رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زلزال تونس.. «الدستور» ترصد توابع عزل الإخوان على الأرض

المواطنون خرجوا للدفاع عن قرارات الرئيس بإقالة الحكومة وتجميد المجلس النيابى لليوم الثانى على التوالى

قيس سعيد يختار رئيس الأمن الرئاسى خالد اليحياوى للإشراف على «الداخلية»

الشباب: لا مخاوف من المستقبل بشرط وضع حد لـ«الغنوشى» بعد تحريضه على العصيان والدعوة للفوضى

 

حالة فرحة وارتياح واسع وسط الرأى العام التونسى يقابلها تشكيك أو رفض وتحدّ من بعض النخب السياسية فى مقدمتها جماعة الإخوان.

هذا هو باختصار المشهد العام فى تونس حاليًا، الذى رصدته «الدستور» فى جولاتها داخل عدة مناطق تونسية، وذلك بعد إعلان الرئيس قيس سعيد، مساء أمس الأول الأحد، قرارات استثنائية أعقبت يومًا تاريخيًا مشهودًا احتفلت خلاله جموع التونسيين بعيد الجمهورية الـ٦٤ بطريقتها الاستثنائية، حيث خرج التونسيون بالآلاف فى احتجاجات عمت مدنًا عديدة، طوال يوم الأحد، بعد أن فاض الكيل ضد منظومة الحكم الفاشلة طوال عشر سنوات منذ ٢٠١١ بقيادة جماعة الإخوان دون أن يلمسوا أى تحسن فى أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، بل على العكس زادت بؤسًا بعد جائحة كورونا، وسط إخفاق من الحكومة فى إدارة الأزمة، حيث سجّلت تونس معدلات هى الأعلى فى الإصابة والوفيات جراء الفيروس اللعين. 

واختار الرئيس التونسى، أمس الإثنين، رئيس الأمن الرئاسى خالد اليحياوى للإشراف على وزارة الداخلية، وينتظر أن تتبع هذا القرار مجموعة من التعيينات، فى مقدمتها رئيس الحكومة وأعضاؤها. وتوالت مسيرات التونسيين، أمس الإثنين، فى عدد من المناطق تأييدًا للرئيس قيس سعيد والإجراءات الاستثنائية التى جمّد بمقتضاها عمل مجلس النواب وعزل الحكومة وتولى السلطة التنفيذية. 

الشباب مع قيس سعيد

بحديث «الدستور» المتواجدة فى تونس حاليًا مع عدد من الشباب الذين يتصدرون هذه الجموع المحتجة، أكدوا أنهم خرجوا إلى الشوارع مجددًا مطالبين الرئيس باستكمال المسار لإبعاد النهضة، التى لم تف بأى وعود قطعتها على نفسها خلال الانتخابات البرلمانية الماضية، بل انكبت على تعزيز مكاسبها، وتمكين عناصرها وأنصارها، ولم تعبأ بمعاناتهم التى زادت وطأتها يومًا بعد يوم، وقال أحد الشباب، وهو طالب فى كلية الآداب بمنوبة فى السنة النهائية: «إن «النهضة» سخرت من معاناة الناس فى الظروف الصعبة الأخيرة للجائحة، وطالبت الحكومة بسرعة صرف تعويضات جراء فترة «بن على»، بينما كشفت وثائق عثر عليها محتجون، أمس الأول الأحد، فى أحد مقراتها عن أن المطالبات بصرف تعويضات وصلت لأقارب من الدرجة الثالثة للإخوان. وأكدت سلوى، المعلمة فى مدرسة بضاحية أريانة، أنها لا تشعر بالخوف من القادم، بشرط وضع حد للغنوشى، زعيم حركة النهضة، الذى يحرض على العصيان ويدعو للفوضى بما يهدد الأمن والاستقرار.

وقالت: «الرئيس رغم اعترافه بتأخره فى الاستجابة لمطالب الناس يسير الآن بخطى ثابتة نحو تكوين فريق للحكم يلبى مصالح الناس»، مشيرة إلى أن الرئيس التقى بهم فى شارع الحبيب بورقيبة فى الساعات الأولى من فجر أمس الإثنين ووصفته بالثبات، متوعدًا من سرقوا أموال الشعب ويحاولون الهروب بأنه «سيكون بالمرصاد لهم»، حيث إنه سيشرف بنفسه على فتح ملفات الفساد والإرهاب بعد ترؤسه النيابة العمومية، وسيلاحق «المجرمين»، وهى فى رأيها رسالة منه للمواطنين بضمان المصداقية والشفافية لكل الأطراف فى مواصلة التحقيقات فى تلك الجرائم، كما أنه يبث الثقة فى نفوس الشعب فى مواجهة مخاوف وتهديدات يبثها أعداؤه وأعداء الشعب حاليًا وهم قيادات النهضة.

