رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجاعة وعنف.. خريطة المواجهات الدامية بين قوات أبى أحمد وجبهة تحرير تيجراى

مجاعة وعنف
مجاعة وعنف

لا تزال الحرب الدائرة بين القوات الحكومية الإثيوبية، بقيادة رئيس الوزراء أبى أحمد، وجبهة تحرير تيجراى تحصد مزيدًا من الأرواح، وتتسبب فى وضع الآلاف من أبناء الإقليم الشمالى فى خطر المجاعة، وتهدد مستقبل البلد الأكبر فى منطقة القرن الإفريقى، وسط محاولات حكومية لفرض التعتيم الإعلامى التى تزيد المشهد غموضًا وضبابية.

ومع توسع الصراع خارج حدود إقليم تيجراى، بعد ٨ أشهر من الصراع، وامتداد العمليات العسكرية على مدار الأسبوع الماضى إلى الأقاليم المجاورة، وعلى رأسها إقليم عفر، مع إجبار أكثر من ٥٤ ألف شخص على ترك منازلهم، ازدادت المخاوف من تحوّل الأمر إلى حرب أهلية واسعة وأزمة إقليمية تؤثر على عدد من الدول المجاورة، ما يثير التساؤل حول حقيقة ما يحدث فى هذه الحرب، وتفاصيل الصراع الذى يمكن أن يعيد تشكيل خريطة إثيوبيا والقرن الإفريقى كله خلال السنوات المقبلة.

 

المعارضة تمدد المواجهة مع الجيش والميليشيات إلى إقليم عفر الاستراتيجى 

بعد ٨ أشهر من القتال المتواصل بين الجيش الإثيوبى وقوات جبهة تحرير شعب تيجراى، وسّعت الجبهة نطاق المواجهة العسكرية مع الجيش النظامى والميليشيات المحلية الموالية له، بعدما فتحت جبهة حرب جديدة فى ولاية عفر المجاورة.

وحسب «وكالة الأنباء الفرنسية»، فقد سيطر مقاتلو تيجراى، خلال الأسبوع الماضى، على ثلاث مقاطعات فى منطقة عفر الإثيوبية المجاورة، وذلك وفقًا لتصريحات أحمد كولويتا، المتحدث الإقليمى باسم إقليم عفر.

وتسبب الصراع فى مقتل ما لا يقل عن ٢٠ مدنيًا ونزوح ٥٤ ألف شخص فى عفر، مع إعلان المنظمات الإنسانية فى الإقليم عن الحاجة الماسة للغذاء والماء والمأوى.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن محمد حسين، وهو مسئول فى الوكالة الوطنية الإثيوبية للاستجابة للكوارث، ومقرها فى عفر، قوله إن القتال العنيف ما زال مستمرًا، وأثر فى قرابة ٧٠ ألف شخص بشكل مباشر.

فيما قال دبرصيون جبر ميكائيل، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، لوكالة «رويترز»، إن قوات تيجراى موجودة فى عفر، وتعتزم استهداف قوات من إقليم أمهرة المجاور تقاتل لصالح الحكومة.

كما كتب المتحدث باسم الجبهة على موقع «تويتر» أن مقاتلى تيجراى ليسوا فى حالة حرب مع شعب عفر، ولكن مع قادة إثيوبيا، فى إشارة إلى أهمية إقليم عفر الاستراتيجية، إذ يمر عبره الطريق الرئيسى وخط السكك الحديدية اللذان يربطان العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بميناء جيبوتى البحرى.

وحسب نشطاء، فإن النزاع الدموى شهد استخدام قوات أبى أحمد أسلحة كيماوية محرمة دوليًا أثناء قصف إقليم تيجراى بالطائرات الحربية، مع تجريد مواطنى الإقليم من ممتلكاتهم، وتهجير بعضهم من إثيوبيا إلى السودان، مع منح منازلهم وممتلكاتهم لموالين للحكومة.

وحسب تقارير دولية، فإن أبى أحمد استخدم الاغتصاب كسلاح فى المناطق النائية من قِبل جنود الجيش الإثيوبى، كما أكدت مسئولة كبيرة فى الأمم المتحدة مجلس الأمن أن أكثر من ٥٠٠ امرأة إثيوبية أبلغن رسميًا عن تعرضهن للعنف الجنسى فى تيجراى، مشيرة إلى أن العدد الفعلى للضحايا من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير، فى ظل ظهور حالات جديدة كل يوم.

من جهته، حذر الاتحاد الأوروبى من أن الصراع المسلح، الذى شنه رئيس الوزراء الإثيوبى ضد إقليم تيجراى، والانتهاكات التى ارتكبتها حكومته الفيدرالية، قد ترقى إلى مستوى «جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية» وتتسبب فى حدوث مجاعة كبيرة.

وقال جانيز ليناريتش، المفوض الأوروبى لإدارة الأزمات، إن ما يحدث فى تيجراى «ليس وقفًا لإطلاق النار، إنه حصار»، فى إشارة إلى ما أعلنه أبى أحمد عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، عقب نجاح جبهة تحرير تيجراى فى استعادة السيطرة على العاصمة الإقليمية ميكيلى. 

