رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إثيوبيا العام القادم!

يقول المثل العامى «لو صبر القاتل على المقتول ما كانش قتله»، ونحن والحمد لله لا قاتل لدينا ولا مقتول منذ قضينا على الإرهاب وأحكمنا وثاقه، لكن المثل يستخدم للدلالة على عدم صواب تعجل النتائج، ونفاد الصبر دون الإحاطة بكل المعلومات أو بأى معلومة من المعلومات تقريبًا.. المثل ينطبق حرفيًا على ذلك القلق الذى أبداه البعض بخصوص مسألة السد الإثيوبى.. وهو قلق بعضه «مشروع»، وبعضه «مصنوع»، وبعضه الثالث «مدفوع».. وقد بالغ البعض فى المبالغة نفسها، فبعضهم يقف على كورنيش النيل ليلتقط صورة للنهر ثم يعلق قائلًا: «هل نراك مرة أخرى»؟ وكأنّ النيل سيتركنا ويهاجر.. وبعضهم يستيقظ من نومه فيجد أنه لم يفعل شيئًا يُذكر منذ سنوات، فيسارع إلى تليفونه ليكتب تغريدة من نوع «الحرب الحرب.. وإلا فلا»، ليجاوبه زميل آخر بتغريدة أخرى من عينة: «إذا لم نضرب السد اليوم فى حدود السابعة مساء اليوم فكل شىء سيضيع»!!! بينما تنطلق لجان الإخوان بتعليق لزج، تلطعه تحت كل بوست يناقش أى موضوع، يقول فيه عضو اللجنة: «هنعطش»!!! وكما ترون جميعًا فإن كل هذه التعليقات هى نوع من أنواع «الهرى» الفاخر الذى تحدث عنه الرئيس السيسى فى استاد القاهرة، حين كانت موجة «الهرى» قد وصلت ذروتها.. الغريب أنه خلال ٢٤ ساعة كانت الأوضاع على الأرض تتغير بصورة جذرية وعكسية عن تلك الصورة التى رسمتها تغريدات «الهرى».. الإخوانى والحنجورى واللامنتمى أيضًا.. فقد فشلت إثيوبيا فى الملء الثانى للسد، ولم تنجح فى تعليته للمستوى المطلوب، وبالتالى لم تحتجز سوى ثمانية مليارات متر مكعب فقط من المياه، وهى نسبة لا تؤثر على حصة مصر لا من قريب ولا من بعيد.. وتأجل الموضوع كله إلى شهر يوليو من العام المقبل، حين تسقط الأمطار من جديد على إثيوبيا.. هذا التأجيل قد يكون لسبب قدرى وهذا وارد، وقد يكون بفعل فاعل وهذا وارد، وقد تكون إثيوبيا تعمدت عدم إتمام الملء خوفًا من مصر، وتعللت بأسباب أخرى وهذا وارد.. ولكن الأكيد أن ما قاله الرئيس السيسى تحقق حرفيًا، ولا أظن أن لهذا سببًا سوى لكونه فى الأساس رجل معلومات وإدارة أزمات، وأن هذا جزء من صميم عمله كرئيس مخابرات سابق.. ولم يكن هذا كل شىء، إذ سرعان ما اشتعلت الصراعات العرقية داخل إثيوبيا، بين قومية «تيجراى»، وبين قوات أبى أحمد، ذى الأصل الأمهرى.. وحققت قوات تيجراى نجاحات كبيرة على الأرض، وأوشكت على السيطرة على مدينة عفر، وقطع خطوط الاتصال بين إثيوبيا وجيبوتى، المنفذ الوحيد لإثيوبيا على البحر، وسرعان ما دخلت قومية الأورومو على الخط، وأدلت بدلوها فى الصراع، وانكشف ارتكاب قوات أبى أحمد جرائم حرب، وانتهاكات لحقوق الإنسان واستخدام أطفال صغار كوقود لحربه ضد تيجراى.. وقد تكون هذه الصراعات قديمة ولكنها تجددت، ولا أحد يعرف سبب تجددها، ولا أحد يعرف لماذا حقق تيجراى هذه الانتصارات السريعة؟ ولا إلى أين سيمضى بهم قطار الصراع؟ ومن يساعدهم؟ لكن الأكيد أن كل طلقة فى هذه الحرب تصيب شرعية أبى أحمد الذى قدم نفسه للعالم على أنه رجل السلام فى إثيوبيا، وفاز بناءً على ذلك بجائزة نوبل للسلام.. فإذا بالأيام تثبت أنه رجل الحرب والفرقة، والصراعات العرقية، وأنه سبب التوتر الداخلى فى إثيوبيا، وسبب فى التوتر الإقليمى فى القرن الإفريقى والشرق الأوسط كله، وبالتالى فقد لا تسفر الحرب العرقية عن انفصال الفيدرالية الإثيوبية، لكنها قد تؤدى بكل تأكيد إلى رحيل أبى أحمد غير مأسوف عليه، أو إلى تدخل دولى يطفئ نيران النزاع فى إثيوبيا.. ومن المصادفات العجيبة أن كل هذا قد حدث صباح الليلة التى طمأن فيها الرئيس المصريين، وأعلن لهم فيها عن إجازة مدفوعة يحتفلون فيها بعيد الأضحى الكريم، بينما كان هو مشغولًا بممارسة الرياضة الصباحية، والحديث مع أفراد من المصريين وتبادل الضحكات معهم.. وتفقد مشروعات تعمير الإسكندرية والساحل الشمالى الغربى.. والسؤال الآن: إذا كان كل هذا قد حدث على أرض إثيوبيا بعد أسبوع واحد.. فكيف سيكون الحال بعد عام؟.. وإذا كان كل هذا قد حدث والمصريون فى إجازة.. فماذا سيحدث لو أعلنوا النفير العام وارتدوا ملابس الحرب؟؟ هذا إذا تبقى شىء يمكن إعلان الحرب عليه من الأساس.. أبى أحمد.. طير إنت.