رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا الفن (الفوتوغرافيا والمدرسة التأثيرية)

 

التأثيرية من المدارس الهامة  التي ظهرت في القرن التاسع عشر، أقيم المعرض الأول للتأثيرين عام 1873 معلنا عن مرحلة فنية جديدة ، لمواجهة الفن الأرستقراطي والكلاسيكي،  لكن مجتمع الفن قابل التأثيرية بالكثير من السخرية ، ورأى النقاد هذه اللوحات كرسومات غير منتهية لا ترقي إلي اللوحات الأكاديمية.

 تتميز اللوحات التأثيرية التقليدية بالتركيز علي التأثيرات البصرية العامة بدلاً من التفاصيل، وتسجيل الضوء وآثاره عن طريق استخدام ضربات فرشاة قصيرة من لون نقي وغير مخلوط  والتقاط لحظة عابرة واضافة شعور بالحركة والألوان المشبعة كل هذه السمات تأثرت بإختراع الفوتوغرافيا .

تتشارك الفوتوغرافيا مع المدرسة التأثيرية في العديد من النقاط أهمها أن كلاهما مرتبط بالعلم، في حالة الرسامين الانطباعيين كان اكتشاف أنبوب الطلاء وبالنسبة للمصورين كان إختراع كاميرا كوداك، كلاهما مرتبط بالنظريات المكتشفة عن فيزياء الضوء ، فالتأثيرية تعتمد على نظريات تحليل الضوء ودراسة تغير مظهر الجسم بسقوط الضوء عليه في أوقات النهار المختلفة  فاتخذوا من الضوء عنصرا أساسيا ،وصارت الأجسام بلا تفاصيل وتخلوا عن تحديد الأشكال و تفننوا في تجزئة الألوان المكملة وبتسجيل الإحساس الناتج عن الحركة، لذا ليس من المستغرب أن يبدأ المصورون في استخدام مقاربة انطباعية لصورهم منذ البداية تقريبًا. 

      قدم جورج دافيسون George Davison في خريف عام 1890 ، ورقة أمام الجمعية الملكية للفنون بعنوان  "الانطباعية في التصوير الفوتوغرافي". كانت تهدف لربط الفوتوغرافيا بالفن الحديث ،قدم دافيسون قراءة متماسكة للعناصر المحددة لجماليات التأثيرية  ، إلا أن  التأثيرية كانت حركة غير راسخة ولم تكن أثبتت جدارتها بين الفن الأكاديمي  وبعد ثمان معارض للتأثيرين كان اسم الحركة مختلف عليه وحتي اسم التأثيرية أو الانطباعية كان عنوان ساخر أطلقته عليهم الصحافة في مراجعة لويس ليروي بعد معرضهم الأول (الاسم مستوحى من لوحة كلود مونيه ، انطباع شروق الشمس )

في بداية التصوير الفوتوغرفي كان وقت التعريض طويلا وكان ذلك يعيق بقوة تصوير أجسام متحركة وكان المصورين يميلون لتصوير الطبيعة الصامتة لكن بتطور الفوتوغرافيا وظهور ألواح أكثر حساسية وأنظمة غوالق أسرع تمكن المصورون من تسجيل الحركة  وهي واحدة من الابتكارات التي تعزى إلى التأثيرية حيث تجسيم السائرين بشكل غير واضح ؛يبدو جديدًا تمامًا في الفن.

 

،   وكانت نقطة الإنطلاق عندما عرض Davison أول صورة فوتوغرافية تأثيرية باسم حقل البصل باستخدام الكاميرا ذاتالثقب  pinhole ليحدث تأثير التركيزالناعم فى الصورة بأكملها. عرضت الصورة في معرض جمعية  التصوير الفوتوغرافي  عام 1889 ووصفت الديلي تلغراف Daily Telegraph  أعمال دافيسون "بالتأثيرية الناعمة" . 

جورج دافيسون "حقل البصل- من أوائل صوره التأثيرية

جورج دافيسون1910 

    قدم ألفريد براذرز Alfred Brothers  في عام 1892تعريفا يربط بين التأثيرية والفوتوغرافيا كفن ، موضحا " أن المدرسة التأثيرية هي محاولة لإنتاج محاكاة تأثير  الصورة خارج التركيز out of focus الناتج عن طريق التصوير الفوتوغرافي "بشكل ما يعتبر هذا التعريف ترسيخ لشعبية الفوتوغرافيا واعترافا بتأثيرها العميق علي الفنانين ، كان نقد الأعمال الفوتوغرافية يتوقف  علي قدرتها علي  قدرتها علي نقل التفاصيل والحدة وبظهور التأثيرية الفوتوغرافية أضيف منهج جديد في تحليل الفوتوغرافيا يعتمد علي مقدار الصنعة في إتقان التأثير الإنطباعي في الصورة ، ساعد ذلك علي استخدام أساليب جديدة في عمليات الطباعة والمعالجات في المعمل 

 

    تتميز صور هنريروبنسون ببعض الخصائص الموجودة في التأثيرية مثل تكثيف التباين بين مناطق الإضاءة المنخفضة والعالية وطمس التفاصيل وتسطيح المناطق الداكنة والفاتحة لتبدو كلطخات الفرشاة في الصورة الفوتوغرافية 

هنري روبنسون 1895

      يعتبر روبرت ديماشي واحدا من أساتذة إجراء التعديلات اليدوية علي الصورة الفوتوغرافية في المعمل وخاصة أثناء الطباعة  رغم إنتقاد العديد لأسلوبه وزعمهم  بخروج صوره عن الفوتوغرافيا لتماديه في طمس تفاصيل الصورة .

