رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة متأنية فى أرقام معرض الكتاب

 

 

انتهت منذ نحو أسبوع فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ٥٢، ومن المفيد- فيما أرى- أن نقدم الآن قراءة متأنية فى بعض الأرقام الرسمية المرتبطة بهذا الحدث الثقافى الأبرز، فى سبيل تقييمه بصورة موضوعية. فعلى الرغم من كون هذه الدورة استثنائية بكل المقاييس، طبقًا لما فرضته جائحة كورونا من اشتراطات صحية ومحاذير وقائية، فإن مصر قد نجحت فى تنظيم زيارة نحو مليون وسبعمائة ألف زائر خلال أيام المعرض التى لم تتجاوز الأسبوعين.

وعلى الرغم من قرار سابق للإدارة المصرية بنقل الفعاليات من أرض المعارض بمدينة نصر، إلى مقرها الجديد بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات بالتجمع الخامس، والذى دعا البعض إلى التخوف من تراجع الإقبال على هذا الحدث السنوى- فإن المصريين لم يفوتوا الفرصة، وأقبلوا على الزيارة بكثافة معقولة، وسط إجراءات حجز إلكترونية مسبقة لتذاكر الدخول، ورغم المحاذير الوقائية التى دفعت أعدادًا كبيرة إلى التخوف من أن تتسبب زيادة الحضور فى انتشار الإصابة بفيروس كورونا، فإن رغبة المواطنين- خاصةً الشباب منهم- فى زيارة المعرض قد دفعت عشرات الآلاف إلى التردد على المعرض دون خوف من الفيروس، لكن مع الحذر. 

لقد كان قرار إقامة المعرض فى ظروف كهذه قرارًا حكيمًا فى حد ذاته. ففى هذا القرار رسائل متعددة، أبرزها حرص الدولة على دعم صناعة الكتاب وتشجيع دور النشر، وتخفيف الأعباء عن أهل هذه الصناعة. وفى السياق نفسه، فإن الدولة قدمت يد المساعدة للناشرين، حين قررت تخفيض قيمة الإيجارات المقررة لجميع دور النشر بنسبة ٢٠٪ بهدف دعم هذه الصناعة وتخفيف الأعباء عن أربابها.

بالفعل خسر المعرض هذا العام أعدادًا كبيرة من زواره ورواده من الدول العربية الشقيقة، الذين اعتادوا المشاركة فيه والاقتناء من أجنحته، لكن هذا الأمر وغيره من الإجراءات الاحترازية لم يمنع ١٢١٨ ناشرًا مصريًا وعربيًا وأجنبيًا من المشاركة. ورغم التسهيلات التى قدمتها أجهزة الدولة من تخفيضات لقيمة الإيجارات، أو تسهيل عمليات دخول الجمهور واستخدام طريقة الحجز إلكترونيًا، فإن مسألة ارتفاع أسعار الكتب تظل ظاهرة عالمية تؤثر بالسلب على الصناعة كلها، وتحتم على الجهات المسئولة اتخاذ مزيد من الإجراءات لتخفيض الأسعار، أو على الأقل توفير نسخ شعبية من كل المطبوعات، حتى لو كان هذا على حساب جودة الورق المستخدم. ومع ظاهرة ارتفاع أسعار الكتب أجد أن جهات كثيرة فى الدولة عليها واجب السعى لمنح كتب مخفضة لهواة القراءة من الشباب، وهذا دور أعتقد من الجدير بوزارات مثل الشباب والأوقاف وغيرهما القيام به. فلا يمكن أن أنسى جهد وزارة الأوقاف فى عهد وزيرها الراحل الأحمدى أبوالنور حين أتاح للدعاة وللجمهور العادى اقتناء كتب الفكر الدينى المعتدل بأقلام رموز الاستنارة الفكرية من القدماء والمحدثين، فأصدرت الوزارة عدة سلاسل من الكتب زهيدة السعر عظيمة القيمة. 

كما أن وزارة الشباب، علاوة على القيام بدورها فى إصدار سلاسل الكتب المخفضة، بما فى هذا من تشجيع للشباب على القراءة، فإنها يمكنها أن تمد هذا الدور لتخصص عددًا من إصداراتها لإبداعات الكتاب الشباب فى سلسلة تصدر خصيصًا للعمل الإبداعى الأول للمبتدئين. كما يمكن للوزارة أن تزود مكتبات مراكز الشباب بمزيد من أحدث الإصدارات وأقيمها، وأن تفتح باب استعارة هذه الكتب لمن يرغب من رواد المراكز، بحيث لا تبقى المكتبة كقطعة ديكور رهينة لدى موظف يخاف على عهدته من التبديد، فيغلق المكتبة بعديد الأقفال متجاهلًا أنه بهذا الفعل يغلق أبواب خير كثيرة ويفتح فى مقابلها أبوابًا عديدة للشطط أو للتطرف أو للجهل. فضلًا عما يمكن لوزارة الشباب القيام به من تنظيم مسابقات نوعية تشجيعًا للقراء من الشباب وتحفيزًا لغيرهم، سواء على صورة مسابقات فى المعلومات العامة أو تلخيص كتب معينة فى شكل أبحاث أو اختبار لمهارات الشباب على الاستيعاب الجيد للمعلومات الواردة فى كتب محددة بطلب الإجابة عن أسئلة من محتوى كتب تحددها مسبقًا. 

كما يمكن أن تسهم وسائل الإعلام فى حملة كبرى لحث المجتمع على القراءة والاطلاع سواء بتنويهات تبث بصورة دورية فى الراديو والتليفزيون أو ببرامج متخصصة، على أن يراعى فيها عنصر التشويق الذى يناسب شبابًا لم يكن متحمسًا للقراءة، ولم نعوده عليها. فالقراءة أيها السادة نعمة كبيرة لمن أقبل عليها وأحبها وجعلها عادة، ورحم الله أمير الشعراء إذ قال : «أنا من بدل بالكتب الصحابا.. لم أجد لى وافيا إلا الكتابا». فهل ننتبه لأهمية القراءة، ونشجع أبناءنا عليها قبل أن تدهسهم تماما السوشيال ميديا وتنسيهم هذه الفضيلة فتصرفهم عن قراءة تلك الكتب القيمة؟