رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة لـ«تريندز»: «النهضة» الإخوانية استخدمت سياسة التلون لتحقيق مصالحها السياسية

حركة النهضة الإخوانية
حركة النهضة الإخوانية

رصدت دراسة صادرة عن مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات مظاهر فشل حكومة "النهضة" الإخوانية في تونس في إدارة وحكم البلاد، مشيدا بقرارات الرئيس قيس سعيد التي اتخذها في الـ25 من يوليو للحد من نفوذ الجماعة، واعتبرتها بأنها تمثل "منعطفًا حاسمًا في تاريخ تونس المعاصر، قد تكون مدخلًا للجمهورية الثالثة". 

وأكدت الدراسة أن حكومة الإخوان في تونس، ممثلة فى حركة النهضة، تقف وراء ما آلت إليه حال البلاد من تدهور غير مسبوق على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلا عن تفاقم تداعيات الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار جائحة كورونا.

وأضافت أن هذا التدهور أدى إلى تصاعد الغضب الشعبي إزاء حكومة النهضة الإخوانية، حتى وصل على فوهة البركان وأنصب على الماسكين بزمام السلطة السياسية في البرلمان والحكومة. 

وأوضحت أن منصات التواصل الاجتماعي شهدت خلال الآونة الأخيرة تجييشا لمظاهرات ومسيرات شهدت مشاركة واسعة في العاصمة تونس وفي سائر المحافظات، مشيرا إلى أن الاحتجاجات ركزت على رئيس الحكومة وعلى حزب حركة النهضة والبرلمان، حيث توجه المحتجون الغاضبون إلى بعض مقارّ حزب النهضة وإلى مقر البرلمان، مطالبين بحله وبمحاسبة الفاسدين من حكومة النهضة. 

السيطرة والتحكم في المشهد السياسي 

وقالت الدراسة: "منذ وصولها إلى الحكم في 2011، تمكنت حركة النهضة ذات الميول الإخوانية، من السيطرة على مقاليد الحكم، والتحكم في مفاصل المشهد السياسي بعد أن كان لها الدور المؤثر في صياغة دستور جديد، أرست من خلاله نظاماً سياسياً هجيناً يشتت السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وقانوناً انتخابياً يسمح بأن يكون لها موطئ قدم فيها، مهما كانت الظروف بما لها من انتهازية ومن قدرة على التلون والتكيف مع المتغيرات بما يناسب مصالحها".

َووفقا للدراسة، ضمن النظام القائم مصالح الطبقة السياسية الحاكمة منها خصوصًا في الاستحواذ على المناصب والمواقع القيادية في أجهزة الدولة وإحكام السيطرة عليها، بالرغم من أنها لم تكن على درجة من الكفاءة لتحقق ما تصبو إليه الفئات الاجتماعية، ولاسيما المتوسطة منها والدنيا والفئات الشبابية، من تحسين لأحوالها الاقتصادية والاجتماعية. 

وأشارت إلى أن حركة النهضة تتحمل القسط الأوفر من المسؤولية، فقد كانت مشاركة في أغلب الحكومات منذ ديسمبر 2011 وتحكمت في السياسات ف العمومية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد كان شغلها الشاغل إحكام سيطرتها على مفاصل الدولة وأجهزة الحكم الرئيسية الأمنية والقضائية والمالية. 

وبحسب الدراسة، عملت النهضة على اختزال العمل السياسي في مقاربة تقوم على المناورات واستهداف الخصوم ومحاولات اختراق الأحزاب المنافسة لإضعافها وإقامة التحالفات الظرفية مع مجموعات سياسية غير إسلاموية للتمويه وتحسين صورتها كطرف يمد يده إلى المخالفين، ثم سرعان ما تتخلى عنهم على غرار ما جرى مع أحزاب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل من أجل العمل والحريات، ونداء تونس. 

وتابعت "سعت النهضة إلى إقامة نظام سياسي وانتخابي يلبي طموحاتها في الهيمنة على مقاليد الحكم واستمرار تلك الهيمنة، وقد تمكنت من أن تفرض سيطرتها تدريجياً على أجهزة الدولة، مستغلة مهارتها في المناورة والتضليل من جهة وانتهازية بعض النخب السياسية والإدارية من جهة أخرى. ويمكن أن نجمل التوجهات التي سلكتها حركة النهضة طوال عشر سنوات في أنها اختزلت الديمقراطية في الانتخابات باعتبارها مطية للوصول إلى السلطة، واختزلت السياسة في مسألة الحكم ، واختزلت الحكم في التحكم في أجهزة الدولة ومؤسساتها". 

