رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعب التونسى يحطم قيده

تأخر الرئيس التونسي، قيس بن سعيد، في التحرك لكبح جماح جماعة إخوان الشر في بلاده، الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة التونسية منذ عام 2011 إلى الآن، بسيطرتهم على برلمان البلاد وتشكيلهم للحكومات المتتالية، منذ ذلك التاريخ.. ولكن أن تأتي متأخراً، أفضل من أن لا تأتي أبداً، خاصة أن فساد إخوان تونس تفشى إلى الدرجة التي أضرت باقتصاد البلاد، وأدت إلى انهيار المنظومة الصحية بها، حتى أصبحت تونس من البلدان الموبوءة بكورونا، وعجزت المستشفيات والإمكانيات عن مواجهة هذا الفيروس والحد من مخاطرة.. وكان على الشعب أن يتحرك، وكان على الرئيس ابن سعيد أن ينحاز إلى الشارع التونسي، بالرغم من الخطر الداهم للإخوان على الدولة التونسية، الذي بات يهدد أمن البلاد القومي، بعد أن أهدر كرامة المواطن التونسي، الذي انخدع فيهم، كما سبق وانخدع الشعب المصري.. لكن الشعب في مصر لم يطق تحملهم أكثر من عام، وصبر عليهم الشعب التونسي عشرة أعوام كاملة، حتى طفح الكيل، وانفجر بركان الجماهير الهادر، وكان على القائد أن يستجيب لنداء الشارع التونسي، الذي خرج منه ـ يوماً ـ الشاعر أبوالقاسم الشابي، معلناً: (إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر.. ولا بد للليل أن ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر).. وويل لجماعة، مثل إخوان تونس، إذا انكسر قيد الشعب وخرج من مكمنه، ثائراً عليها.
تذّرع الرئيس ابن سعيد بالصبر، واستنفذ رصيد الحكمة تجاه كل سفالات الإخوان، التي وصلت درجة ضرّبهم أعضاء البرلمان، حتى النساء منهم، داخل قاعات المجلس النيابي، على مرأي ومسمع من الناس والعالم، الذي صم آذانه، فلم تتحرك آلة الإعلام الخارجي لفضح ممارساتهم ـ كعادتها دائماً ـ لأنها تتبع أجهزة مخابرات الدول التي تبتغي إسقاط الأمة العربية، وهو نفس ما يفعلونه حالياً، تجاه الحراك الشعبي التي تموج به تونس الآن.. وتحصّن بالروية وهو يرى زعيم إخوان الشر، راشد الغنوشي، يسافر للاجتماع بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة، رغم أن وضعه، كرئيس للبرلمان التونسي، لا يخول له مثل هذا التصرف، الذي جاء بعيداً عن علم الرئاسة التونسية.. وكأنما ذهب التابع الإخواني إلى السيد الحاضن لأعضاء هذا التنظيم، المقوي لشوكتهم، في ظهور أنظمة بلادهم.. كما تلمس ابن سعيد الحصافة في تصرفاته، وهو يرى محاولة هذه الجماعة السيطرة على المحكمة الدستورية في تونس، بغية الهيمنة على قرارات الدولة ومحاصرتها، وتوجيهها الوجهة التي يريدها هؤلاء الإخوان، بعيداً عن المصالح العليا للبلاد، كما حاول، بالهدوء، الحيلولة دون سعي رأس الشيطان، راشد الغنوشي، وفصيله حركة النهضة، إدخال المرتزقة السوريين القادمين عبر تركيا، بعتادهم العسكري، عبر الجبال الفاصلة بين تونس وليبيا، لدعم العنف والإرهاب على الأراضي الليبية، خلال السنوات التي تولى فيها فايز السراج، المجلس الرئاسي الليبي.
طفح الكيل بالشعب التونسي، وفاض صبر رئيسه.. وكان على الرئيس أن يخرج عن صمته، وأن يمارس صلاحياته، التي يخولها له الدستور ـ طبقاً لفصله الثمانين ـ ليحفظ للشعب كرامته، ويحافظ على أركان الدولة التونسية من الانهيار.. قرر تجميد البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وعزل رئيس الوزراء الإخواني، وتوليه، هو نفسه، رئاسة النيابة العمومية، لمواجهة الفساد الذي استشرى في البلاد، ووصل مراتب من الفحش والجبروت، أضرت البلاد والعباد، ووصلت بتونس الخضراء إلى ما هي عليه الآن، وفي سبيل ذلك، منع النواب من السفر خارج البلاد.. وحذر الإخوان، من أن إطلاق رصاصة واحدة في مواجهة الأمة التونسية، ستواجه بوابل من الرصاصات.. فليس بعد الشعب التونسي ما يمكن البقاء عليه، وهو يعلم ما قد يلجأ إليه الإخوان الخونة من عنف وإرهاب، كما حدث في مصر، الملهمة في مواجهة هؤلاء الأشرار، وكسر شوكتهم، وإخراجهم من المشهد إلى غير رجعة، انتصاراً لإرادة شعبية تفجرت في الثلاثين من يونيو 2013.. فهل تجاوز الرئيس ابن سعيد الدستور وانقلب على الديمقراطية في بلاده؟.
ينص الفصل الثمانون من الدستور التونسي على أنه (لرئيس الجمهورية، في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذٌر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب.. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال).. وهو ما فعله.. وفيما يقف تمثال مجسد لعربة بائع الخضار المتجول، محمد البوعزيزي، وسط مدينة سيدي بوزيد، يبكى أغلبية التونسيين بالدموع حزناً على أوضاعهم المأزومة، حالياً.. يرددون عبارة بالغة الدلالة (نعيش الآن صراع الصبايحية ـ نسبة للاحتلال العثماني ـ والفلاقة، أى الشعب المقاوم)، بينما لاتزال منطقة سيدي بوزيد، التى انطلقت منها الشرارة قبل نحو عشرة أعوام، على وضعها المأساوي، اقتصادياً وخدمياً، في ظل مغامرات حركة النهضة الإخوانية التى تسيطر على الحكم، وفشلها في الوفاء بما تعهدت به طوال هذه المدة).. لهذا هب الشعب التونسي، وإليه انحاز الرئيس قيس بن سعيد.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. تفجرت في تونس شرارة ما سمي بـ (ثورات الخراب العربي)، ووصلت إلى مصر، التي صمدت في وجه تداعياتها وما أريد منها لإسقاط الدولة المصرية.. ولم يكن الفارق الزمني بعيداً، وبالرغم من تقوّل البعض (أن مصر ليست تونس)، إلا أن شرارة الخراب لم تلبث أن أصابت قلب الأمة العربية، لكن أرض الكنانة محروسة دائماً من ربها، وبصدور أبنائها المخلصين، وبمن هيأه الله أن يأتي مخلصاً لها من ربقة الاختطاف، الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو مالم يدركه التونسيون في وقته، ليعلموا أن (ملة الكفر واحدة)، وأن تجار الدين هم أنفسهم في كل مكان، وهم من يسعون إلى خراب البلاد وتدميرها.. فمكثوا سنين في العذاب المهين.. انهار الاقتصاد، وتدهورت الصحة، وضاعت كرامة المواطن التونسي في بلاده.. حتى ممثلوا الشعب في البرلمان، لم يسلموا من الإهانة والعنف الإخواني، تحت قبة البرلمان.
●●●
وبعد..
فإن الإخوان فصيل فاش وفكرة مريضة وتجربة قاسية لكل من عاشها.. جماعة تقف ضد كل الثوابت الوطنية واحترام سيادة الدول والمجتمعات، وإزاحتهم من المشهد السياسي، في أي دولة، ليس ضد الديمقراطية، ولا يُعد انقلاباً، بل واجب تحتمه الضرورة الوطنية.. وهو ما يفضحه لطفي زيتون، القيادي في حركة النهضة، والمستشار السابق للغنوشي، والوزير في الحكومة الإخوانية السابقة، والذي استقال اعتراضاً على (تغوّل الإسلام السياسي ومسئوليته عن الاتقسامات والصراعات على السلطة والثروة في تونس، واحتكار الغنوشي لقيادة حركة النهضة لخمسين عاماً).. يؤكد أن (حركة النهضة فشلت في إدارة الحكم، وعجزت عن التحول إلى حزب وطني، في ظل الإصرار على الدمج بين التنظيمي والسياسي.. ومن ثم، لاتزال تونس تعاني الظلم والفقر المتفشي، على أيدي أعضاء هؤلاء الإخوان).
حفظ الله مصر، وكلل بالنصر حراك شعب تونس.. آمين.