رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد بحر بورسعيد.. خبراء يحذرون من مخاطر التسرب النفطى فى المياه

جهود إنقاذ شواطئ
جهود إنقاذ شواطئ بورسعيد من البقع الزيتية

فجأة وأثناء السباحة يتغلغل السواد إلى البحر فيلتصق بأجسام عشرات المصيفين مضفيًا على الجميع لونا أسود قاتما يثير الرعب في نفوس الجميع ويشعرهم وكأنهم قد وقعوا في بركة من الزيت المحروق بدلًا من البحر الساحر الذين أملوا المتعة به، هذا ما حدث منذ عدة أيام في بورسعيد أثناء سباحة المصيفين ببحرها، وصرحت مصادر مسئولة بالمحافظة بأن هذا السواد نتج عن بقع زيتية ناتجة عن مخلفات بعض السفن بالمجرى الملاحي لقناة السويس.

ومع ذلك أصر بعض المصيفين على الاستمتاع بمصيفهم واستمرار الكثير منهم في السباحة رغم تلطخ أجسادهم بالسواد على الرغم من خطورة ذلك عليهم وإدراكهم أن ذلك الأمر ليس بالهين على صحتهم، إلا أنه وعلى الجانب الآخر لم يستطع آخرون احتمال سواد المياه فخرجوا للشاطئ واستسلموا جالسين مكتفين بالمشاهدة.

في "الدستور" نفتح ملف البقع الزيتية في البحار لنرصد أضرارها على كل من الإنسان والكائنات الحية الأخرى والبيئة بشكل عام، تلك البقع التي لم تكن المرة الأولى لها في الظهور حيث إنها تنتشر بين الحين والآخر مهددة الموانئ المصرية بل والدولية كذلك، بالإضافة إلى الجهود المبذولة للقضاء عليها وقوانين معاقبة المتسبب بها.

فحسب الدكتور محمد عثمان الباحث الكيميائي، فإن زيت النفط يحتوي على العديد من المواد العضوية الكثير منها يعتبر ساماً للكائنات الحية، ومن أخطر تلك المركبات هو مركب البنزوبيرين وهو مركب يعد من الهيدروكربونات المسببة للسرطان، ويؤدي إلى موت الكائنات الحية المائية، وتتصاعد الكثير من الأبخرة من بقع الزيت، كما تقوم التيارات الهوائية بدفع هذه الأبخرة بعيداً من الموضع الذي تلوث بالنفط إلى الأماكن السكنية على الشواطئ والمناطق الساحلية بواسطة الهواء الذي أصبح مشبعاً بها.

كذلك أوضح أنه نظراً لأن كثافة النفط أقل من كثافة الماء فهو يطفو على سطحه مكوناً طبقة رقيقة عازلة بين الماء والهواء الجوي، وهذه الطبقة تنتشر فوق مساحة كبيرة من سطح الماء حيث إن اللتر الواحد من النفط المتسرب في البحر يغطي بانتشاره مساحة تزيد عن 4000 متر مربع من المياه السطحية، وبذلك تمنع هذه الطبقة التبادل الغازي بين الهواء والماء فتمنع كذلك ذوبان الأكسجين في مياه البحر مما يؤثر على التوازن الغازي.

بالإضافة إلى ذلك أكد عثمان أنه قد تتسبب عمليات التنظيف الطبيعية في امتزاج النفط الخام المتسرب بماء البحر متحولاً إلى مستحلب يشبه الشكولاتة يحتوي نسبة ماء 10% فيصبح الماء أكثر لزوجة والتلوث يكون هنا أربعة أضعاف من حجم النفط الخام، كما قد تعمل بقعة الزيت كمذيب وتستخلص الكثير من المواد الكيماوية الأخرى المنتشرة في مياه البحر مثل المبيدات الحشرية- المنظفات الصناعية، مما يؤدي إلى زيادة نسبة التلوث في منطقة وجود البقعة.

