رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هوت ماروك».. رواية لـ ياسين عدنان ترصد ملامح المجتمع المغربي

غلاف الرواية في طبعتها
غلاف الرواية في طبعتها الإنجليزية

 يبحر الكاتب المغربي ياسين عدنان٬ في روايته "هوت ماروك"٬ والتي صدرت حديثًا عن دار نشر جامعة سيراكيوز بولاية نيويورك٬ في نسختها الإنجليزية للمستعرب الأمريكي أليكس ألينسون.

 وكانت الرواية  قد صدرت لأوّل مرة في طبعتها العربية عام 2016 عن دار العين للنشر، ووصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، جائزة البوكر العربية لعام 2017.

يشرح المؤلف ويرصد ملامح المجتمع المغربي السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الفترة من منتصف السبعينيات، وحتى أواسط الألفية الثانية. من خلال تتبع رحلة «رحال العوينة» يعرى الراوى آفات التنظيمات السياسية ومحاولات أدلجة خطابات يسارية ويمينية، وما طفح به الواقع الجامعي من فساد مستشر من أول تجنيد الطلاب من قبل الأمن لكتابة التقارير عن زملائهم، وانتهاء بفساد أساتذة الجامعة أنفسهم.


فنرى «بوشعيب المخلوفى» أستاذ الأدب العربى بجامعة القاضي عياض، بدأ حياته كفقى يحفظ القرآن للصبية الصغار، وحينما اتجهت الدولة لإنشاء الجامعات، استعانت بمعلمي المدارس الثانوية فى التعليم الجامعي، شريطة أن يستأنفوا إجازاتهم خلال أربع سنوات، المخلوفي كعقلية نقلية محافظة، استعان هو الآخر بمجهودات الطلبة فى إنجاز رسالة الدكتوراه، وبدورهم سطوا على أبحاث بعض الباحثين المشرقيين لإتمام بحث المخلوفي.

رحال العوينة نجل عبدالسلام الخانع القانع، يذعن لرغبة رحال فى الهجرة من الحمراء إلى مراكش، عبدالسلام المنهزم أمام رغبات الآخرين، فقد تزوج رغما عنه من «حليمة» التى تناثرت الأقاويل عن علاقتها بأخيه الأصغر «عياد» وبثت الشائعات عن نسب رحال لعمه عياد والذى ينتهى بزواج حليمة من عياد عقب وفاته.

ورغم محاولات رحال فى إدخال البهجة على قلب أبيه، والتحاقه بالجامعة من أجل خاطره إلا أن عبدالسلام مات كمدًا، مات جسديا فقط بينما روحه كانت قد فارقته منذ زمن، الهزائم والخسارات التى حاقت به طوال عمره كانت قد أماتته، والفترة التي لازم فيها الموتى وسكنى القبور أزهقت علاقته بالأحياء، فنراه فى عقد قران ابنة رحال، يقرأ سورة «يس» مما أدخل البؤس والشؤم فى قلب حسنية القنفذة كما كان يسميها رحال.

كانت حادثة «يس» كافية لينقلب العرس إلى شبه مأتم، العدلان أستاذنا فى الانصراف، وأم العيد التي انتبهت لتقلب مزاج وحيدتها بدأت فى إطفاء الأنوار وجمع المائدة. يجىء رحال العوينة فى مركز الحكاية بكل ما فيه من ضعف وجبن وتخاذل، قلبه يمتلئ بالحقد على الجميع، يصنفهم كحيوانات هو نفسه أشبه بجرذ، وإن كان قد اختار السنجاب قرينا حيوانيا له.


ورغم أن السنجاب يمتلك ذاكرة مبهرة إلا أنها لم تسعفه، في قسم التاريخ والجغرافيا ففشل فيه، وتحول إلى قسم الأدب العربي ليدرس على يد بوشعيب المخلوفي، ربما نتعاطف قليلا مع رحال ونلتمس له الأعذار خاصة أنه حرم من حنان العائلة البائسة التي تقلبت في الفقر والحرمان، 

لكننا سندينه وهو يتحول إلى جاسوس بين زملائه فى الجامعة، ويصل به الأمر أن يتتبع مسيرة زميله «وفيق الدرعي» حاقدًا على ما وصل إليه من مكانه في الوسط الثقافي المغربي كشاعر مرموق يشار إليه بالبنان، حقده تجاه «الدرعي» تجلى فى الكتابات البذيئة التي كان يخطها على جدار الحمام فى المدرسة، تلك العادة لازمته وتحولت من جدران الحمامات إلى التعليقات على المواقع الإلكترونية، وكان أكبرها وأهمها موقع «هوت ماروك».

وحين يكتشف جماهيريته بين المتعطشين للسباب ونهش الأعراض والنيل من الآخرين، وكان أولهم «وفيق الدرعي»، يوغل فى عادته حتى يلتقطه الأمن «الأخ الأكبر» الذى يراقب الجميع طوال الوقت.


تتحول عادة رحال إلى مهنة تدر عليه آلاف الدراهم شهريًا ووصلت لتكوين جيش من اللجان الإلكترونية تحت قيادة العميد العيادى والرفيق مختار اللذين كانا مندسين بين طلاب الجامعة، يتخذ من وظيفته فى سيبر «أشبال الأطلس» الفرصة ليتلصص على رواده، يتتبع إيميلات نجمة مراكش، والكابو الأفريكانو، وحتى «أسماء» عاملة المقهى حرمها من فرصة السفر لإيطاليا، وهو يكذب عليها بأن أحدا لم يستجب للبريد الإلكترونى الذى أرسلته. 


ويستغل «رحال» صورها فى حساب وهمى على الفيس بوك، للإيقاع بالسياسيين والمثقفين ونخبة المجتمع المغربي، حتى يصل لعماد القطيفة ويسبب له فضيحة مع زوجته هيام، فتطلب منه الطلاق فى أوج المعركة الانتخابية.

كما فضحت «هوت ماروك» كواليس العالم السرى للصحافة وما يجرى فى بلاطها، والعلاقة المحرمة ما بين السياسة والصحافة والأحزاب، خاصة زعيمَيْ حزب الأخطبوط وحزب الناقة ومن يدور في فلكهما من أحزاب التفريخ وفق سُنّة المخزن، سُنّة خداع الشعب وخلق التحالفات المصلحية، وصنع المفاخر السياسية الواهية، بالكذب والشعارات والخطب الجوفاء الغبية.


والتى تنتهى بانتهاء فوز المرشح بالمنصب البرلمانى أو غيره، «حتى الأحزاب لا أحد يهتم لأسمائها أصلا ليدقق فى خلفياتها الفكرية أو الأيديولوجية، الكل ينادى الأحزاب برموزها.


الأخطبوط والناقة والحصان والنملة والبلشون والمكنسة والطائرة والفأس والشمعدان واليد فى اليد وسماعة الطبيب، لم تخل الساحة السياسية والمعارك الحزبية من استغلال الدين واستقطاب الجماهير من خلاله وهو ما تجلى فى فتوى «الحلزون» والمعارك التي نشبت بين المؤيدين لأكله، وبين المحرمين له واستتابة من يتناوله وإلا وجب قتله.


كما نجح ياسين عدنان في استخلاص ملامح التشابه بين المدن والمجتمعات العربية، سواء المشرقية أو المغربية، وكيف ساعدت الهجرة والنزوح من الريف إلى المدينة في تزييف المدن العربية، منها مثلا انتشار المحلات والمقاهي لتسد الشوارع وتخنق الأرصفة بعدما استولى عليها الباعة الجائلون، أو حتى ظواهر التحرش بالإناث على مرمى سمع وبصر الجميع، وتواطؤ أغلب الذكور مع المتحرشين للإيقاع بالفريسة، وكان «اليزيد» أكبر دلالة على الرجل الذي تلفظه امرأة فيتحول إلى عدولها يهينها بالسباب والضرب ولا ينجدها أحد.


كما تطرقت الرواية إلى كيفية تجنيد العناصر الإرهابية عبر الفضاء الإلكتروني، فنجد عبدالمحجوب ديدى المعروف بأبو قتادة المنتمى لحزب العدل والإحسان، يتلقى بريد إلكتروني غريب بعنوان «فإن الذكرى تنفع المؤمنين» وأنه تم اختياره ضمن مجموعة من الصالحين للجهاد ورفع راية الإسلام، إلا أن تلك الرسائل تنقطع إلى أن يتحول أبوقتادة للهذيان ويودع مستشفى الأمراض العقلية.

ياسين عدنان
ياسين عدنان