دستورية القرارات

تعليقًا على ما يقوله بعض النخب السياسية من كون القرارات الأخيرة غير دستورية، أوضح «عماد»- طالب فى كلية الحقوق من ضمن المحتجين قرب البرلمان- أن الدستور فى تونس «يؤمّن السلطات ويحمى القائمين عليها ولا يُؤمن المجتمع والشعب واحتياجاته»! وفى السياق ذاته، تقول «منية»- عاطلة رغم حصولها على الدكتوراه فى العلوم- إن الدستور يسمح للرئيس بتعليق عمل البرلمان إذا كان هناك «خطر وشيك»؛ وتتساءل: «لماذا يقف الدستور عاجزًا عن إيجاد حلول عندما يكون الخطر الداهم الذى يهدد البلاد نابعًا من مجلس النواب والحكومة التابعين للإخوان؟!». وتتابع: «من الغريب أن رئيس البرلمان وأعضاءه من حركة النهضة كانوا يشيعون منذ أكثر من شهرين بأن الرئيس يخطط للانقلاب عليهم، ورغم ذلك لم يغيروا من سياساتهم التى ضاق بها التونسيون ذرعًا».

مواجهات قرب البرلمان

شهدت «الدستور»، المتواجدة فى موقع الأحداث، المناوشات والتراشق بالحجارة بالقرب من مقر البرلمان بين أنصار حركة النهضة وتجمعات كبيرة من المواطنين مؤيدى قرارات الرئيس سعيّد، ولم تلحظ «الدستور» سياسيين أو نقابيين من المعروفين ضمن المحتجين، ومع ذلك من الملاحظ أن ما يتميز به هؤلاء المحتجون الدرجة العالية من التعليم والثقافة والوعى السياسى. وكان التراشق بالحجارة وسقوط جرحى يتم تحت مرأى ومسمع من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشى، مرشد جماعة الإخوان فى تونس، الذى بدأ، منذ ساعات الفجر الأولى، اعتصامًا أمام مبنى البرلمان فى باردو مع أعضاء كتلته وآخرين من أنصاره توافدوا بكثرة فى ساعات الصباح من مختلف الولايات بعد أن وجه الغنوشى دعوته لهم بالاحتشاد، وحرضهم على التصدى لقرارات سعيّد، ليعيد إلى الأذهان مشاهد التعبئة الإخوانية فى مصر، وما يطلقون عليه فى أدبياتهم بـ«النفير العام» فى ٢٠١٣ بـ«ميدان رابعة». قوات الجيش من جانبها متواجدة بكثافة، وقد منعت الغنوشى من دخول المبنى، كما منعت أعضاء النهضة من اقتحامه بعد محاولاتهم المستميتة للوصول إلى كل البوابات الموصدة التى يؤمنها الجيش من الداخل أيضًا.

من جهة أخرى نفت مصادر أمنية مطلعة ما أشيع فى الساعات الماضية عن احتجاز رئيس الوزراء التونسى المعزول هشام المشيشى، وأكدت أنه موجود فى منزله وليس رهن الاعتقال. وقد أغلقت قوات الأمن مكتب قناة الجزيرة وطرد العاملين دون التعرض لأحد منهم. وجاء ذلك فى أعقاب ما قيل عن بث القناة القطرية إشاعات كثيرة نفت السلطات صحتها. 

الموقف الحالى

الواقع فى تونس يشير إلى أن الخلاف ما زال على أشده بين السلطات الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية» فى تأويل الدستور، وبالتحديد الفصل الـ٨٠ الذى ارتكز عليه الرئيس سعيّد فى إعلان القرارات الاستثنائية، خاصةً فيما يتعلق بحل البرلمان من عدمه، رغم عدم وجود المحكمة الدستورية التى لها المرجعية وفقًا للدستور فى تقدير الخطر المحدق بالبلاد، وما إذا كان يستحق إعلان تلك الإجراءات الاستثنائية من عدمه. ولعل هذا السبب نفسه هو الذى دفع رئيس الجمهورية لتجميد البرلمان لمدة ثلاثين يومًا وليس حله.

ولكن تحليل مضمون الرأى العام التونسى يشير إلى أن السؤال الأهم من مدى دستورية القرارات، ومدى اعتبارها انقلابًا أم لا هو الانقلاب على من أو على ماذا.. هل هو انقلاب على الدستور، والإجابة هنا بسؤال حتمى: هل كان الوضع دستوريًا مقبولًا قبل القرارات؟

هل هو انقلاب على الديمقراطية؟.. والسؤال المقابل له: هل كانت هناك ديمقراطية أو شرعية قبل هذه الإجراءات.. وسط شلل تام فى مجلس النواب وعنف واعتداءات بين الأعضاء متناسين استحقاقات الناخبين مع فشل حكومى فى مواجهة الوضع المتردى اقتصاديًا واجتماعيًا وصحيًا؟! إذن كان يجب أن يكون هناك تدخل من رأس السلطة؛ لإنقاذ البلاد بعد أن أصبح السلم الاجتماعى مهددًا، والوضع فى منتهى السوء، من فقر وبطالة ومرض وضحايا بالمئات يوميًا. هذا ما طالب به التونسيون منذ شهور، بل سنوات، وهذا ما استجاب له الرئيس سعيد بعد صبر وطول انتظار من الأطراف المسئولة عن الحكم فى البلاد.