رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط أسطورة المتأسلمين


هذا هو كتابي القادم إن كتب الله لي عمرا، سقوط الأسطورة، أي أسطورة تلك التي سقطت؟، لا تظن أنها أسطورة جماعة الإخوان، ولكنني أقصد سقوط أسطورة مشروعنا الإسلام السياسي، ذلك المشروع الذي اعتمد على النقل وسطحية التفكير، وقد أساء للإسلام وغيَّر تركيبته تماما، حتى أصبح الإسلام الذي تعتقده العامة غير الإسلام الذي أنزله الله علينا، لك أن تستمتع لخطيب جمعة حتى تعرف أنه يبث وهو وأقرانه إسلاما مزيفا في عقول الأمة، ويا لمأساة النسخة الأصلية للإسلام التي أضاعها المسلمون، نعم ظلت باقية في قلوب بعض الصالحين، وأفهام بعض العلماء والفقهاء، يحاولون الصدح بها كل حين، إلا أنهم يُحاربون من أصحاب النسخة المزيفة للإسلام، ويتم تشويه افكارهم واتهام عقيدتهم، فهي غير ما ألفه الناس وتعودوا عليه منذ قرون، والناس عبيد ما تعودوا عليه!.
الإسلام يعلو والمشروع المسخ الذي استغل الإسلام سيسقط حتما، الإسلام يبقى ومشروع جماعات الإرهاب المتأسلمة سينتهي من الوجود، المشروع الذي تبنته جماعات العنف هو مشروع مسيلمة الكذاب، لذلك سيسقط، وكانت بداية سقوط مشروع الإسلام السياسي هي البداية التي اعتقد أهل هذا المشروع أنها نقطة انطلاقهم إلى السيادة، وكأنني أتمثل نهايتهم في ذلك الموت الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى"قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم" ظنوه سيأتي من الخلف فإذا به وقد جاء إليهم من الأمام، وكذلك عبيد مشروع الإسلام السياسي، ظنوا الحكم سيرفعهم ويُسَيّدهم، فإذا به يقضي عليهم ويسقطهم من حالق!.
وأذكر أنني منذ سنوات كنت قد تنبأت بأن جماعة الإخوان في طريقها للزوال، ولم تكن هذه النبوءة ضربا من الخيال، ولكنها كانت ناتجة عن قراءة الأمراض التي أصابت تلك الجماعة منذ زمن بحيث جعلتها جماعة معادية لمجتمعاتها، إذ لا يوجد في العالم مشروعا سياسيا وعقائديا وفكريا من الممكن أن يستمر وهو يحمل في كيانه عداءً لبلاده، لذلك كان من المقدر أن ينهار مشروعهم ومن ثم تنهار جماعتهم وتنتهي.
لم تكن الأمراض التي أصابتهم ومن معهم من أصحابهم من تلك الأمراض التي تصيب التنظيمات فإن تداركتها استردت عافيتها، ولكنها أمراض العقيدة والفهم، التي إن أصابت جماعة أو أمة إلا وقد أصبحت أثرا بعد عين، وعلى سبيل المثال اقرأ معي واقعهم، ثم اقرأ معي ديننا من نسختنا الأصلية، فقد نهانا الله عن أن نزكي أنفسنا فقال "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" ولكن الجماعة بمشروعها العقائدي المزيف رأت أنها هي دون غيرها قد وصلت إلى الدرجة العليا للنقاء العقائدي، وبذلك تكون قد ترسمت خطوات إبليس حين ادعى الخيرية لنفسه فقال "أنا خير منه" وكذلك رأيت تلك الجماعة في كل تاريخها تقول: أنا خير منهم! وقد دفعتها تلك الخيرية المدعاة إلى مخاصمة الجميع، حتى أنني لم أر فى حياتى جماعة تحترف إستعداء الآخرين عليها كتلك الجماعة الحائرة، وقد حال هذا السلوك العدائي بين الإخوان وبين كافة القوى السياسية، حتى أصبح الجميع ينظرون إليهم نظرة رفض وإمتعاض، ثم تطور الأمر ووقف الشعب موقفا واحدا لإسقاط هذه الجماعة من الحكم، ذلك الحلم الذي عاش في الجماعة وعاشت الجماعة من أجله، فمنذ أن اندلعت جماعة الإخوان كرائدة لحركات الإسلام السياسي في عشرينيات القرن العشرين، وكلهم يبحثون عن الحكم، يتشوقون له ويتوقون إليه ويحاولون تنسم عبيره، ولو بالاقتراب من الحكام والملوك والرؤساء والتخلي في بعض الأحيان عن طموحات الشعوب، لأن طموحاتهم أكثر قداسة وأهم من أي شيء آخر!.
وإذا رصدنا الخطاب الإخوانى فى هذا المجال لوجدناه زاخراً بنغمة التعالى والغرور, كانت هذه النغمة واضحة في رسائل حسن البنا ثم في مشروع سيد قطب التكفيري، وفي العصر الحديث أخذت هذه النغمة فى التسلل للإخوان فى عهد المرشد الرابع حامد أبو النصر ثم أصبحت متفشية فى عهد المرشد الخامس مصطفى مشهور ثم تطـورت وأصبحت هى الفكرة الحاكمة فى "عقلية الإخوان الجمعية" فى عهد من تلاه، فالمرشد حامد أبو النصر يصرح فى العديد من الصحف فى حوارات متفرقة أن الإخـوان "هم الشجرة المورقة التى تظلل على هذه الأمة" ثم أصبح الإخوان فى رأيه "هم أفضل أهل مصر وهم الأجدر بحكمها" إلا أن المرشد مصطفى مشهور يرى أن الإخوان "يرفضون رايات الأرض لأنهم يرفعون راية السماء" وأن الإخوان "يرفضون كل المناهج الأرضية من ناصريين وإشتراكيين وليبراليين" "وأن كل هؤلاء ليسوا من الحق فى شيئ وأن أفكارهم نتنة تبعد عن الحق ويبعد الحق عنها".