وتابع الخبير البيئي أن الرياح وحركة الأمواج تعمل على زيادة التلوث برفع أجزاء من بقعة الزيت نحو الشاطئ مما يؤدي إلى تلوث الرمال وتحويلها إلى منطقة عديمة النفع، وكذلك المناطق المجاورة لها، كما أضاف أن بقع الزيت كذلك تؤثر على الشعب المرجانية حيث تتسبب في نفوق المرجان وبالتالي فقدان الشعب ولا تتجدد غالبية الكائنات الحية في نظامها الإيكولوجي.

وحسب الخبير البيئي أيضًا فتؤثر البقع الزيتية على الأسماك التي يتغذى عليها الإنسان وتجعلها غير صالحة وسامة مصيبة الإنسان بكوارث مرضية، فعلى سبيل المثال وجد في عينة من الأسماك تم صيدها في خليج جاكرتا في إندونيسيا أن نسبة الرصاص فيها تزيد بمقدار 44% عن الحد المسموح به وأن الزئبق يزيد بنسبة 38% كما ورد في تقرير منظمة الصحة الدولية، وهو ما يمثل خطرًا كبير على صحة الإنسان.

وأشار كذلك إلى أنه قد يصحب تلوث المياه بزيت النفط نوع آخر من التلوث يشبه التلوث الكيميائي، موضحًا أنه بعد انتشار طبقة الزيت، وبمرور الزمن تستطيع أشعة الشمس اختراقها فيتمكن أكسجين الهواء من الانتشار خلالها وبهذا التأثير يحدث تفاعل كيميائي ضوئي يشترك فيه كل من أشعة الشمس وأكسجين الهواء كما يشجعه بعض الفلزات الثقيلة الموجودة في المكونات الناتجة عن اختلاط الزيت بالماء، وينتج عن هذا التفاعل مواد سامة تؤدي إلى حدوث زيادة الضرر بالبيئة البحرية، كما تكون سبباً في قتل الأسماك وغيرها من الكائنات الحية.

وختم الخبير البيئي بتوضيح أثر البقع الزيتية على الطيور، ذاكرًا أنه من الوارد أن يتغلغل النفط داخل ريش الطيور ويفكك تركيبة الريشة ذاتها، ويحد من قدرتها العازلة، مما يجعل الطيور ضعيفة لتقلبات درجة الحرارة ويقلل قدرتها على العوم في المياه، كما أنه يضعف قدرتها على الطيران، مما يجعل من الصعب أو المستحيل أن تبحث عن الطعام أو أن تهرب من مفترسيها، مشيرًا إلى أنه عندما تحاول الطيور تنظيف ريشها بمنقارها فهنا يدخل النفط إلى جسمها مما يسبب تلفاً في كليتها، وتعطيل وظيفة الكبد وتهيج الجهاز الهضمي بالإضافة إلى تسببه في عدم قدرتها على جمع العلف وبالتالي ينتج عنه جفاف الجسم واختلالها الأيضي وتغير توازنها الهرموني، وبالتالي فمعظم هذه الطيور المتعرضة لبقع الزيت تلك تموت إذا لم يتدخل البشر لإنقاذها.

ما هو تسريب النفط؟

عرف الدكتور أيمن إبراهيم، خبير بيئي، في تصريحه لـ"الدستور"، التسرب النفطي على أنه عملية إطلاق الإنسان السوائل الهيدروكربونية البترولية في البيئة، ويمثل شكلا من أشكال التلوث.

وأشار إلى أن تسريب النفط من أكثر الحوادث البيئية الكارثية، والتي تؤدي لتدمير أنظمة بيئية كاملة وتلحق باقتصاد الدول المالكة للنفط المتسرب أو التي يحدث ضمن مياها الإقليمية خسائر فادحة ليس بسبب ثمن النفط المتسرب فقط بل بسبب موت كثير من الكائنات البحرية والطيور والثدييات التي تعيش في هذه البيئات.

