رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأفغان يقاومون.. و«طالبان» تتوحش

 

المواجهات تتصاعد، منذ عدة أيام، بين القوات الأفغانية وحركة «طالبان»، على مشارف «هرات»، ثالثة كبرى مدن البلاد، القريبة من الحدود الغربية مع إيران، والتى غامر سكانها، الأسبوع الماضى، بالنزول إلى الشوارع، مردّدين هتافات داعمة للجيش الأفغانى، وللحكومة الأفغانية المترنحة فى مواجهة هجمات الحركة الإرهابية فى كل أنحاء البلاد.

فى العاصمة كابول، أيضًا، انطلقت دعوات تطالب سكان المدينة بترديد «الله أكبر»، من فوق أسطح منازلهم، فى التاسعة مساء الثلاثاء الماضى، بالتوقيت المحلى، تعبيرًا عن رفضهم ممارسات «طالبان». لكن قبل ساعة من ذلك الموعد، وقع هجوم مزدوج فى المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، التى يقيم فيها معظم المسئولين، وتضم غالبية المبانى الحكومية، والسفارات الأجنبية، والقصر الرئاسى، الذى تم استهدافه بـ٣ صواريخ، صباح عيد الأضحى الماضى!.

سيارة مفخخة يقودها انتحارى انفجرت أولًا، فى الثامنة مساء الثلاثاء، بالقرب من منزل «محمدى»، ثم دخل مسلحون منزلًا قريبًا يسكنه محمد عظيم محسنى، النائب فى البرلمان، الذى لم يكن موجودًا فيه وقت وقوع الهجوم. واحتاجت قوات الأمن إلى عدة ساعات لإخراج المهاجمين، الذين لقوا مصرعهم جميعًا، سواء فى انفجار السيارة أو خلال تبادل إطلاق النار. بينما كان الآلاف يجوبون شوارع المدينة، حاملين الشموع وعلم أفغانستان، ويهتفون ضد «طالبان». ولوكالة «رويترز» قال أحدهم: «يمكن للعالم كله أن يختار الصمت على ما يجرى فى أفغانستان لكننا لا نستطيع بعد الآن. وسنقف جنبًا إلى جنب مع قواتنا حتى أنفاسنا الأخيرة».

فى أحدث حلقات القتل، التى تنفذها الحركة الإرهابية ضد كبار المسئولين الحكوميين، تفاخرت «طالبان»، بأنها قتلت حاكم منطقة بإقليم «ميدان وردك». كما أعلنت، أمس الأول الأربعاء، عن مسئوليتها عن هجوم الثلاثاء، وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسمها، إن الحركة استهدفت مقر إقامة القائم بأعمال وزير الدفاع، زاعمًا أن اجتماعًا مهمًا كان منعقدًا هناك وقت الهجوم. ومع أن الخارجية الأمريكية نددت بذلك الهجوم، وقالت إنه «يحمل بالتأكيد كل بصمات موجة هجمات طالبان» إلا أن نيد برايس، المتحدث باسمها قال للصحفيين: «لسنا بصدد تحميل المسئولية رسميًا فى هذه المرحلة»، وأكّد عزم بلاده على «تسريع وتيرة مفاوضات السلام القائمة»!.

الحركة الإرهابية، التى توحشت، كانت قد دخلت فى مفاوضات ثنائية مع الولايات المُتحدة، استضافتها قطر، انتهت بتوقيع اتفاق الدوحة، فى فبراير ٢٠٢٠، ثم تبعتها جولات تفاوضية مع الحكومة الأفغانية، لا تزال متعثرة، للتوصل إلى حل سياسى توافقى لإدارة البلاد فى مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكى. وخلال هذه الجولات أو تلك، أوحت الحركة بأنها ستنتهج سياسة مختلفة عن تلك التى انتهجتها خلال سنوات حُكمها، التى بدأت سنة ١٩٩٦ وانتهت بالغزو الأمريكى لأفغانستان، بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، التى أسقطت برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك.

على عكس ما أوحت به الحركة، تصاعدت مستويات العنف، بعد ذلك الاتفاق، الذى وصفوه بأنه «تاريخى»، والذى لم يمنعها من شن مزيد من الهجمات، وتوسيع رقعة نفوذها، التى زادت وتيرة توسيعها، مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية، التى من المقرر أن تكتمل بنهاية أغسطس الجارى. وبعد أن واجهت مقاومة فى المناطق الريفية، انتقلت «طالبان» إلى المدن الكبرى، وحاصرت عددًا من عواصم الولايات، وفرضت سيطرتها على المعابر الحدودية. ومنذ أيام، أصدر روح الله أحمدزاى، المتحدث باسم الداخلية الأفغانية، بيانًا، اتهم فيه الحركة بـ«التخطيط لتدمير البنية التحتية للمناطق التى تسيطر عليها» لعزل سكانها عن العالم الخارجى.

مع المواجهات المتصاعدة، أيضًا، فى «قندهار» ثانية كبرى المدن الأفغانية، بلغت الاشتباكات ذروتها فى «لشكرجاه»، عاصمة ولاية هلمند، البالغ عدد سكانها ٢٠٠ ألف نسمة، وباتوا مجبرين على مغادرتها، استجابة لمناشدة الجنرال سامى سادات، كبير ضباط الجيش الأفغانى، الذى تعهد بـ«ألا يُبقى أى عنصر من (طالبان) على قيد الحياة». وعن أحد هؤلاء السكان، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، أن الطرفين يتواجهان «من شارع إلى آخر» وأن الطيران الأفغانى يقصف «كل دقيقة تقريبًا»، بينما عناصر «طالبان» ينتشرون فى كل مكان ويتجولون على دراجات نارية.

.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن سيرجى شويجو، وزير الدفاع الروسى، حذّر الأسبوع الماضى من توافد مقاتلى تنظيم «داعش»، من سوريا وليبيا ودول أخرى إلى أفغانستان. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك التحذير، الإنذار أو الإقرار، أن جماعة «الإخوان»، كما أوضحنا أو رجّحنا، فى مقال سابق، حصلت على ضوء أخضر من قوى إقليمية ودولية، للذهاب إلى هناك، لتتقاسم الحكم، أو تتشارك فى إدارة الصراع والتنكيل بالأفغان، مع حركة «طالبان»، التى تربطها بها وبكل التنظيمات الإرهابية الأفغانية، علاقات وثيقة، قديمة ومستمرة.