رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هند جعفر: الطفل المصري يجب أن يبني علاقته بالأدب منذ الصغر (حوار)

الكاتبة هند جعفر
الكاتبة هند جعفر

بحكمة الكبار تنسج القاصة المصرية الشابة هند جعفر، مشروعها الأدبي والعملي، حيث وُلدت هند جعفر بالإسماعيلية عام 1985 وتخرجت من كلية الآداب قسم الإعلام شعبة صحافة بجامعة الزقازيق عام 2006.

ومن الإسكندرية تراقب القاصة المصرية العالم، منذ بداية عملها بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، قامت في عام 2012 بدراسة الفلسفة الهلنستية وتخصصت بها.

في ساحة القصة القصيرة كانت البداية مع "عدودة" أول أعمالها التي صدرت عن دار ميريت عام2015 وتوجت بجائزة ساويرس في القصة القصيرة للعام 2017، كما تنش المقالات في العديد من  الصحف والمجلات المصرية والعربية، مع "الدستور" كان لها هذا الحوار.

كيف أثر عملك بمكتبة الإسكندرية في علاقتك بالأدب والتراث؟

 لم أخطط يومًا للعمل في المخطوطات، ولم تخطر لي الإسكندرية على بال، منذ صغري كانت القاهرة هي المُراد، درست الصحافة في الجامعة وحلمت بالسفر إلى القاهرة والعمل بها، كنت وما زلت مولعة بسيرة هيكل، في المرحلة الإعدادية كانت صورته - قصصتها من إحدى الصحف-  وهو يترأس ديسك الأهرام تزين أحد جدران غرفة نومي، كان نجمي المفضل وتوارى بجواره كل الفنانين أصحاب السطوة على النفس في هذه المرحلة السنية، بدأت من أولى ثانوي مراسلة الصحف والمجلات بمقالات رأي ما زلت أحتفظ بها، وكان مشروع تخرجي نموذج لصحيفة فنيةنالت استحسان أساتذتي، بعد التخرج كانت أبواب القاهرة الصحفيةمغلقة بشدة في ذلك الوقت، نحن نتحدث عن عام 2006 وما بعده، نهايات عصر مبارك والبلد مختنقة من جميع النواحي، في ذلك الوقت قامت هيئة الكتاب بعمل مسابقة لأفضل عشرة مقالات تناولت إصدارات مكتبة الأسرة في مختلف الفروع؛ تقدمت لها وفزت بها وكنت من أصغر الفائزين إن لم أكن أصغرهم،  ثم حدثت صدفة ما سعيدة للغاية غيرت كل شيء، قابلت الدكتور يوسف زيدان مدير مركز ومتحف المخطوطات وقتها، وتناقشنا طويلا، بداية المناقشة كانت حول ملابسات نشأة الحركة الوهابية، أذكر أنه سألني في أمور كثيرة تركزت حول التاريخ الإسلامي ومصادره، وطلب مني التقدم لاختبارفي المكتبة، وعُينت بعدهامفهرسة في مركز المخطوطات قبل قيام الثورة بشهرين تقريبا، انتقلت بحياتي كلها من الإسماعلية إلى الإسكندرية. تعلمت في فترة قصيرة ما لم أتعلمه طيلة سنوات الجامعة، تذوقت الكتب بشكل مختلف وتدربت على توثيق أي معلومة بشكل صحيح، تطورت لغتي العربية، ونصحني يوسف زيدان بقراءة المتون الأصلية في أي فرع أنتوي البحث فيه،وهو ما أفادني فيما بعد في الكتابة الإبداعية. هو من نصحني بإكمال دراستي العليا في الفلسفة وليس الأدب. 
يظن البعض أن الكتابة الإبداعية موهبة سردية وفكرة جيدة وبناء لغوي مُحكم ولكن البعض يغفل البحث وتقديم المعلومة بشكل صحيح، والبعض الآخر يقدم البحثعلى ما عداه ونتيجة الحالتين مؤسفة، الأولى تنتج لنا روايات ضحلة فكريا، والثانية تنتج بحثًا تاريخيا وليس عمل إبداعي. على الكاتب أن يوازن الأمر بميزان ذهب. 

