رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة تأسيس المستشفى القبطى


في 8 يناير 1881م أجتمع بمنزل عريان أفندى مفتاح (توفى عام 1888م) بالأزبكية ثلاثون قبطياً وحضر معهم الشيخ محمد عبده والشيخ محمد النجار وعبدالله النديم وأديب اسحق وأتفقوا على تأسيس "جمعية المساعي الخيرية"، وقام عبدالله النديم بإلقاء خطبة فى هذا الإجتماع، وإنتخب المجتمعين سعادة بطرس باشا غالي رئيساً فكان هو أول رئيس لجمعية خيرية قبطية للأقباط في مصر. ثم أصبحت بعد ذلك "الجمعية الخيرية القبطية".
أسست الجمعية مستوصف قبطي عام 1908 باسم "المستوصف الخيري العام" نسبة إلى الجمعية الخيرية التي أنشأته وقد تكلف وقتها 70 ألف جنيه، حيث قام البابا كيرلس الخامس (1874 – 1927) البطريرك 112 بمنح الجمعية منزلاً صغيراً بحارة شق الثعبان بشارع كلوت بك لهذا الغرض، وتم افتتاح المستوصف في أول أكتوبر 1908وجعلته قاصراً على معالجة فقراء الجمعية.
وتبرع للعمل فيه العديد من الأطباء الأفاضل منهم الدكتورة إبراهيم بك منصور (1860 –1930)، الدكتور إبراهيم بك فهمي المنياوي (1887 – 1957)، الدكتور نجيب باشا محفوظ (1882 – 1972) وغيرهم. وشُكلت لجنة منهم لإدارته تحت رئاسة الدكتور ابراهيم بك منصور.
وفي أوائل 1910 رأت الجمعية أهمية تعميم الإحسان والتوسع فيه، فقررت فتح أبوابه لمعالجة جميع الفقراء بدون استثناء مجاناً حيث أن مبدأ الإنسانية لا يتجزأ.
ثم بعد ذلك في عام 1911 أسست الجمعية المستشفى القبطى الأول (بدلاً من المستوصف) بعد أن رأت الجمعية أن الحاجة ماسة لإنشاء أقسام داخلية للجراحة والتمريض فجهزت جميع شقق المنزل بأدواره الثلاثة بالأسرّة والأثاث والآلات الجراحية اللازمة وتولى الإدارة الدكتور حبيب خياط والدكتور ملتون. 
وعندما ضاق هذا المستشفى عن قبول المرضى بالأقسام المختلفة استأجرت منزلاً كبيراً بالشارع العباسي (أمام محطة كوبرى الليمون) وبعد أن أصلحته إصلاحاً تاماً، أفتتحته في 14 يونيو 1913 فكان بذلك المستشفى القبطى الثاني بدلاً من الأول وأسند قسم الجراحة إلى الدكتور حبيب خياط وكان نائبه الدكتور إبراهيم المنياوي في الفترة (1913 – 1926). 
وعندما تعذر مجئ الممرضات الأجنبيات بسبب الحرب العالمية الأولى، شرعت إدارة المستشفى فى إنشاء قسم لتعليم الفتيات المصريات فن التمريض، وكان الأقبال عليه عظيماً، وتولى الدكتور ابراهيم المنياوي مسئولية تدريس التمريض الجراحي والتعقيم.
ثم عزمت الجمعية على بناء مستشفى كبير وهو المستشفى القبطي الثالث (المبنى الحالي للمستشفى القبطى 175 شارع رمسيس) عام 1926 تولى الدكتور ابراهيم المنياوي رئاسة قسم الجراحة به. كان هذا المستشفى قد جمع خيرة الأساتذة الأطباء كما كان محط أنظار المرضى حتى صار من المعالم القبطية في القاهرة. في نفس السنة تم تأسيس المستشفى القبطى بالإسكندرية فى مقره الحالي الواقع في 4 شارع نصر أحمد زكي – محرم بك.
ظلت المستشفى القبطى – سواء بالقاهرة أو الإسكندرية – تابعة للكنيسة القبطية حتى أممت الحكومة المصرية المستشفى القبطي في الستينيات، وأصبحت تابعاً الآن للمؤسسة العلاجية.
حتى فترة أواخر السبعينيات كان يقوم بالتمريض بالمستشفى القبطى بالإسكندرية – وبالمثل بالقاهرة – طاقم تمريض متخصص وعلى درجة عالية من المعرفة الفنية من الراهبات الإيطاليات، وكن مقيمات بالمستشفى بالدور الأخير بها وكان لهن كنيسة خاصة بهن في الدور الأخير لممارسة الصلوات اليومية التي كن ملتزامات بها، كما كن متابعات للمرضى طوال ساعات اليوم صباحاً ومساءً وليلاً. وكانت المستشفى القبطي بالإسكندرية من أشهر مستشفيات المدينة في الخدمة العلاجية المتميزة والتمريضية وأيضاً النظافة الفائقة.
من الذكريات التي تركها لي والدىّ، أنه في 20 يناير 1951 (كنت أبلغ من العمر ثمانية أشهر وخمسة أيام) قد تم نقلى إلى المستشفى القبطي بالإسكندرية على أثر أنيميا حادة – وهى المعروفة باسم انيميا الفول - وكنت في حالة أحتضار شديد جداً، حتى أن الطبيب المُعالج وهو د. رمزى السنباطى - أشهر أطباء الأطفال بالإسكندرية فى ذلك الوقت – قد طلب ضرورة إجراء نقل دم فوراً، وتم إجراء عمليتي نقل دم من جمعية الإسعاف المختلطة بالإسكندرية، ومكثت بالمستشفى حتى يوم 24 يناير 1951. وطبقاً لما ورد فى إيصال استلام النقود من المستشفى أن الإقامة كانت على حساب البطريركية بالإسكندرية وكذا الأدوية وكانت تكاليفهما خمسة جنيهات وسبعمائة مليماً.
فى 10 مايو 1959 تمت رسامة البابا كيرلس السادس البطريرك 116 بابا وبطريرك الإسكندرية (الكرسى الرسولي)، فبدأ بزيارة كنائس الثغر والمؤسسات التابعة للبطريركية بالإسكندرية. ففي أواخر ديسمبر 1960 قام بزيارة المستشفى القبطي، حيث زار عنابر المرضى وأطمئن على حالتهم الصحية وصلى من أجلهم للشفاء، وحجرة مدير المستشفى – في ذلك الوقت – الدكتور عزيز المصري (1908 – 1991) ومعه بعض أعضاء المجلس الملي السكندري من الشخصيات المتميزة من أساتذة جامعة الإسكندرية المرموقين منهم د. حنا برسوم أستاذ التحاليل بكلية الطب و د. تادرس ميخائيل أستاذ التشريح بكلية الطب، كما تقابل مع طاقم التمريض بالمستشفى من مصريات وراهبات إيطاليات. وبعد أن قضى عدة ساعات بالمستشفى جلس في وسط الجميع عند مدخل المستشفى للألتقاط الصور التذكارية. 
كانت أيام جميلة إذ كان الزمن زمن الحب والبساطة والشخصيات المتميزة والغيرة الحسنة للكنيسة والوطن، فكان كل فرد يسعى للخدمة الصادقة دون السعى لأية منفعة شخصية.