رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تتابع انتهاء «أسطورة الغنوشى» بعد انشقاق أقرب مناصريه

الغنوشى
الغنوشى

تصاعدت أزمة الإخوان فى تونس، فى مؤشرات واضحة على انتهاء أسطورة راشد الغنوشى وحزبه الإخوانى، فبعد خروج الاحتجاجات المضادة لحركة النهضة ومرشدها جاء دور أعضاء التنظيم والأنصار المقربين ليكشف عن أزمة داخلية جديدة تؤدى إلى تصدع هذا الحزب، فقد دعت مجموعة من ١٣٠ عضوًا فى «النهضة» رئيسها «الغنوشى» لتحمل مسئولية التقصير فى تحقيق مطالب الشعب. 

ويدير المرشد المعركة المفتوحة على مصراعيها ضده من الشعب التونسى، ورئيسه، وقواه الأمنية والعسكرية، وحتى أنصاره، من مستشفى خاص تم نقله إليه، مبتعدًا بذلك عن المستشفيات العامة والمستشفى العسكرى، الذى يحظى بخدمات فائقة؛ لضمان الابتعاد عن أعين الدولة، والتمادى فى الكذب والخداع الذى لديه فى جعابه الكثير منه. 

 

يشير المراقبون إلى أن «الغنوشى»، الذى يتداعى فى سقوطه حاليًا، مع حصول الرئيس قيس سعيد على المزيد من الدعمين الدولى والعربى متمثلًا فى مصر والسعودية والإمارات، إضافة إلى جارته الجزائر- اضطر إلى اتخاذ قرار الدخول إلى المستشفى كخطوة احتياطية حتى يتمكن من الهروب من المحاسبة من خلال طلب السفر للخارج بحجة العلاج إذا ما زادت الضغوط ضده للاستقالة والابتعاد عن المشهد حاليًا، أو تم تحريك الدعاوى المقامة ضده بتهم الفساد وتمويل الإرهاب. تحليلات المراقبين تؤكد أن «الغنوشى» ليس على ثقة من تأمين خروجه من المشهد، حيث تنتظره ملفات عديدة تتهمه بالضلوع فى تسفير شباب تونسيين للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية فى سوريا والعراق وليبيا.

كما تلاحقه الاتهامات بالإشراف على تنظيم سرى للإخوان داخل تونس، يتولى عمليات تصفية المعارضين وعناصر أمنية وتمويل عملياتها، إضافة إلى تلقى تمويلات مشبوهة من الخارج وتبييض أموال.

وينتظر تحريك دعاوى عديدة ضده خلال الساعات المقبلة، تقدم بها محامون وجمعيات حقوقية إلى النيابة العامة، خاصة بعد وضع القاضى البشير العكرمى تحت الإقامة الجبرية فى ضوء اتهامات له بإخفاء ملفات اغتيالات، منها اغتيال المعارضين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى. وتحسبًا لمثوله أمام قاضى التحقيق، عمد «الغنوشى» إلى الدخول إلى المستشفى محاولًا التهرب من المحاسبة.

وتبقى المعركة دائرة على «كراسى الحكم» والاستماتة فى العودة إلى المشهد السياسى من طرف «الإخوان» رغم كل مظاهر السقوط المدوى، وليست معركة من أجل الشعب ولصالح تحقيق احتياجاته، التى عصفت بها مظاهر الفساد، والإضرار بمقدراته، والاستيلاء على المال العام طيلة السنوات العشر الماضية فى كل المجالات تقريبًا. 

ورغم محاولة الرئيس قيس سعيد طمأنة التونسيين من خلال التصريحات اليومية، ومن خلال جولته الميدانية، صباح الأحد، فى شارع الحبيب بورقيبة ولقائه الناس، فإن المواطنين ما زالوا يعيشون على وقع الأخبار اليومية السيئة للجائحة المتمكنة من البلاد، حيث تم تسجيل معدلات مرتفعة للوفيات والإصابات، تمثلت فى ١٧٢ حالة وفاة جراء فيروس كورونا و٣٣١٦ إصابة جديدة بالفيروس.

وبلغت نسبة التحاليل الإيجابية ليوم ٣٠ يوليو نحو ٢٤٪، ويقترب العدد الإجمالى للوفيات من ٢٠ ألف حالة منذ بدء الجائحة، مع ملاحظة النسق المرتفع للإصابة خلال الأسبوعين الماضيين خلال الموجة الثالثة للفيروس، وتسجيل إصابات عديدة للفيروس المتحور «دلتا» خاصة بين الأطفال.

