رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خاتمة «الربيع» الإخوانى

مَنْ بدأوا المأساة أنهوها، أو كادوا. والعنوان استلفناه، بتصرّف، من المدعو منصف المرزوقى، أحد مطايا الإخوان، الذى وصف ما حدث فى تونس، أمس الأول الأحد، بأنه «خاتمة الربيع العربى». وكنا سنقول «صدق المرزوقى وهو الكذوب»، لولا أن ذلك الربيع المزعوم، لم يكن عربيًا، بل كان عبريًا، بحسب البعض، أو إخوانيًا، كما نعتقد. لكن ما اتفقت عليه كل الأطراف، هو أن تونس، التى انطلقت منها شرارته الأولى منذ ١٠ سنوات وشهور، شهدت خاتمته، نهايته أو قيامته، فى الذكرى الرابعة والستين لقيام الجمهورية التونسية.

استجابة لمطالب التونسيين، الذين ملأوا الشوارع والميادين، احتجاجًا على تردى الأوضاع الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، قرر الرئيس التونسى قيس سعيد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة حكومة هشام المشيشى. وخلال اجتماع طارئ، عقده مساء الأحد، مع القيادات العسكرية والأمنية، أوضح سعيد أن «قرارته تأتى عملًا بأحكام الدستور، وتهدف إلى إنقاذ تونس والحيلولة دون العبث بالأرواح ومقدرات الدولة». وتحسبًا لأى حماقة قد ترتكبها جماعة الإخوان، قال الرئيس التونسى: «لن نسكت على أى شخص يتطاول على الدولة ورموزها، ومن يطلق رصاصة واحدة سيطلق عليه الجيش وابلًا من الرصاص».

شعبيًا أو سياسيًا، هناك ثلاثة ملايين تونسى انتخبوا قيس سعيد رئيسًا للجمهورية، بينما لم ينتخب البرلمان إلا أقل من مليونى ناخب، كان نصيب راشد الغنوشى منهم عدة آلاف. ودستوريًا، تكفل المادة رقم ٨٠ من الدستور التونسى لرئيس الجمهورية «فى حال الخطر الداهم، الذى يهدد كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، ويتعذر معه السير العادى لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التى تحتمها الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس ومجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير فى بيان إلى الشعب.

لا توجد محكمة دستورية حتى يتم إعلام رئيسها. وبالصوت والصورة، أقرّ الغنوشى، رئيس مجلس النواب، على شاشة «الجزيرة» القطرية، بأن الرئيس استشاره، قبل أن يكذب ويزعم، فى بيان، عدم حدوث ذلك. والأهم، هو أن الشعب، الذى هو مصدر السلطات، خرج للاحتفال فى الشوارع بقرارات رئيسه، التى ترجمت هتافاته ومطالبه. لكن كعادة الإخوان، وصفت «حركة النهضة» هذا الشعب بـ«العصابات الإجرامية»، ودعت أتباعها لمواجهته. وما قد يقلق هو أن ميليشياتهم، غربى ليبيا، استجابت لتلك الدعوة، وتم رصد تحركها تجاه الحدود التونسية!.

نص المادة ٨٠ المرتبك، كغالبية مواد دستور ٢٠١٤، أتاح للإخوان وتابعيهم أن يشككوا فى دستورية القرارات. ونرى أن الخطأ الوحيد، الذى وقع فيه الرئيس التونسى، والذى نتمنى أن يتداركه، هو عدم تعطيله ذلك الدستور، الذى أثبت الواقع، وعشرات الوقائع، عدم قدرته على ضبط العلاقة بين مؤسسات الدولة، ما أدى إلى تداخل وظائفها وتصادم صلاحياتها. والإشارة هنا مهمة إلى أن تعديل الدستور كان مطروحًا بقوة فى عهد الرئيس السابق، الباجى قايد السبس. كما أكد قيس سعيد، خلال حملته الانتخابية، عدم رضاه عنه وعن نظام الحكم وتوزيع السلطات فيه. 

نظام الحكم، فى تونس، وفق ذلك الدستور، جمهورى برلمانى هجين، تتوزع فيه الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة. وأواخر يناير الماضى، انتقد سعيد هذه الصيغة، وأكد أنه حان الوقت لمراجعة الدستور والانتقال إلى الجمهورية الثانية، التى يستجيب فيها التنظيم الإدارى والسياسى لمطالب التونسيين. ومع تفاقم الخلاف بين رأسى السلطة التنفيذية، فى يناير الماضى، بسبب اعتراض الرئيس على التعديل الوزارى، الذى أجراه رئيس الحكومة وأقره البرلمان، قال الغنوشى، فى حوار مع عدد من أنصاره، إن «تونس تعيش صعوبة المزج بين النظام الرئاسى والبرلمانى.. والدرس الذى ستصل إليه هو الذهاب إلى نظام برلمانى بالكامل».

هكذا، انتهى الغنوشى إلى النتيجة نفسها: ضرورة تعديل الدستور، وإن كان الهدف الذى أراد الوصول إليه مختلفًا. ومن المفارقات، أنه قال وقتها، وقتها فقط، إن تعطيل انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية فتح الباب أمام «تأويل الدستور»، مع أن حركته، «حركة النهضة»، هى التى أفشلت عشرات المحاولات لانتخاب أعضاء تلك المحكمة، وحين عجزت عن فرض أعضاء تابعين لها، اقترحت خفض نسبة موافقة البرلمان إلى النصف بدلًا من الثلثين، التى اشترطها الدستور، حتى لا يكون الاختيار راجعًا للانتماء الحزبى أو الانحياز السياسى.

بإرادتهم الحرة، انتخب التونسيون رئيسهم، وبمظاهرات حاشدة ومتكررة، طالبوه بقيادة معركة استرداد دولتهم، رافعين شعار «نحن نصدق قيس سعيد»، مع شعارات أخرى تهاجم «حركة النهضة» الإخوانية وزعيمها، ورئيس الحكومة التابعة لها، وهى الشعارات، التى تكررت، أمس الأول الأحد، متبوعة بشعار «لا خوف لا رعب.. السلطة بيد الشعب»، الذى ترجمه الجيش التونسى بإعلانه حالة الاستنفار، لحماية مؤسسات الدولة من أى أعمال عنف أو شغب.