غلاف "عدودة"

في مشوارك مع القصة القصيرة.. كيف كانت رحلتك مع "عدودة" وما هي خطوتك المقبلة؟
كتبت عدودة عام 2015، وأذكر أنها  لم تأخذ مني وقتا في الكتابة، كانت القصص تتوالى في مخيلتي، ودوما التجربة الأولى تحمل جينات الجرأة، لا شيء تخاف عليه فتُقدم على الكتابة بكل ما تحمل من أفكار وتجارب، كتب عنها علاء الديب وكان هذا بمثابة أغلىجائزة حصلت عليها عن عدودة، بعدها حصلت على ساويرس، ثم أفرد لها جمال الجمل عددا من المقالات في المصري اليوم، وتناولها ربيع مفتاح ومنصورة عز الدين بالعرض والنقد، وصدرت واحدة من قصص المجموعة مترجمة إلى الإنجليزية في "كتاب القاهرة" الذي صدر من دار نشر لندنية وضمَّ عددا من القصص المصرية المترجمة التي تتناول أحداثا تجري في القاهرة،  ما حدث فيما بعد أن جُبنًا أصابني وجعلني أدقق فيما أكتب، وهو أمر محمود إن كان بغرض التدقيق ولكنه أبدا غير جيد إن تسبب في تعطيل الكتابة والنشر، ولقد طالت بالفعل، صحيح أني بعدها بعامين تقريبا  شاركت في ورشة جوتة وحصلت على المركز الأول عن قصة بعنوان "ركض دائري" تُرجمت إلى الإنجليزية والألمانية، شاركت في الورشة فقط لغرض السفر ولم أحصل عليه لسبب ما رغم حصولي على المركز الأول. يعوزني الوقت، أعمل منذ الثامنة والنصف وحتى الرابعة والنصف، أعود للمنزل في السادسة تقريبا، هل تبقى وقت للكتابة؟! أقول لنفسي أن هذه كلها حجج فارغة أسكن بها هذا التأنيب المستمر الذي يمارسه ضميري، ولكن الحقيقة أن الكتابة تحتاج تفرغا، كالذي تحدث عنه إبراهيم عبد المجيد منذ أيام حين تعجب من لهاث الكتاب الجدد وراء المناصب، لا يتعلق الأمر فقط بالمناصب ولكنها لقمة العيش، وأحوال زمنية تغيرت كليًا، لم يعد هناك وزير ثقافة على طريقة ثروت عكاشة الذي طلب من الأخوين وانلي التفرغ الكامل للرسم لأنه يعلم أن الموظفين كثر ولكن الفنانين قلة! ولكن الجميل في الأمر أني أكاد أنتهي من المجموعة الجديدة. أضع رتوشا أخيرة وأبحث عن ناشر. 

كيف ترين نصيب المصريين من جوائز الرواية والقصة العربية حاليا؟

لا أحبذ سياق الربط بين جائزة ودولة، هذا التقسيم الجغرافي أضر بالبوكر في سنواتها الأخيرة، وأصبحت تكهنات ما قبل الإعلان عن الجائزة مؤخرا تتركز في الحديث عن كوتة الدول وليس جودة العمل الفني، أرجو أن تبتعد "الملتقى" عن هذا الأمر، مثلما أرجو أن تتحرر من العقدة المصرية التي تصيب بعض الجوائز وتتعمد فيها لجان التحكيم محاربة كل ما هو مصري لا لشيء إلا لكونه مصري بحجة مواجهة سيطرة المصريين على الجوائز الإبداعية! منذ عامين تقريبا قرأت مجموعة قصصية واحدة فائزة بالملتقى ولم تكن على مستوى أكبر جائزة تمنح للقصة القصيرة ولكن هذا يحدث في جميع الجوائز، العالم ليس المكان المثالي، ويحدث أحيانًا أكثر من هذا، تخيل أن نوبل لم تتشرف بإعطاء "بورخس" جائزتها.. رعب أكبر من هذا "قد" يجئ.

ما رأيك في أحدث دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب؟

المعرض هذا العام مميز، لا تنسى أن العالم يعاني من تبعات وباء، ونسب التطعيم ما زالت بسيطة مقارنة بعدد السكان، صحيح أن الإقبال على المعرض لا يُقارن بالأعوام الفائتة، ولكن في اليوم الذي ذهبت فيه شهدت تنظيمًا جيدًا، وإن كان بعض الزملاء قد اشتكوا في أيام أخرى من تكدس المواطنين على البوابات وهو أمر يجب على إدارة المعرض أن تأخذه في حسبانها خاصة في ظل درجات حرارة عالية، بصراحة لم أكن أفضل إقامة المعرض في الصيف ولكن كما قلت من قبل هو ظرف صحي يعاني العالم كله من تبعاته. 

