رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«موت تحت الأنقاض».. «الدستور» تحقق في أزمة ترميم العقارات القديمة

عقار منهار
عقار منهار

تكررت حوادث انهيار العقارات خلال الآونة الأخيرة، فلم تمر أيام قليلة على حادث كاد أن يقضي على حياة العديد من المواطنين في حي القومية، إثر انهيار عقار قديم تقطنه أسرة نجت بأعجوبة بعد تدخل قوات الحماية المدنية.

وكان رد محافظة الجيزة بعد وقوع الحادث، أن صاحب العقار المنهار صادر له قرار ترميم لكنه تغاضى عن تنفيذه، ما أدى إلى انهياره بشكل كامل، كونه متهالكًا وآيل للسقوط منذ فترة كبيرة.

في يونيو 2019، تعرض الشاب العشريني، محمد غالي، من المحلة الكبرى، لحادث مأسوي، حين كان مستلقيًا على فراشه استعدادًا للنوم، إلا أنه شعر بحركة مريبة ولم تمر ثوانِ حتى تحول ذلك المشهد إلى ذكرى مؤلمة صاحبته حتى يومنا هذا.
لم يستغرق المشهد الذي يتذكره الشاب خلال حديثه مع "الدستور"، إلا 20 دقيقة فقط، ليجد نفسه تحت الأنقاض بعد انهيار المنزل بأكمله، حتى أنقذه بعض جيران المنطقة الذي حاولوا جاهدين مساعدة المصابين لحين وصول قوات الحماية المدنية.

انهيار عقار


وبعد خروجه من تحت الأنقاض، تم نقله سريعًا إلى مستشفى القصر العام بمدينة المحلة، ليستفيق من الغيبوبة على كارثة أكبر، وهي فقدان قدميه إثر سقوط حطام المنزل فوقه، وظل يعاني فترة كبيرة من الكدمات التي أوجعته بشدة، وتركت أثرًا سيئًا بداخله يتذكره كلما نظر إلى قدميه المبتورتين.

لم يكن الحادث محض صدفة، فالمنزل كان متهالكًا تمامًا، وآيل للسقوط منذ فترة كبيرة، لكن أصحابه تجاهلوا الأمر ولم يهتموا بالحصول على قرار لترميمه، أو صيانته بأي شكل من الأشكال.

الأمر نفسه يتكرر مع محمد أسامة، صاحب الـ26 عاما، لكن بطريقة أكثر إيلاما حين فقد والديه تحت أنقاض منزلهم المتهالك والذي رفض صاحبه ترميمه ليسقط فوق رؤوس السكان ويفقد الشاب قطعة من روحه.

قوات الحماية المدنية


يعود الشاب بالذاكرة إلى ليلة الحادث، وهو يحاول السيطرة على دموعه، حزنًا على فراق الأحبة، قائلًا: "حاولنا كتير نقنع صاحب البيت يشوف حل قبل ما يتهد علينا"، ولكن المحاولات جميعها باءت بالفشل، فالرجل كانت ردوده دائمًا باردة لا تعطي أي مفيد.

هذا النوع من الكوارث يسلط الضوء على أهمية متابعة المحليات لحالات العقارات القديمة في مصر، لكن الأولوية تقع على عاتق مُلاك هذه العقارات، الذين يتجاهلون الأمر لحين حدوث الكارثة.

إيهاب منصور، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، أوضح أن عمليات الترميم لها أصول ومواصفات معينة في الصنع، يتم تحدديها حسب حالة كل مبنى من حيث عمره ومساحته وعدد الأدوار وحالة الخرسانة.

وأضاف: "بعض العقارات حديثة النشأة تخضع لقرارات الترميم؛ بسبب الإهمال والاقتصار في إعداد أعمدة الخرسانة، وهو ما يستدعي استخدام مواد بناء قليلة يتبعها بعض المقاولين وأصحاب العقارات معدومي الضمير".

النائب إيهاب منصور

وأضاف "منصور" في تصريحات لـ"الدستور"، أن هناك مشكلة كبيرة في جميع أحياء مصر، وهي قلة أعداد المهندسين وزيادة المشكلات والشكاوي الخاصة بالترميمات والمخالفات، وكذلك ضعف الجهاز الإداري، بالتالي لا يستطيع المهندسين الانتهاء من قرارات الترميم المطلوب تنفيذها في الوقت المحدد لديهم.

وعن حل هذه المشكلة، طالب وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، المسؤولين في الأحياء والمحافظات والوزارات المعنية بتعيين مهندسين وفنيين، مشيرًا إلى التكلفة المادية الكبيرة التي يتطلبها هذا الأمر، ولكن العائد الإيجابي سيكون أفضل بكثير لتجنب انهيار العقارات من خلال توافر مهندسين يتمكنون من رصد المخالفات اليومية في العقارات.

وتابع " منصور" أن هناك آلاف القرارات في الأحياء لترميم العقارات، ولكن عدم توافر المهندسين يقف عائقًا أمام ذلك، فبالرغم من انتشار الفساد في المحليات، وعدم الالتزام بدورهم على أكمل وجه، إلا أن أزمة عدم توافر المهندسين تُعد هي المشكلة الرئيسية في حدوث الأزمة.

ورأى وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن نجاح المنظومة يتطلب البحث عن آليات جديدة لتطوير الكيان من خلال دعم الأحياء ومراكز المدن بمهندسين وفنيين متخصصين، موضحًا أن انهيار العقارات يترتب عليه انخفاض ترتيب مصر العالمي في مجال العقارات، ما يؤثر على الاستثمار بشكل كبير.

أما عن الإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها مع أصحاب العقارات الذين لا يخضعون لتنفيذ قرارات الترميم، أوضح ذلك محمد عطية الفيومي، عضو لجنة التنمية المحلية بمجلس النواب، مشيرًا إلى الإدارة الهندسية بالحي التي تعطي أصحاب العقارات الآيلة للسقوط فترة معينة لتنفيذ قرار الترميم، وفي حالة  عدم التنفيذ تتولى الإدارة عمليات الترميم للعقار، وذلك على نفقة مالك العقار، وفي حالة عدم دفع المستحقات يتم الحجز على العقار فورًا.

 

النائب محمد عطية الفيومي

وأكد أن عدم الصيانة الدورية وسوء الاستخدام يجعل عمر المباني السكنية أقل، فدائمًا ما نرى عقارات سكنية جديدة النشأة ولكن  بها ترشيح في مواسير الصرف، لذا ينجم عنها تأكل في الأعمدة والخرسانة، ما يجعل المباني السكنية أكثر عرضة للانهيار.

وأضاف "الفيومي" أنه في مصر لا نهتم بصيانة المباني الحكومية والخاصة، مناشدًا بضرورة توافر صيانة دورية للعقارات السكنية سواء كانت صيانة خفيفة متمثلة في أعمال السباكة والدهانات أو صيانة جسيمة كترميم الأسقف والأعمدة والخرسانات.