رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل في الاتحاد الأفريقي

تسعي إسرائيل منذ ما يقرب من العشرين عامًا إلى العودة إلى الاتحاد الأفريقي مرة أخرى، فمصالح إسرائيل في القارة الأفريقية كثيرة ومتعددة. وبالفعل تم الإعلان الخميس الماضي(22 يوليو) عن عودة إسرائيل بصفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، بعد أن فقدت هذهالوضعية في أعقاب حل منظمة الوحدة الأفريقية، وإنشاء الاتحاد الأفريقي عام 2002 بدلًا منها. وقد وصفت إسرائيل هذه الفترة "بالوضع الشاذ"، وقال أيضًا وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد "هذا يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية وسيساعدنا على تعزيز أنشطتنا في القارة الأفريقية، ومع الدول الأعضاء في الاتحاد". وهذا ما يحتم التفكيرفيالأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لقارة أفريقيا لإسرائيل.

تاريخيًا مرت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بمراحل مختلفة.فمنذ عام 1948 تحاول إسرائيل أن تحظى باعتراف وتأييد دوليين، من القوى الكبرى أولًا، ثم الدول الأصغر. ولم تهتمإسرائيل في لحظة قيامها بأفريقيا، التي كان يخضع أغلب دولها للاستعمار.وبعد حرب السويس 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) تغيرت هذه الاستراتيجية، وحلت بدلًا منها استراتيجية جديدة قوامها غزو أفريقيا سياسيًا واقتصاديًا. وقد سبق ذلك رفض الكثير من الدول الأفريقية حضور إسرائيل في "المؤتمر الأفروآسيوي" في باندونج بأندونيسياسنة 1955.ومنذ ذلك الحين أدركت إسرائيل أن لهذه الدول كتلة تصويتية هامة.وبدءًا من منتصف الخمسينياتبدأت العلاقات الإسرائيلية الأفريقيةتتحسن نوعًا ما.ولكن مع الحرب الإسرائيلية العربية عام 1967 قامتكثير من دول أفريقيا بمقاطعة إسرائيل تضامنًا مع مصر.وهو ما تغير مع توقيع مصر معاهدة "كامب ديفيد"، حيث بدأت إسرائيل في الدخول مع أفريقيا مرحلة جديدة من التعاون مرة أخرى. هذا يؤشر إلى أن مصر كانت تلعب دورًا هامًا في تراجع أو تنامي العلاقات الإسرائيلية الأفريقية وفقًا لمدي نفوذها في القارة،وبالتالي أثناء حدوث الفراغ المصري الذي بدأ مع السادات،وازداد مع مبارك، وتحديًدا بعدحادثة اغتيال أديس باباأصبحت الساحة الأفريقية خالية من الوجود المصري، ومن ثّم باتت تُمثل بيئة خصبة للاختراق الإسرائليي،المُحمل بأهداف سياسية،واقتصادية، وأمنية،كما سهل أيضًا من اختراق هذه الدولأنها تعاني من الصراعات الإثنية والعرقية، فضلًا عن التردي الاقتصادي.

تمثل أفريقيا بالنسبة إلى إسرائيل أهمية استراتيجة لما تمتكله هذه القارة من إطلالة على بعض الممرات المائية الهامة وبعض المضايق، كمضيق جبل طارق الذي يعد البوابة الغربية للبحر الأبيض المتوسط، ومضيق باب المندب وهو بوابة للبحر الأحمر، لذا نجد أن الوجود الحيوي الكبير لإسرائيل في دول شرق أفريقيا، والقرن الأفريقي، وحوض النيل. عملت إسرائيل على تحسين علاقاتها مع دول مثل أوغندا، وأثيوبيا، وجيبوتي وهي من الدول الهامة المتحكمة في مضيق باب المندب،والذي يعد المدخل الجنوبي لقناة السويس كما أنه ضروريًا للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.يؤثر أي تهديد للملاحة في هذا المضيق على قناة السويس، وهو ما يؤثر على الاقتصاد والأمن المصريين. وبالتالي السيطرة على ذلك المضيق يحقق لإسرائيل مصالح استراتيجية واقتصادية، وتجارية، وهو ربما ما يجعلها مستقبلًا قادرة على التحكم في حركة التجارة، وأي تحركات عسكرية، ومن ثّم حماية أمنها القومي

وبالنظر إلى علاقة إسرائيل مع أثيوبيا، فقد أوضح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إفرايم سنيه في كتابه "إسرائيل بعد عام 2000"، "إنه لا يمكن تقدير القيمة الإستراتيجية لأثيوبيا وإريتريا دون الإشارة إلى سيطرتهما على مصادر النيل"،وهذا يعني أن إسرائيل تسعى إلى السيطرة على دول المصب من خلال نفوذها في دول المنبع، وهو ما تجلى في أن أصبحلإسرائيل دورًا خاصًا في المبني الإداري لسد النهضة يحتوي على الشركات القائمة على البناء والاستشارات الهندسية، بالإضافة إلى القائمين على التكنولوجيا والأنظمة الدفاعية للسد، كما وصلت عدد الشركات الإسرائيليةداخل إثيوبيا في مجال التصدير نحو 121 شركة.

تحتاجإسرائيل أيضًا إلى أفريقيا على المستوى الاقتصادي، وهذه إحدى القنوات الهامة للتغلغل الإسرائيلي، فتعد القارة منجم اقتصادي ومغنم للثروات،ومعظمدولهادولًا نامية على الرغم من امتلاكها لكثير من الموارد، لذلك فهي دائمًا تحتاج  إلىالمساعدات وتقديم الخبرات الفنية، والعلمية، والتكنولوجية لها، وهذا بالفعل ما قدمته إسرائيل لبعض الدول التي أقامت معها علاقات اقتصادية،من خلال اتفاقيات تختص بالتعاون الفني، كما أقامت العديد من المشروعات التجارية والصناعية.ساهمت أيضًا التكنولوجيا الزراعية التي تمتلكها إسرائيل في توطيد علاقتها مع أفريقيا، حيث تعتمد معظم دول أفريقيا على الزراعة، فنجد في أثيوبيا وحدهاأن إسرائيلتدير أكثر من 185 مشروع زراعي،بالإضافة إلى امتلاكها شركات كبري في المجال الزراعي كشركة "أجريد أب" في كينيا، ولديها أيضًا في أفريقياأكثر من 100 شركة في مجال التكنولويجا والاتصالات، والطاقة البديلة، والبنية التحتية. وهنا أود أن أشير إلى سعي إسرائيل الدائم للتغلغل الاقتصادي في أفريقيا، من أجل السيطرة على اقتصاديات المنطقة، والعمل على فك الحصار الاقتصادي العربي، فضلًا عن الحصول على الموارد الأولية الرخيصة اللازمة للصناعات الإسرائيلية،ولذا يمثل انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي، فرصة لفرض نفسها كلاعب قوى ومؤثر في أفريقيا، وهو ما قد يجعل الدول الأخرى المتكالبة على أفريقيا تسعى إلى التنسيق مع إسرائيل في تحقيق الأهداف المشتركة،وبالتالي ستحقق إسرائيل الكثير من المكاسب الاقتصادية، كما أنهاستسفيد بشكل مباشر من منطقة التجارة الحرة الأفريقية. ليست المكاسبالاقتصادية وحدها فقط التي تجنيها إسرائيل بل أيضًا ستجني الكثير من المكاسب السياسية، والتي ربما يكون لها من تأثير سلبي على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية.