوعته على ابنه المهاجر الذي كان يرعاه ويقوم على أمره وكلها ثقة أن الله عز وجل لن يضيعهم.

نسيبة بنت كعب المازنية

بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وأخذ يدعو قومه ، فأسلم منهم قليل ، وبسطت قريش أيديها وألسنتها بالسوء ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل عله يجد من بينها ناصراً ، فلم يجد منها جميعاً أذناً صاغية ولا قلباً واعياً حي لقي في موسم الحج نفراً من الخزرج فعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فصدقوه وآمنوا به ، وقالوا : إنا تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، وعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك ، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله إليه ، فلا رجل أعز منك ، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بايعوه .

فلما عاد إلى المدينة المنورة أذاعوا بها الإسلام فأجاب داعيتهم خلق كثير، حتى إذا كان موسم الحج من قابل ذلك العام ، خرج من المدينة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعوه ويؤتوه عهدهم وذمامهم أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم ، فتوافدوا جميعاً إلى العقبة الثانية التي كانت النواة الأولى في لبنة الدولة الإسلامية وما يهمنا من أمر هذه البيعة هو ما كان من أمر المرأتين وهما :

نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو من بني النجار: وتكنى أم عمارة الأنصارية، وهي زوج زيد بن عاصم الصحابي الجليل، وكانت بطلة مجاهدة من أبطال الإسلام، ويحفظ لها التاريخ وقفتها يوم أحد ، وهي تقاتل دون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: "ما التفت يمينا وشمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني " وقد جرحت ثلاثة عشر جرحاً، والدم ينزف منها ، فنادى المصطفى صلى الله عليه وسلم ابنها عمارة قائلاً : " أمك أمك أعصب جرحها ، بارك الله عليكم من أهل بيت ، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان " فلما سمعت أمه قالت : ادع الله أن نرافقك في الجنة، فقال : " اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة" فقالت : ما أبالي ما أصابني من الدنيا .

ويحدث التاريخ عن موقفها في حروب الردة ومقاتلة مسيلمة الكذاب الذي قتل ابنها حبيب وقطعه قطعاً، وشاركت في الحرب كأحد الأبطال الميامين حتى قطعت يدها ، فهذه المرأة وما اتصفت به من صفات تفوق الخيال كانت أولى المبايعات للنبي صلى الله عليه وسلم وامرأة بمثل هذه القوة والشجاعة لابد أن يكون لها في قومها رأي ومكانة ، ولابد أن يكون لها تأثير على نساء قومها ، الذين عرفوا فيما بعد الأنصار .

 أم منيع 

هي أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن سواد بن سلمة، وتعرف بأم منيع الأنصارية، وهي أم معاذ بن جبل، أحد الأئمة المعدودين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسلمت حين تنفس صبح الإسلام بالمدينة المنورة، قبل بيعة العقبة الثانية، وجاءت مع وفد البيعة وكانت من أتم القوم عقلاً ، وأحكمهم رأياً، ومن المشاركات في الجهاد في غزوة خيبر .

كلتا المرأتين كانت مثالاً في قومها للرأي والحكمة والعقل والشجاعة ، ولا بد أن يكون لذلك تأثير على من سواهما من نساء يثرب، فقامتا مع الرجال بتعبئة الجو العام اليثربي وتهيئته للإسلام حتى كانت الهجرة فكان المجتمع اليثربي مستعداً لتكوين وتشييد وإقامة الدولة الإسلامية التي تكونت نواتها الأولى ببيعة العقبة.