كما أوضح أنه قد تحتاج الدولة إلى عدة سنوات في بعض الحوادث الكبيرة للتسريب النفطي حتى تستطيع تخليص المياه مما يعلوها من بقع نفطية، وغالبا ما يتطلب إزالة هذه البقع تكاتف جهود عدد من الدول والهيئات الدولية، كما يمكن للتسرب أن يكون من ناقلات للنفط أو من الحقول البحرية والشاطئية أو من خزانات الموانئ، كما يمكن أن يكون نتج عن جنوح ناقلات النفط أو انقلابها نتيجة أخطاء ملاحية أو ظروف جوية أو خلل في التعامل مع حمولة الناقلة مما يؤدي لاشتعال النيران فيها أو انفجارها، وكذلك قد يكون نتيجة أخطاء فنية في تشغيل الآبار ناتجة عن سوء الإدارة أو قلة الخبرة أو عدم توفر الإمكانات اللازمة للصيانة أو التجديد.

بالإضافة إلى ذلك أيضًا ذكر الخبير البيئي أنه من الممكن أن تتسبب أعمال التهريب كذلك في تلك البقع، حيث تنتهي بسكب كميات كبيرة من النفط في مياه البحار والمحيطات، وكذلك بعض عمليات تكرير البترول أو صناعات البتروكيماويات، حيث تقوم بعض المنشآت النفطية بسكب نفاياتها السائلة في المياه دون رقيب أو حسيب في بعض الدول النامية.

تسريب النفط في القانون

وقد نص القانون رقم"61" لسنة 4002م فى المادة رقم "3" منه على أنه يحظر على أي شخص أو سفينة أو طائرة أو جهاز نقل زيت تصريف مادة ملوثة في المنطقة الخالية من التلوث، ويعد كل تصريف يتم في أي يوم من أيام استمرار التصريف المحظور مخالفة منفصلة.

ويقصد بالزيت، حسب ذات القانون، هو جميع أشكال النفط الخام وأي نوع من أنواع الهيدروكربونات السائلة وكافة أنواع النفط الخام والبترول وزيوت التشحيم وزيت الوقود والزيوت المكررة وزيت الأفران والقار وغيرها من المواد المستخرجة من النفط أو نفاياته.

حوادث سابقة

جدير بالذكر أنه كانت آخر حوادث تسرب بقع زيتية من مخلفات السفن إلى البحار في مصر ما تعرضت له شواطئ محافظة الغردقة، حيث شهدت تلوثًا بالبقع الزيتية بشمال المحافظة، وقامت وزارة البيئة بعدة جهود حتى تم الانتهاء من إزالة التلوث بشكل نهائي وعودة الشواطئ لطبيعتها ونقل المخلفات البترولية التي تم شفطها وإزالتها إلى المدفن البيئي الآمن.

وعند الحديث عن تسرب النفط فيجب أن نذكر أكبر حادثة للتسرب النفطي في البحر، وهي التي وقعت في النصف الثاني من يناير عام 1991 عندما قام الجيش العراقي بعد الاحتلال العراقي للكويت بسكب النفط الكويتي في مياه الخليج العربي بمعدل يومي يقدر بـ6000 برميل، مما شكل بقعة نفطية غطت معظم سواحل الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين، وغيرها من الدول العربية.

الجدير بالذكر، أنه قد أعلنت محافظة بورسعيد أنه بدأ التعامل مع بقعة الزيت التي ظهرت على شاطئ البحر في المنطقة المحصورة بين مجمع المطاعم والمركب العائم على امتداد ١٠٠٠ متر، بالاشتراك والتنسيق بين المحافظة ووزارة البيئة والقوات المسلحة ووزارة الصحة وهيئة قناة السويس، لإزالة آثار البقعة ومحو آثار التلوث على الشاطئ في المنطقة المذكورة.