روبرت ديماشي-1902 

بتطو التكنولوجيا توجد العديد من الطرق لإنتاج التصوير التأثيري ، لكن التحدي هو استخدام هذه العناصر بطريقة ذات معنى ، في التصوير الفوتوغرافي وجود هدف واضح لما نصوره  هو أحد أسس التصوير ،ومعرفة  كيف يمكن تسجيل انطباع ما لجسم معين ، من حيث الضوء والشكل واللون باستخدام التقنية المناسبة ودون الخروج عن الجماليات.

يهتم المصور  Mark Wade بحركة الضوء متأثرا بأعمال كلود مونيه ويري أن الوصول لشكل اللوحات التأثيرية بواسطة حركة الكاميرا دون  استخدام الكمبيوتر يعتبر تدريب وخبرة بصرية عالية في تحليل الأجسام .

صور تأثيرية للمصور Mark Wade

     يصعب التنبؤ في كثير من الأحيان بمظهر الصورة النهائي في هذه الطريقة ونظرًا لأن حركة الكاميرا أثناء التعريض ستجرد الموضوع من التفاصيل ، من المهم اختيار الموضوع بعناية لذا تصلح هذه التقنية مع المناظر الطبيعية وخاصة عند وجود خطوط قوية مثل الخطوط الأفقية أو الخطوط العمودية  

صورة تأثيرية بواسطة حركة الكاميرا - مريم حسن

صورتين لحركة الكاميرا للمصورة   Eva Polak

     يقول المصور ستيفين داجستينيو  "تعجبني الطريقة التي تنقل بها الصور التأثيرية الطاقة والحركة. كما أن الصورة الناعمة الناتجة عن التقنيات التأثيرية  تجذب العين لتفاصيل غير متوقعة،التركيز الحاد يمكن أن يعيق الفكرة التي تنقلها الصورة لكن في التأثيرية، غالباً ما تكون حركة الإطار أكثر أهمية من ما يتحرك في داخل الإطاربالنسبة لي هذا هو جوهر الصورة التأثيرية. ". 

     يستخدم بعض المصورين التعريض المتعدد لخلق صورا تأثيرية  ويمكن الدمج بين التقنيات المختلفة  مثل صور المصور (Freeman Patterson) الذي يدمج ما بين التعريض المتعدد الذي قد يصل لحوالي 20 تعريض وحركة الكاميرا وحركة الزووم   

صورة من 5 تعريضات  للمصور Freeman Patterson تجمع بين العديد من التقنيات.

    يري المصور Stephen D'Agostino "في حين أنه من الممكن إعادة إنتاج تأثير التعريض المتعدد من خلال الجمع بين الطبقات في Photoshop ، أعتقد أن التقنية في الكاميرا تنتج صورة أكثر إرضاءً".

  ينتج المصور Hal Eastman صوره التأثيرية بالكاميرا الفيلمية عن طريق التعريض الطويل والمتعدد ثم إجراء معالجات في المعمل  يقول :"إن تقنيات التصوير والطباعة غير العادية التي تنتجها إيستمان ، والتي طورت على مدى عدة سنوات ، تعطي الصور طابعًا فنيًا من اللوحات الانطباعية ورسومات الفحم ، وتمثل منهجًا مبتكرًا لتصوير الرقص".

صور للمصور Hal Eastman

في التعريض المتعدد. ورغم أن التأثير الناتج غير متوقع لكن الألوان والأجسام الناعمة تعطي صورا أقرب ما تكون للتأثيرية.

يعرف تأثير الاستدارة    the round ؛  بأنه مجموعة من مزج الشفافيات opacity blending  .ورغم كونها عملية تتطلب العديد من المعالجات الرقمية post production لكن النتيجة تكون مرضية للغاية رغم كونها تتطلب دقة عالية في التأطير والمحاذاة .تتكون صورة نصب واشنطن من حوالي 40 صورة التقطت في دائرة واسعة حول النصب التذكاري، وحدد حجم الصورة وموضع الكاميرا ثم عولجت الصور الفردية ودمجت في Photoshop .

صورة نصب واشنطن بتقنية الاستدارة Stephen D'Agostino-

صورة للمصور Christopher Dydyk   بتقنية الاستدارة

يقوم المصور الكندي مات مولوي Matt Molloy ، بتصوير المناظر الطبيعية بطريقة مختلفة لالتقاط الصور التأثيرية. فيستخدم الصور المتراصة لإضافة الدراما تتكون الصورة من 186 صورة للغروب مندمجة في صورة واحدة  ويقوم بالتصوير باستخدام حامل الكاميرا .

 

طيف الغروبSunset Spectrum   للمصور Matt Molloy

تصبح الفوتوغرافيا خالدة كلما كان لها تأثير واضح علي الطريقة التي ندرك بها ما اعتدنا رؤيته ،المصور يتأمل العالم من حيث الأنماط والأشكال والتباين واللون ،ويكمن التحدي في تقليل هذه المعلومات في الصورة للحد الأدنى . ومحاولة رؤية الأشياء كأشكال وليس كائنات 

بدراسة  أعمال المصورين الفوتوغرافيين المعاصرين ، نستكشف وصفهم الشخصي لتأثير الضوء، جميع الصور التأثيرية  تتشارك ، في كونها استجابة غير متوقعة لما يراه الفنان ، فالتأثيرية  ليست تقنية محددة ، ولكنها طريقة للرؤية... الشرط الوحيد هو كاميرا مع إعدادات التحكم اليدوي ومصور مع لمسة من الإبداع.