وأكد المفوض الأوروبى أن أبى أحمد «استخدم التجويع كسلاح فى الحرب»، مضيفًا أن «المجاعة أصبحت الآن حقيقة واقعة فى تيجراى، فهناك ما يقدر بنحو ٩٠٠ ألف شخص يعانون الجوع، ومليون شخص آخر على بُعد خطوة واحدة منها». وأشار إلى أن «الفظائع» التى ارتكبتها القوات الحكومية الإثيوبية فى صراعها الدامى مع «جبهة تحرير تيجراى»، وتشمل الاغتصاب المنهجى والقتل خارج نطاق القانون، تم توثيقها أيضًا، لافتًا إلى أنها يمكن أن ترقى إلى «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

وأعرب عن قلقه الشديد تجاه الوضع فى الإقليم المحاصر، فضلًا عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليونى شخص ودفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة.

«شعب جامبيلا» ينضم للصراع ضد الحكومة المركزية

لم تقتصر الحرب الدائرة فى إثيوبيا على إقليمى تيجراى وعفر، أو تكتف بانخراط ميليشيات الأمهرة لدعم أديس أبابا، ففى الساعات القليلة الماضية تم الإعلان عن ظهور حركة جديدة تعارض الحكومة الإثيوبية المركزية فى إقليم جامبيلا، أحد الأقاليم الإثيوبية التسعة، ويقع على حدود إثيوبيا مع جنوب السودان، ما يزيد من قتامة المشهد، ويعقد الصراع أكثر فأكثر.

وقالت الحركة الجديدة، التى أطلقت على نفسها اسم «جبهة تحرير جامبيلا»، فى بيان تم تداوله على نطاق واسع على صفحات التواصل الاجتماعى من قِبل نشطاء إثيوبيين: «نحن هنا لنعلن التمرد ضد الحكومة، التى يقودها حزب الازدهار الإثيوبى، كما ندرك جميعًا أن هناك خيارين فقط عندما يتعلق الأمر بالنضال السياسى، إما من خلال الوسائل السلمية أو عن طريق الكفاح المسلح، وبعد استنفاد الوسائل فى النضال السلمى، لم يتبق لنا خيار سوى اتخاذ الخيار الثانى».

وأضافت الجبهة الجديدة فى بيانها: «أثبتت الانتخابات العامة السادسة فى البلاد بما لا يدع مجالًا للشك وَهْم أبى أحمد بالشفافية، وقد بادرنا بالمشاركة فى الطيف السياسى للمناطق نتيجة الوعود التى قطعها النظام الحالى بإجراء انتخابات نزيهة وحرة ونزيهة، وجاءت الانتخابات كما كان متوقعًا، وشابت المخالفات والممارسات السيئة منذ البداية».

وتابعت: «نحن فى المرتبة الأخيرة من حيث التنمية، والأولى فى الفساد فى البلاد، مع انعدام الأمن فى كل المناطق، والحزب الحاكم يبدو غافلًا ومنفصلًا عن الواقع، وبدلًا من تأمين المنطقة من التهديدات، والهجمات المستمرة على طول الحدود، لجأت القيادة الإقليمية لإرضاء أسيادهم فى الحكومة المركزية من خلال إرسال قوات خاصة غير مجهزة للمناطق لمحاربة إخواننا وأخواتنا فى إقليم تيجراى». 

واختتمت البيان قائلة: «نناشدكم، أيها الناس فى جامبيلا، التضامن معنا فى النضال من أجل حقوقنا وحريتنا. لقد حان الوقت لإحداث تغيير حقيقى من شأنه أن يؤدى إلى الديمقراطية الحقيقية والتنمية التى يتوق إليها شعب جامبيلا».

ويأتى هذا التطور بعدما دخل الصراع منذ يونيو الماضى فى مرحلة خطرة، إثر إعلان الحكومة الإثيوبية عن وقف إطلاق النار فى إقليم تيجراى من جانب واحد، وذلك فى أعقاب الهزيمة المدوية التى ألمت بالجيش الحكومى، بعدما استطاعت جبهة تحرير شعب تيجراى استعادة العاصمة الإقليمية «ميكيلى»، واحتجاز أكثر من ٧ آلاف جندى إثيوبى، ومطاردة قوات الحكومة المركزية خارج الإقليم.

وبعد الانتصار الذى حققته قوات تيجراى فى ذلك الوقت ضجت شوارع العاصمة الإقليمية بالفرحة العارمة، وخرج المواطنون إلى شوارعها للاحتفال بالنصر الذى حققوه بعد ثمانية أشهر من القتال والمعارك الدامية، فيما أكدت الجبهة أنها مستمرة فى المعارك لحين تحرر كامل الإقليم من القوات الإثيوبية والميليشيات المعاونة، بعدما تعرض له الإقليم من دمار ومجاعة هائلة أكدتها التقارير الدولية.

وعلى مدار أشهر الحرب، أكدت تقارير أممية ارتكاب قوات أبى أحمد العديد من الانتهاكات الحقوقية والمجازر الدموية ضد المدنيين فى تيجراى، ما جعل أنظار العالم كله تتجه نحو هذه المأساة، وحسب الأمم المتحدة، فقد أدت الحرب إلى معاناة ٤ ملايين شخص من الجوع الشديد، منهم نحو ٣٥٠ ألفًا يعيشون ظروف المجاعة.

كما أفادت المنظمة الدولية بأن نحو ٥.٥ مليون شخص، أى ما يقرب من ٦١٪ من سكان الإقليم يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائى، فيما يعانى ٣.١ مليون من أزمة غذاء حادة، بينما يحتاج ٢.١ مليون شخص إلى إغاثة إنسانية عاجلة وطارئة.