فشل "النهضة" اقتصاديا 

 واستطردت أن هذه التوجهات المحكومة بالخلفية الأيديولوجية أدت إلى سوء إدارة وتسيير للدولة أضر بمصالحها العليا، وظهرت نتائجها في الأزمة الاقتصادية والمالية، وفي الهزات الاجتماعية المتواصلة، وفي تدهور الظروف المعيشية وارتفاع نسب الفقر، فضلًا عن الصراعات السياسية والحزبية خصوصًا داخل البرلمان. 

ونوهت الدراسة بأنه على مدار الـ10 سنوات هي فترة حكم الإخوان في تونس، فشلت الحكومات المتعاقبة في تقديم برامج وحلول كفيلة بتفادي هذا التدهور وتحقيق انتقال اقتصادي يضمن تحسن مؤشرات التنمية، بل تفاقمت الأزمة في السنتين الأخيرتين. 

وبينت أن نسبة النمو الاقتصادي تراجع في سنة 2020 إلى 8.8% سلبي، ووصلت في الثلث الأول من عام 2021 إلى 3% سلبي، وتصاعد معدل البطالة إلى مستوى 17.8% حسب إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء، وازداد الدَّين العام للدولة إلى ما يفوق نسبة 100% من الناتج المحلي الخام، إذ يناهز 30 مليار دولار وهو ما يهدد الدولة بالإفلاس وبالوقوع تحت الوصاية الأجنبية من القوى والمؤسسات المقرضة. كما تغلغل الفساد في البلاد، حيث احتلت تونس المرتبة 69 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد، حسب منظمة الشفافية الدولية. 

نهاية الإسلام السياسي 

اعتبرت الدراسة إن الإسلام السياسي في تونس بعد تجربة تواصلت على مدى عقد كامل فشل في تمرير مشروعه من الناحية الأيديولوجية وفي التمكين له من الناحية السياسية، وفَقَد بعد قرارات الرئيس الأخيرة وإسناد المؤسسة العسكرية والأمنية له، الآليات القانونية والتنفيذية التي تمكنه من التحكم في مجريات الأمور وتوجيهها لصالحه. 

 وأضافت "من الواضح، في تقديرنا، أن حركة النهضة باعتبارها أحد تعبيرات الإسلام السياسي أيديولوجياً وتنظيمياً قد شارفت على نهايتها، وأنه مهما تكن مآلات الأحداث الأخيرة، فإنه لم يعد بوسعها أن تحافظ على طريقة حضورها الحالية سواء في أطروحاتها الأيديولوجية أو في ارتباطاتها التنظيمية أو في طريقة تسييرها وآلية القيادة وأخذ القرار داخلها".

وأوضحت أنه على الرغم من أنه هناك شريحة اجتماعية في تونس ذات ميول محافظة، مالت قليلا نحو حركة النهضة بعد 2011 الا إن أفكارها وتوجهاتها لا علاقة لها بموروث جماعات الإسلام السياسي، حيث لا تزال ترى ترى أنه بالإمكان الجمع بين أفضل ما يفد من الغرب وأفضل ما في الإسلام، وتلجأ إلى الدين في بحثها عن معنى لوجودها، ولكنها تعتبره أمراً شخصياً لا يجوز فرضه على المجتمع، وتؤيد الحرية الاقتصادية والتسامح وعدم فرض الدين على المجتمع. 

الجمهورية الثالثة

َواختتمت الدراسة بالقول ان تونس تبدو مقبلة على صفحة جديدة من تاريخها قد تكون مدخلاً للجمهورية الثالثة، مؤكدة أنها في مفترق طرق هام لأن ما حدث كان استثنائياً ومفصليًا. 

ودعت الدراسة الحكومة التونسية الحالية الي الانخراط في السياق الوطني التونسي وفتح الملفات التي تورطت فيها حركة النهضة، من قبيل ملف الجهاز السري وملفات الاغتيالات السياسية والتمويلات المالية الأجنبية والبت فيها قضائياً، معتبرة أنها ملفات مهمة لتنقية المناخ السياسي في البلاد من جهة ولحفظ أمن الدولة وكيانها من جهة أخرى، والقضاء على مصير حركات الإسلام السياسي ومستقبلها.