رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة مُربكة.. وأحلام مرتبكة!

 

العائد بعد غياب، أو بعد طول اختفاء، هو «سيف الأحلام»، أو سيف الإسلام القذافى، نجل الزعيم الليبى الراحل، الذى أكد لجريدة «نيويورك تايمز» أنه حر الحركة ويرتب للعودة إلى الساحة السياسية. والاسم الأول أطلقه منتقدوه، الذين كانوا يتهمونه بالانغماس فى اللهو واللعب، ويرونه مشتتًا بين الشرق والغرب ولا يعرف كيف يحقق توقعات أو أمنيات أبيه بخلافته فى الحكم.

جلسة قصيرة، جرت فى مايو الماضى، بمدينة الزنتان، تحولت أمس الجمعة، إلى تقرير طويل، يقترب من الـ٩ آلاف كلمة، كتبه روبرت وورث، الذى كان بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٦ مراسلًا لـ«نيويورك تايمز» فى بغداد، ثم مديرًا لمكتبها فى بيروت، منذ ٢٠٠٧ إلى ٢٠١١، ثم عمل فى برنامج الشرق الأوسط بمركز وودرو ويلسون الدولى للعلماء، ضمن مشروع عن «الثورات العربية وإرثها»، وله كتاب عنوانه «غضب على النظام: اضطرابات الشرق الأوسط، من ميدان التحرير إلى داعش»، تناول فيه انتفاضات سنة ٢٠١١، التى باتت توصف باسم الربيع العربى. 

عندما سُئل عما إذا كان يتفهم دوافع المطالبين بالتغيير، سنة ٢٠١١، كان ردّه قاطعًا: «هؤلاء كانوا أشرارًا وإرهابيين وشياطين». ودون لحظة تردد، لخص القذافى الابن ما يوصف بـ«الربيع العربى» فى أن «العرب الحمقى دمّروا بلدانهم». وأكد أنه لا يحمل أى انتقادات لعهد والده، مشيرًا إلى أن بعض السياسات الاشتراكية، ربما تكون خرجت عن مسارها، لكن والده أدرك ذلك وقام بتصحيح الوضع. ومع أنه مطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية عن اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومع أن محكمة فى طرابلس، قضت سنة ٢٠١٥، بإعدامه رميًا بالرصاص، إلا أنه واثق من قدرته على تخطى تلك الأمور إذا اختارته أغلبية الشعب الليبى.

أربعة ليبيين، فى أوائل العشرينيات من العمر، سألهم «وورث» عمن سيختارونه لرئاسة ليبيا، فاختار ثلاثة سيف الإسلام. ونقل عن محامية ليبية، تعمل فى قياس الرأى العام، أن ثمانية أو تسعة من كل عشرة ليبيين سيصوّتون له. ويظن الصحفى الأمريكى أن القذافى الابن تعلّم فى مرحلة مبكّرة أن نزاعات ليبيا مع الغرب تتطلب إتقان المواربة والكلام المزدوج، وأن الحديث بلغة غربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، سيجعل عهده أكثر سهولة وسلاسة من عهد أبيه. 

على شاشة التليفزيون الليبى، وصف سيف القذافى، فى ٢٠ فبراير ٢٠١١، الانتفاضات التى اجتاحت العالم العربى بأنها «عاصفة ديمقراطية»، كان يتوقعها. لكنه قال، فى الخطاب نفسه، إن احتجاجات الليبيين، التى كانت قد بدأت قبل ثلاثة أيام، صنيعة مجرمين ومتعاطى المخدرات. وحذّر من حدوث حرب أهلية وهجرة جماعية، واختراق للحدود. وتنبأ بأن تصبح ليبيا معقلًا للجماعات الإرهابية. وتوقع أن يتم حرق وتدمير كل شىء، وأن يحتاج الليبيون إلى ٤٠ سنة حتى يتفقوا على إدارة البلاد، لأن كلّ واحد منهم سينصّب نفسه رئيسًا، وسيجعل من منطقته دولة.

طبقًا لتقرير «نيويورك تايمز» بدا سيف القذافى فخورًا بأن أغلب ما تنبّأ به، أو توقعه، تحقق بالفعل. وأكد أن «المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات تحرّروا من وهْم الثورة، وأدركوا فى نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم». ووصف ما حدث فى ليبيا بأنه «حرب أهلية أو أيام شؤم، لكنه لم يكن ثورة». ورأى أن الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، وليس معمر القذافى، هو من يتحمل مسئولية الدمار الذى حلّ بليبيا. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن أوباما أقر، فى سنة حكمه الأخيرة، بأن أكبر خطأ ارتكبه كان غياب التخطيط لمرحلة ما بعد القذافى!

شهدت ليبيا، فى ربيع وصيف ٢٠١١، مسلسلًا من الأزمات السريالية، بحسب وصف سيف القذافى، الذى أوضح أنه كان يزور أباه كل يوم تقريبًا فى «باب العزيزية»، مقر الحكم. وكان يلتقى بعض مراسلى الصحف الأجنبية المحتمين بأحد فنادق طرابلس، ويتلقى اتصالات تليفونية من زعماء دول كانوا يعتبرونه وسيطًا بينهم وبين أبيه، من بينهم الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، الذى «وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تُحاك منذ زمن بعيد»، وعنه قال سيف القذافى: «فى البداية كان فى صفّنا ضد التدخل الغربى، ثم بدأ يقنعنى بمغادرة البلاد». 

ليبيا لم تنقسم، بل انفجرت على نفسها، بحسب وصف أو تشخيص غسان سلامة، الدبلوماسى اللبنانى، مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى ليبيا، الذى اضطر إلى الاستقالة بعد فشله فى مهمته. ولا خلاف على حق سيف الإسلام القذافى، فى أن يحلم بحكم ليبيا، أو فى اعتقاده أنه الوحيد القادر على لملمة شظايا الانفجار وتوحيد الليبيين تحت راية واحدة. لكن يبقى القول الفصل لأهل ليبيا، الأدرى بشعابها، فى الانتخابات المقرر إجراؤها أواخر ديسمبر القادم، إنْ جرت!