حدثينا عن حصيلتك من المعرض هذا العام وما أهم الإصدارات التي لفتت إنتباهك؟

 مازالت الهيئة العامة للكتاب نجمة المعرض، تنافسها بقوة الهيئة العامة لقصور الثقافة، اشتريت حوالي 20 عنوانًا من معرض هذا العام، حوالي 12 عنوان منهم من الهيئتين،  كنت حريصة على شراء مذكرات الأستاذ محمد سلماوي الصادرة عن الكرمة، وبصراحة أحمد سلماوي على اختياره للعنوانين (يومًا أو بعض يوم)، و (العصف والريحان).. هناك كتب أخرى كنت أنتظر المعرض لشراءها بعدما تعذر شراءها أونلاين مثل مذكرات المخرج البولندي كريستوف كيسلوفسكي، هناك كتاب توثيقي أصدرته المتوسط عن فترة درويش في مصر بعنوان محمود درويش.. المتن المجهول وعناوين أخرى خاصة بالفلسفتين اليونانية والإسلامية. لي فقط طلب عند دور النشر أن يهتموا بالطبعات الشعبية ذات التكلفة الرخيصة نوعًا ما، ليس معقولًا أن تباع رواية مترجمة بثلاثمائة جنيه والحجة ارتفاع الأسعار بسبب الدولار. في هذا قدر من “الخبل”، إن أرادوا محاربة ظاهرة القرصنة عليهم أن يجدوا حلا للغلاء الذي أصاب أسعار الكتب.

ما هي أبرز الروافد الثقافية التي يجب أن يلجا لها كل كاتب شاب؟
من المهم للكاتب الشاب أن تتنوع قراءاته، جميل أن يقرأ الأدب ويتعرف على نماذج أدبية مختلفة ولكن تعال نأخذ مثالًا بنجيب محفوظ ستجد أنه دارس جيد جدًا للتاريخ المصري والإسلامي، كما أنه مولع بالفلسفة الإسلامية قد يكون هذا بسبب دراسته ولكنه أجاد توظيف ثقافته في أدبه، يظهر الأمر من خلال الكتابة بدون أن تشعر بأنك في حضرة رجل يتعالم عليك. والأمثلة كثيرة، ما يحدث الآن أن الروائي أو القاص الشاب يلتهم كل الجديد في القصة أو الرواية وينسى أو يتناسى أن أفكاره مجرد لبنة في بناء قوي قوامه معارف أخرى تراكمية، وتجارب شخصية ثرية. من المهم أن ينمي الكاتب ذائقة فنية موسيقية وفنية تشكيلية، ومن المهم أن يكون على دراية بقدر لا بأس به من المدارس الفلسفية وتوجهاتها، كل هذا سيخدمه فيما بعد دون أن يشعر.

ما هي رؤيتك للنهضة الثقافية المنتظرة التي تتمنيها لمصر؟
سوف أحدثك عن أمر ما، في مدرستي الإعدادية بالإسماعيلية كانت هناك غرفة للموسيقى، لم يكن مسموحا لنا بلمس البيانو أو بقية الآلات، وإن تجرأنا على استعمالها نُعَاقب بالضرب، أما المكتبة المدرسية فأمناءها يرفعون دوما شعار "الكتب دي عهدة"، يحتاج الطفل المصري أن يبني علاقة مع الفنون والآداب منذ الصغر وهو مالا يحدث في بلادنا، حصص الرسم والموسيقى والألعاب والذهاب للمكتبة مضيعة للوقت في المدارس المصرية، تخيل لو قامت الوزارة بوضع قائمة بروايات وكتب ممتعة جاذبة ومناسبة للمراحل السنية المختلفة، وتترك لمعلم اللغة العربية حرية اختيار عنوان يناقشه شهريامع طلابه ويضع درجات العملي على هذا النشاط، ماذا سيحدث؟ بعد سنوات سيكون لديك أجيال تحب الاطلاع ولا تراه عبئًا،  ما قلته عن القراءة ينسحب على الموسيقى والرسم والنشاط البدني.المشكلة في مصر أننا ننتبه متأخرين للمشكلة.