رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوليو فى التاريخ

من الشهور الساخنة فى التاريخ شهر يوليو، ولا يتطرق إلى ذهنك أيها القارئ الكريم أن السخونة التى أقصدها هى سخونة الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة فى هذا الشهر، لكن ما أقصده هو سخونة الأحداث وأهميتها فى هذا الشهر، بل والأكثر من ذلك التأثير الذى تركته هذه الأحداث على التاريخ حتى الآن.

ولقد مر بنا فى المقالات السابقة الحديث عن ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وأهميته فى التاريخ المصرى المعاصر، ومدى تأثير هذا الحدث على الأوضاع العامة ليس فقط فى مصر، بل والعالم العربى حتى الآن، وانتهينا إلى ضرورة احترام هذا الحدث التاريخى الكبير، حتى لو كان البعض يختلف عليه حتى الآن، لأن هذا اليوم هو العيد القومى لمصر، واليوم الوطنى الذى نحتفل به، ويعتمده العالم لتهنئة مصر بعيدها الوطنى، وعندما نتتبع الأحداث فى شهر يوليو، ستعلمنا هذه الأحداث ماذا يعنى احترام اليوم الوطنى حتى لو اختلفت المواقف السياسية للبعض منا.

وسنبدأ بحدث مهم ليس فقط فى تاريخ البلد الذى شهد هذا الحدث، بل دعونى أقول فى تاريخ العالم، وهو يوم ٤ يوليو ١٧٧٦، والمعروف بيوم الاستقلال الأمريكى، والذى يعتبر وحتى اليوم هو العيد الوطنى للولايات المتحدة الأمريكية.. فى هذا اليوم اعتمدت بعض الولايات الأمريكية وثيقة إعلان الاستقلال عن بريطانيا، التى كانت تسيطر على أمريكا قبل هذا التاريخ، وكانت الولايات الأمريكية تابعة للتاج البريطانى. كان هذا اليوم تتويجًا لكفاح طويل، وشهادة ميلاد لأمة جديدة، ستصبح بعد ذلك أهم دولة فى الأمريكتين، ولا أبالغ إذا قلت إنها ستصبح خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن القوة رقم واحد على مستوى العالم، حتى لو اختلفنا مع سياسته خاصةً المتعلقة بالشرق الأوسط، وسيتم اعتماد هذا اليوم عطلة رسمية فيدرالية، ورمزًا للحرية التى يتطلع لها الشعب الأمريكى آنذاك، ولكن الأكثر من ذلك أنه سيتحول إلى يوم يحتفل به الجميع، الحكومة والمعارضة، أحفاد من كانوا مع الاستقلال، وأحفاد من كانوا ضده، إنه اليوم الوطنى الذى يوحد الجميع، ويدفع الناس إلى الاحتفال بشكل كرنفالى والرقص فى الشارع احتفالًا بيوم ميلاد الأمة الأمريكية، واليوم الذى يوحد الجميع.

وعلى النحو نفسه تحتفل فرنسا، بل ويحتفل العالم كله فى ١٤ يوليو من كل عام، بعيد الثورة الفرنسية التى وقعت فى عام ١٧٨٩، هذه الثورة التى أفرزت لنا جميعًا الشعارات الخالدة «الحرية، الإخاء، المساواة». هذا اليوم وهذه الأفكار التى تركت آثارها ليس فقط على التاريخ الفرنسى، بل وبلا مبالغة على مجمل التاريخ العالمى حتى الآن.. من هنا لم يكن غريبًا أن يصبح هذا اليوم هو اليوم الوطنى لفرنسا، حيث يحتفل الناس بهذا العيد- الذى أصبح عطلة رسمية- بالموسيقى والرقص فى الشوارع، وميلاد الأمة الفرنسية، هذه الأمة التى أصبحت وبحق أهم دولة فى أوروبا على الأقل تاريخيًا وفكريًا.

عودة إلى مصر و٢٣ يوليو، دعونا نتعلم من تجارب الأمم الكبرى معنى احترام اليوم الوطنى، والاحتفال به، وطرح الخلافات جانبًا. هل نصل إلى اليوم الذى نحتفل فيه بعيدنا الوطنى كما يحتفل به غيرنا، بالموسيقى والرقص فى الشوارع، وننسى خلافاتنا لنحتفل بالوطن؟ أم علينا انتظار مجىء جيل جديد لم يرث هذه الخلافات، ويريد أن يعيش ويفرح ويرقص، وينتقل إلى المستقبل؟!