رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميلانى كلاين.. الحب والكراهية

الحب والكراهية مشاعر تشغل القلب، وأحيانًا غير قليلة تقود حياة الفرد كلها وتحيلها إلى جحيم أو جنة، هما شعوران مختلفان بطبيعة الحال، لكن كما لاحظ سيجموند فرويد عالم النفس المعروف فإنه: «كثيرًا ما يتجه الحب والكراهية فى الوقت نفسه نحو موضوع واحد بعينه».

وبعبارة أخرى فإن الحب والكراهية يمثلان اهتمامًا شديدًا بالموضوع حارًا وطاقة انفعالية تصب فى موضوع، لكن الإنسان لا يعترف تقريبًا إلا بالحب، إنه يجتهد لتجاهل حقيقة الكراهية، وهو يمجد الحب، ويكتب فيه القصائد ويلونه ويجعله حلمًا.

فى ذلك السياق يقول الكاتب الروسى العظيم دوستويفسكى: «ما هو الجحيم؟ إنه المعاناة الناجمة من عدم القدرة على الحب»، أى أن الحب مصدر كل طاقة إيجابية تتفتح بها قدرات الإنسان على القيام بالمستحيل، خلافًا للكراهية التى يجتهد الإنسان قدر الإمكان ليدفع بها وبفكرتها بعيدًا ساعيًا ليقلل بصورة لا شعورية من وجودها وليزيحها إلى خارج حقل الرؤية، بل ويلجأ فى سبيل ذلك إلى «إسقاط» الكراهية التى تظهر داخله على مواضيع أو أشخاص آخرين، وحين يشعر المرء بالكراهية أو الحسد والغيرة، فإنه يتهم الآخرين بتلك المشاعر السلبية لكى ينفيها عن نفسه.

إلا أن ميلانى كلاين، المحللة النمساوية ترى أن الكراهية شعور ملازم للبشر فى كتابها «الحب والكراهية» ترجمة د. وجيه أسعد، وتحاول ميلانى فى كتابها مع جوان ريفيير توضيح تأثير ودور الحب والكراهية من الناحية العملية والنفسية فى حياة الإنسان، ونظرًا لأن اهتمام ميلانى كلاين الرئيسى كان موجهًا دائمًا نحو علم نفس الأطفال، فإنها ترد الشعورين «الحب والكراهية» إلى طفولة الإنسان، وعلاقته بأمه بصفتها مصدر الحياة والمتعة الأولى، وما تشتمل عليه علاقة الطفل بأمه من تعقدات سبق لفرويد أن تناولها، إلا أن «ميلانى» تحاول أن تضع يدها على الآليات التى تعمل فى اللا شعور باتجاه الحب والكراهية، وتبدأ بأن ترد الحياة الوجدانية للإنسان بأكملها إلى غريزتين، الأولى هى الجوع وما يمثله من السعى للحفاظ على البقاء، والغريزة الثانية هى الجنس وما يمثله من نزوع إلى الحياة والمتعة.

وترى عالمة النفس النمساوية أن هاتين الغريزتين هما مصدر الانفعالات العميقة التى تشكل ما نسميه سعادة أو شقاء، وتقر «ميلانى» بوجود الكراهية وبدورها الفعال، وتقول إنه إذا كانت الكراهية قوة تدمير وتفكيك مرتبطة بالعدوانية، فإن الحب أيضًا يمكن أن يرتبط بالنزعات العدوانية، بل وترى المؤلفة أن غريزة المحافظة على البقاء وغريزة الحب، تحتاجان إلى جرعة عدوانية.

وعلى سبيل المثال فإن كل علاقات الحب تستلزم درجة من التبعية للمحبوب، ويثير شعور الإنسان بهذه التبعية مشاعر عدوانية وكراهية فى معظم الأحيان، وخارج علاقات الحب يمكن أن نلاحظ مشاعر مختلفة هى درجات من الكراهية، مثل الغيرة والحسد والشعور بالمنافسة الشديدة وغير ذلك.

فى كل الأحوال من الطريف أن نقرأ عن الحب والكراهية، وأن نحاول أن نفهم تلك المشاعر، لكن علينا خلال ذلك أن نتذكر قول الأديب العظيم أنطون تشيخوف: «إذا كان بوسعك أن تحب، فإن بوسعك أن تفعل أى شىء». نعم يبقى الحب أقرب إلى قلوب الناس من الكراهية، ويبقى طاقة تفاؤل ونجاح ونور وآمال لا تنتهى، وشعورًا وحيدًا قادرًا على اقتحام القلاع الموصدة.