رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن الرق والتوبة

في هذه الأيام المباركة أطل علينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أحد المعنيين بتحقيق الشهرة والكسب السريع من خلال فيديوهين، أحسد صانعهما على جرأته في طرحه الفيديو الأول وحديثه فيه عن الرق، إذ قال نصًا إن «الرق ليس جريمة»، ويمكن بالطبع الرجوع للفيديو الذي يقول فيه ذلك بالصوت والصورة، ضاربًا بذلك عرض جميع الحوائط الخاصة بحقوق الإنسان في المطلق، ليس فقط في مصر بل في العالم كله، ومن ثم خرق كافة المعاهدات والمواثيق الدولية التي سنت وشرعت القوانين الخاصة بإلغاء الرق وتجريم العبودية والاتجار بالبشر والرقيق الأبيض.

ولو كان «إبراهام لينكولن» على قيد الحياة لقام بمقاضاة صاحب الفيديو، بل ولو كنا في عهد نبي الإسلام للقنه درسًا في تحرير الرقاب وذكره بقول الله تعالى «تحرير رقبة» و«فك رقبة»، وأن ذلك فضل عظيم ومكرمة دعا إليها الله، عز وجل، ورسوله الذي لم يفرق أو يميز بين أبيض أو أسود ولا عربي أو أعجمي إلا بمعيار ومقياس أوحد وهو التقوى.

ما نطق به صانع الفيديو يعد جريمة بكل المقاييس ووفقاً لكل القوانين والشرائع الوضعية والسماوية، ولِمَ لا؟ وهو يهاجم ويهجو ويسب ويقذف العلمانية والعلمانيين في فيديو لاحق (يمكن الرجوع إليه والاطلاع عليه صوتًا وصورة)، فالعلمانية هي إعمال وسيادة القانون ونظريةٌ في المعرفة لا علاقة لها بالسياسة أو الدين من قريب أو بعيد، نظرية معرفية تدعو لقياس ما هو نسبي بما هو نسبي وما هو مطلق بما هو مطلق، لذلك يغضب المديوكر صانع تلك الفيديوهات ويحارب نظرية «العلمانية» بما أوتي من مقدرة وتضليل وافتئات وكل ما استطاع لذلك سبيلا، فالعلمانية تعني فناءه هو ومن على شاكلته وبالتالي ستتسبب العلمانية حتمًا في قطع عيشه وتوقف تربحه من قوت دافعي الضرائب ليتبقى له «التريند» والتربح من خلال عدد المشاهدات، ليسعد بنجومية زائفة في الافتراض تمنحه شهرة وأموالاً يكسبها بغير جهد كبير، ويتلقى أيضًا وفي المقابل هجاء مضادا من رواد مواقع التواصل في العوالم الافتراضية بعد أن صار خارج جميع معادلات الواقع ولا وجود له على المنابر بعد منعه من الخطابة وإحالته لعمل إداري كباحث ثانٍ في وزارة الأوقاف منذ أغسطس ٢٠٢٠ ولمدة عام، على أن يتم النظر في بقائه في هذا العمل الإداري بصفة نهائية.

ومن لديه فراغ قاتل يدفعه ذلك دومًا لارتداء رداء القاضي أو الجلاد فيصبح الخصم والحكم، وأحيانًا يتجمل برداء الفضيلة والمثالية أيضًا بالتدليس والافتئات فيحكم على هؤلاء ويسب أولئك، وللعلمانيين دومًا نصيب الأسد من هجائه، فبسببهم سيخسر حتمًا ما تبقى له من قوت، فالعلمانية لن تسمح له ولأمثاله بالتربح باسم الدين أو الإله.

العلمانية ستطبق عليه القانون وتمنعه من الترويج لتجارة الرقيق والاتجار في البشر والرقيق الأبيض، ولن تسمح له بالتنمر والسب أو القذف لفئة من المواطنين لديهم نظرية معرفية تطالب بالفصل بين ما هو نسبي وما هو مطلق، لهذا يتكئ من يطل علينا بين الحين والآخر بالصوت والصورة ليروج لجرائم ويتنمر على البعض بتوبة ممثلة تعاني من اضطرابات نفسية واجتماعية تزوجت من صديق له يعاني من ذات الاضطرابات، وتكون تصريحات الممثلة التائبة وزوجها المنتج السينمائي- الذي يتربح وتتربح زوجته من الفن، ثم يتبرآن منه ويتوبان عنه ولا يتوبان ولن يتوبا أو يتخليا عن الأموال التي جنياها منه- ذريعة لهجاء العلمانية وتشويهها وخلط الحابل بالنابل وتشتيت ذهن المتلقي وجره لكراهية النظرية المعرفية والخوف منها وإلصاق نوع من الكراهية والفزع والرعب المجاني غير المبرر من تلك النظرية، ونعتها بما ليس فيها لنبذها وتجنبها وكأنها الطاعون أو كأنها مس شيطاني أو رجس من أعمال الشياطين.

حيل لن يسلاها الفيديوهاتي المتربح، وإن سئمناها، ولكنها حيل باتت مفضوحة ولن تنطلي مهما تمادى صاحبها في الباطل وألبسه ثوب الحق، فالعلمانية آتية وفقاً للسيرورة التاريخية وسنن التطور، وعجلة الزمن لن تعود للوراء، فالعلمانية من شعاراتها شعار يقول «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا».