رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يكره الإخوان ثورة 23 يوليو؟

تكلم الناس كثيرًا عن كراهية الإخوان لثورة يوليو ١٩٥٢، وتكلم الإخوان أنفسهم عن كراهيتهم لتلك الثورة وعن بغضهم الشديد لعبدالناصر، الأمر إذن لا خفاء فيه، حتى إن عمر التلمسانى مرشد الإخوان الثالث الذى كان يشار إليه بأنه أكثر الإخوان اعتدالًا كتب فى مذكراته عن عبدالناصر مصورًا إياه بأنه الشيطان الأكبر، واعتبر كل إنجازاته كوارث من أول تحديد الملكية الزراعية، لاتفاقية جلاء الإنجليز، لتأميم قناة السويس، وصولًا إلى السد العالى الذى اعتبره الإخوان جميعًا أكبر جريمة فى حق مصر. 

كان الشعور الوطنى المصرى الصادق بالنسبة لثورة يوليو وإنجازاتها يسير فى اتجاه، وشعور الإخوان المشوه يسير فى اتجاه مخالف، فما السر فى ذلك؟

سمعت من شيوخ الإخوان من الرعيل الأول أنهم كانوا وهم فى السجن يشتمون عبدالناصر فى الزنازين من خلال أناشيد يؤلفونها ويغنونها، يحرفون مثلًا أغنية أم كلثوم عن نجاة عبدالناصر من حادث المنشية التى تقول فيها «يا جمال يا مثال الوطنية.. أجمل أعيادنا المصرية بنجاتك يوم المنشية» فيجعلونها «يا جمال يا كبير الحرامية أجمل أعيادنا المصرية بهلاكك يابن اليهودية»! 

هذه ترجمة لكراهية الإخوان لعبدالناصر، والحقيقة أنه عندما قامت ثورة يوليو لم يكن الإخوان وقتها يكرهونها، ولا يكرهون رجالها، وكانوا يجاهرون بحبهم لعبدالناصر، وكانوا فى كل الأحوال حلفاء لتنظيم الضباط الأحرار، ولمجلس قيادة الثورة، بل إنهم استفادوا من الثورة جدًا فى فترتها الأولى حتى إنهم كانوا الكيان السياسى الوحيد الذى نجا من الحل، ولكنهم كانوا يظنون أنهم يستطيعون السيطرة على الضباط الأحرار، ومن ثم ركوب الثورة والسيطرة عليها من أجل أن يصلوا للحكم.

اعتبر الإخوان أن الحكم أصبح قاب قوسين أو أدنى منهم، ولكنهم وجدوا أن عبدالناصر يمثل مركز ثقل كبيرًا فى الحكم، وكان هو رقم واحد فى مجلس قيادة الثورة، ومن أجل ذلك سعوا لإحداث وقيعة بين الضباط الأحرار للتخلص من عبدالناصر، ثم التخلص من الباقين منهم تدريجيًا من أجل أن ينفردوا بالحكم، فتحالفوا سرًا مع محمد نجيب واتفقوا معه على أن يكون هو الرئيس وهم الوزراء، ولكن فجأة تبدد حلمهم وحدث عكس ما كانوا يعملون من أجله وتخلص منهم عبدالناصر، لذلك أصبحت ثورة يوليو كابوسًا بالنسبة لهم، وعبدالناصر عدوهم الأكبر.

من أجل ذلك أطلقوا أكبر شائعة عبر تاريخهم وادعوا أن عبدالناصر أكبر أعداء الإسلام، ونشروا أكاذيب بأن أمه كانت يهودية! وإذا أردنا الحقيقة فقد كان عبدالناصر مسلمًا وسطيًا وكانوا خوارج، ولم يستطع الإخوان الرد على أسئلة جوهرية بخصوص عبدالناصر وترويجهم أنه كان يعادى الإسلام، فعبدالناصر هو الذى أنشأ إذاعة القرآن الكريم، وأنشأ منظمة المؤتمر الإسلامى، وقام بتحديث الأزهر الشريف، وأنشأ مدينة البعوث الإسلامية، وأرسل علماء الأزهر إلى إفريقيا وآسيا للدعوة للإسلام، وإذا كان القرآن قد نزل فى مكة والمدينة، وقام سيدنا أبوبكر بجمعه فى مصحف واحد، فإن عبدالناصر هو الذى أمر بتسجيله كاملًا بصوت كبار القراء.

كل هذه الأشياء التى عرفتها عن عبدالناصر كانت تؤكد لى أن الرجل لم يكن ولا يمكن أن يكون قد فكر ولو لحظة فى معاداة الإسلام، بل إن واحدًا من شيوخ الإخوان الكبار قال لى إنهم كانوا يُعدون عبدالناصر قبل احتدام الخلاف بينهما وليًا من أولياء الله الصالحين! ولذلك كنت أطرد كلامهم عن عداء عبدالناصر للإسلام من أذنى ولم أجعله يستقر فى قلبى فى أى يوم من الأيام، وإن كنت أضع الموضوع فى إطاره الصحيح وقتها وهو أن ثمة خلافًا وقع بين الإخوان وعبدالناصر، انتصر فيه هو لمصر وحاولوا هم أن ينتصروا للتنظيم على حساب الوطن، وهكذا هم فى كل عهودهم، وقد حملهم اللدد فى الخصومة على معاداة عبدالناصر بشكل أوقعهم فى تكفير الرجل واعتبار ثورة يوليو اليد القوية التى منعتهم من حكم مصر، من أجل ذلك عاش عداء الإخوان لثورة يوليو فى نفوسهم عداءً أبديًا لا ينتهى، ولكنه سينتهى حتمًا بانتهاء الإخوان من صفحة التاريخ.