رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل من فرصة ثانية يا معالى الوزير؟

انتهت أو تكاد امتحانات الثانوية العامة بكل ما تحمله التجربة من إيجابيات وسلبيات، تحمل طلاب هذه الدفعة الكثير من الأعباء النفسية، وتعرضوا لكمية هائلة من الضغوط، كما صمدت وزارة التعليم أمام عشرات الشائعات التي دُست على النظام  الجديد للثانوية، وفي كثيرٍ من الأحوال لم تجد هذه الشائعات من يتصدى لها أولًا بأول من المنظومة الإعلامية لوزارة التعليم، ما تسبب في مزيد من التوتر للطلاب ولذويهم، ودفعهم للرضوخ لابتزاز بعض المنتفعين الذين استغلوا الموقف الغامض أحيانًا والصامت في أحيان كثيرة لمصالحهم وجيوبهم الشخصية، فأصبحت الدروس أونلاين وصار الأباطرة مليونيرات بمعنى الكلمة، حتى إن بعضهم أصبح يتحدث عن الاعتزال بعدما حدث لهم من فضائح مهنية  في امتحانات هذا العام.
 

وجد أولياء الأمور كلام السيد الوزير وتصريحاته وطموحاته لخلق نظام تعليمي قائم على الفهم والاستنتاج وليس الحفظ والتلقين أمرًا مشروعًا وأطمأنوا أنه طالما توافرت العدالة أمام جميع الطلاب، فإن فرصًا متساوية ستبقى هي المعيار الذي يميز المجتهد من غيره واستجاب الجميع لكل ما طلبته الوزارة، منهم سواء في حضور امتحانات تجريبية أو دخول على مواقع تعليمية وفرتها الوزارة للتدريب على الامتحانات بطريقتها الجديدة، وهيأ أولياء الأمور أولادهم لتقبل صدمات الامتحان حتى لا ينهاروا مع صعوبة أول مادة.


وفوجئ الجميع بصعوبة اللغة العربية، وكان باب الطمأنة أن فرصكم متساوية فلا تقلقوا، فإذا بامتحان القسم الأدبي أسهل نسبياً في مادة من المفترض أن تكون هي مجال اهتمام القسم الأدبي، وليس العكس وجاء بعده امتحان اللغة الأجنبية الثانية، فإذا بامتحان اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية أسهل بكثير من امتحان اللغة الألمانية وتداول الناس فيديو لمعالي الوزير يتعجب فيه من سهولة امتحانات الألمانية في سنوات سابقة، ففسروا الأمر على أنه كان إيعاز وتوجيه من الوزير لواضعي امتحان المادة وخرج الطلاب، وأولياء أمورهم ليتحدثوا من جديد عن الفرص العادلة في شهادة سيذهب الجميع بها أمام مكتب واحد للتنسيق ليوجه الطلاب نحو كلياتهم المستقبلية حسب المجموع والذي تفاوت من طالب لآخر، وفقًا لمعايير غير موحدة أمام الجميع.


ومع دخول الامتحانات أيامها الثقال، بدأنا نسمع عن حالات غش جماعي تناقلته السوشيال ميديا من كل المحافظات، وخاصة الأقاليم بحالات وكيفيات لا يجوز أن نوثقها في مقال مكتوب، وإن كان السادة في وزارة التعليم على دراية كاملة بحقيقة ما حدث وبتفاصيل أكثر مما وصل إلينا نحن كمتابعين، المفاجئ هو أن عدداً من الطلاب وصل بهم الأمر إلى الدخول للجنة الامتحان وقد دونوا إجابات الأسئلة في كتبهم التي سمح لهم بالدخول بها إلى اللجان!


دعكم أيها السادة من نتيجة الامتحان أو فرص اللحاق بكليات القمة من عدمه، لكن الأخطر فيما أرى هو إيمان الشباب بجدوى الالتزام بالأعراف والقوانين من عدمه، فمن منكم يتصور أن يستجيب شاب لطلب والده بالالتزام بالقانون وقد شاهد حلمه يضيع بسبب أخذه بنصيحة مماثلة لوالده بألا يغش نفسه أو وطنه في امتحان مدرسي، فإذا به و قد رأى أولئك الدين غشوا هم اليوم في كليات القمة، بينما هو يعض أصابعه من الندم على أنه اقتنع بنصيحة والده وعمل بها، فأصبح يتهم أباه بالخرف والطوبوية وأنه هو الذي ضيع مستقبله.


مرارة الهزيمة النفسية وعدم المساواة وغلبة الفهلوة أيها السادة أصعب ألف مرة من نتيجة الامتحان ذاته وفقد جيل للإيمان بمبدأ العدالة والمساواة وجدوى الاجتهاد وليس الغش، أمراض لها من المخاطر على الوطن كله ما لا يمكن وصفه، تبعاتها قد تضيع جهودًا كثيرة تبذلها الدولة في قطاعات أخرى كثيرة سيكون هذا الجيل مؤتمنا عليها في قابل الأيام أما وقد بلغ الأمر ما بلغ، فإن تدخلًا سريعًا أتعشم أن يتم وبداية العلاج أن نعترف بما حدث، وأن نقر أن نظام الاختيار من متعدد سهل على الغشاشين- طلابا ومدرسين- مهمتهم كما ينبغي أن تكون هناك وقفة مع المسئول عن الأموال التي أهدرت على التابلت دون أن يستخدم.


والأهم من كل ما سبق هو أن نعالج الخطأ الدي تمثل في حالات الغش فرديًا كان أو جماعيًا، بالطبع سيكون مستحيلاً إثبات حالات الغش الجماعي على يد المصححين مع كون كل الأسئلة اختيار من متعدد و ليست مقالية.
 

إن أملأ أخيرًا لا يزال باقيًا بأن تكون هناك فرصة ثانية لإعادة الامتحانات- لمن يرغب من الطلاب- ومن يتعثر فيهم نكون قد أقمنا عليه الحجة أن المشكلة في قدراتك العقلية ودرجة تحصيلك وليس في النظام التعليمي ذاته، فرصة ثانية تمنحها لأولادك يا معالي الوزير نستعيد بها جيلًا كاملًا قبل أن يتفلت من بين أيادينا، فرصة ثانية تعيد لأكثر من نصف مليون من جيل الشباب الإيمان بمعنى العدالة والفرص المتساوية وعدم إهدار الجهد، ولنا في طالبة مركز منوف التي توفيت يوم امتحان الفيزياء المثل، فإن كانت "منار" قد توفيت كمدًا فإن آلافًا غيرها أمرهم صار أصعب إذ يعانون من أمراض نفسية نتيجة الإحباط والشعور بعدم المساواة.