وكان رئيس جمعية طب الأطفال، د. محمد الدوعاجى، قد أعلن عن تسجيل ٣٠٠٠ إصابة بفيروس كورونا بين الأطفال خلال أسبوع واحد، محذرًا من أن وضع الأطفال أمام ظهور سلالة «دلتا» لا يقل خطورة عن وضع الكبار، خاصة أن سرعة انتقال عدوى هذه السلالة تفوق بقية السلالات بنسبة ٦٠٪، ما يجعلها قادرة على إصابة كل الشرائح العمرية، بمن فى ذلك الأطفال والرضع.

ولا تأتى المصائب فُرادى، فقد اندلعت الحرائق فى تونس نتيجة الارتفاع غير المسبوق فى درجات الحرارة، وأتت على العديد من الغابات المعروفة فى ولاية جندوبة مثل غابات فرنان.

وذكرت وزارة الداخلية، فى بيان لها، أن الوحدات التابعة للديوان الوطنى للحماية المدنيّة قامت بـ٤٠٣ تدخلات، بينها ١٠٢ لإطفاء حرائق فى مناطق مختلفة.

يضاف إلى ذلك أن التونسيين يستيقظون يوميًا على أنباء حزينة تفيد بغرق العشرات من المهاجرين غير الشرعيين، آخرها انتشال ٣٩٤ مهاجرًا من قارب خشبى مكتظ فى البحر المتوسط من قبل قوات الإنقاذ.

يأتى ذلك بعد زيادة قوارب المهاجرين التى تنطلق من تونس فى اتجاه إيطاليا وموانئ جنوب المتوسط منذ احتجاجات ٢٥ يوليو الماضى، وسط تحريض من «الغنوشى» على تدفق الآلاف من المهاجرين نحو شواطئ إيطاليا، فى تهديد واضح للدول الأوروبية بإغراقها بنصف مليون مهاجر إذا لم تمارس ضغوطها على الرئيس التونسى لعودة الإخوان إلى حكم البلاد.

وفى ظل الأحداث الدائرة وعدم الاستقرار السياسى وأجواء التهديدات، خاصة التهديدات بالعنف والإرهاب التى يرفعها الإخوان فى وجه شعبهم، تراجعت الحركة السياحية لتونس، التى تعد من أهم المداخيل بالعملة الصعبة، وقال البنك المركزى التونسى، فى بيان له، إن العائدات السياحية لتونس تراجعت بنسبة ١٩٪ لتبلغ نحو مليار دينار.

واعتمدت تونس خلال العشرية الأخيرة على الاستدانة من الخارج والمؤسسات المالية الدولية، بعد تراجع تحويلات التونسيين العاملين فى الخارج والصادرات، إضافة إلى السياحة.

وكان البنك الدولى قد أكد مساندته القوية لتونس، ومساعدتها على الاستجابة للتطلعات الشرعية لشعبها والتعبير عن طموحاته؛ لتحقيق انتعاش اقتصادى يفضى إلى نمو وازدهار شاملين، مشيرًا إلى أن تونس مرّت بعشرية من التحديات الاقتصادية الخطيرة قوبلت بتجاهل كبير فى سياق من الصعوبات الاجتماعية والسياسية، وأن تلك الوضعية تفاقمت نتيجة للتأثير المدمر لجائحة «كوفيد- ١٩» وتبعاتها على حياة التونسيين اليومية. 

وكشف البنك الدولى عن أن تونس استفادت خلال العام المالى ٢٠٢١ من نحو ٤٠٠ مليون دولار، من بينها ٣٠٠ مليون دولار مخصصة للدعم النقدى وشبكات الحماية الاجتماعية لمساعدة ما يقرب من مليون أسرة «الأكثر احتياجًا»، وأكثر من ١٠٠ ألف طفل، وقد استجاب لتمويل طلبات شراء وتوفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بنحو ١٠٠ مليون دولار. يأتى ذلك فى وقت بلغ إجمالى ارتباطات البنك المالية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من ٤ مليارات دولار، «الدولار يساوى ٢.٧ دينار».

جدير بالذكر، أن هناك نحو ٢.٣ مليون مواطن تونسى يستفيدون من برنامج الحماية الاجتماعية والدعم النقدى من إجمالى ١٢ مليون نسمة، هم عدد سكان البلاد. ويعول التونسيون على سرعة تعيين حكومة مصغرة من ذوى الكفاءات الاقتصادية والمالية لإنقاذ نزيف الخسائر اليومية فى نشاطاتها الحيوية، كما يعول التونسيون على مواصلة دعم الدول الصديقة لتونس حتى تمر بسلام من مسارها العسير حاليًا.

ويتوقع المراقبون أن تمد الدول الخليجية، على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى الجارة الجزائر، يد العون إلى تونس فى الأيام المقبلة، من خلال التعهد بمجموعة من التمويلات العاجلة لمنع تدهور قيمة العملة المحلية «الدينار»، وكذلك منع مزيد من التراجع للتصنيف المالى لتونس.