ويرى المرشد السادس مأمون الهضيبى أن معيار القوة عنده يتمثل في العدد لا في النوعية ولا القيمة، لذلك فالإخوان عنده هم "أكبر قوة سياسية فى مصر" وأنه "بإشارة منه يجمع الألاف فى لحظة" وأن "كل الأحزاب تفشل فى ما يستطيع هو النجاح فيه" وأن الأحزاب تتحالف مع الإخوان "لأنه ليس لدى الأحزاب قاعدة جماهيرية وتريد الإستفادة من قوتنا الجماهيرية، فنحن أصحاب الكثرة وكثرتنا هي كثرة الحق، وهي كثرة لا تغلبها قلة الباطل"!.
وفي التاريخ القريب في عهد مأمون الهضيبي ثم في عهد مهدي عاكف  لن ينسى أحد أن جماعة الإخوان بحثت عن مصالحها الخاص وضحت من أجلها بالمصلحة الوطنية، فعمدت إلى التحالف مع الحزب الوطنى فى مواقف متعددة، ظناً منها أنها تحقق مصلحة الإسلام! أو هكذت قالت لقواعدها!.
أما مهدى عاكف فقد ظهرت نرجسيته وغروره عندما أصبح مرشدا للجماعة وأخذ يخاطب الرأي العام باستهزاء وسخرية في مواقف كثيرة، ولم يتحرج أبدا من أن يقوم بسب مصر والتحقير منها، فصدم الرأي العام بقولته الفظة "طظ في مصر" ثم يصرح وهو يستعرض قوة جماعته وقوته قائلا: "أنا إخوان العالم" و "أنا بإشارة منى أجمع ملايين الجنيهات" "والإخوان سيحكمون العالم كله لا مصر وحدها" "وانا الوحيد القادر على تغيير الخريطة السياسية فى مصر" ثم يصل إرتفاع صوت مهدى عاكف إلى مداه عندما يقول  "إللى عايزيتفاوض... يتفاوض معايا أنا.. أنا مرشد إخوان العالم".
أما غرور الإخوان وإعجابهم بكثرتهم فيظهر لنا جلياً فى بعض النقابات المهنية التى سيطروا عليها, إذ إستطاعوا بسبب توحدهم وتفرق الآخرين السيطرة على مقاليد الأمور فى بعض النقابات فظنوا أنهم هم البوابة الوحيدة التى يستطيع الطامحون دخول مجالس النقابات من خلالهم, فأصبح مسئولوا الإخوان مثلهم مثل مسئولى الحزب الوطنى فى إنتخابات البرلمان, يجب أن يحج إليهم ليل نهار من يرغب فى الترشيح, وظنوا أنهم بكثرتهم وتفرق الآخرين إمتلكوا صكوك النجاح لمن يرضون عنه, وملكوا سيف الإزلال لمن يعارضهم, والمتتبع لتجربة الإخوان فى نقابة المحامين بدءاً من عام 2001 يرى كم أجهض الإخوان مشروعات فى غاية الأهمية للمحامين لمجرد أنها قدمت من غيرهم, وتمادوا فى غرورهم فظنوا أنهم لو رشحوا حجراً على قائمتهم لنجح, وكم كانوا يتحدثون بثقة مفرطة عن قدرتهم على إنجاح قائمة كاملة فى الإنتخابات، وقال محمد طوسون مسئول الإخوان في نقابة المحامين صباح انتخابات النقابة عام 2009 :"لن نهزم اليوم ونحن عصبة" .
ولعل الراصد لخطاب الإخوان العنجهى المغرور يستطيع معرفة لماذا فقد الشعب تعاطفه مع تلك الجماعة، لم يقف الأمر عند حد فقدان التعاطف، ولكن ممارسة الإخوان للعنف والإرهاب منذ أن كانت في الحكم في مواقف عديدة جعلت الشعب ينقم عليها، وعند أول بادرة عنف من الإخوان تجد جموع من الشعب وهي تقوم بالانتقام من أفراد الجماعة أو ممتلكاتهم ومحلاتهم وشركاتهم التجارية. 
ثم هرب قادة الإخوان خوفا من الشعب، وهم الذين كانوا يقولون "الإخوان هم الأقوى وهم أصحاب الجماهيرية الكاسحة، وانهم أقوى من كل الأحزاب وكل الفصائل السياسية والشعبية" كان هذا التباهي بالكثرة ترجمة لواقع الإخوان الذى تحولوا فيه من دعاة إلى جباة غلاظ أقوياء, يتباهون بقوتهم ويمنحون البركة والقداسة لأنفسهم, وينزعون الصلاح والفلاح من غيرهم وينظرون إلينا بعيون الشفقة والكبرياء، لذلك فإنهم حين وقعوا في فتنة الإعجاب بالكثرة أوقعتهم .