رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر ولبنان


ارتبطت مصر منذ عقود بعلاقات حيوية مع لبنان، وهي العلاقات التي تعززت في الحقبة الناصرية وذلك مع أولوية العمق العربي بالنسبة للرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، وتبنيه لمقاربة استهدفت توثيق العلاقات مع لبنان بما يدعم مصالحه ويعزز من استقلاليته، وهو الأمر الذي جعل "عبد الناصر" ذا شعبية كبيرة في لبنان حتى اليوم، حتى أن هنالك شوارع وساحات بإسمه، فضلاً عن نُصب تذكارية له في العديد من المناطق اللبنانية، وحتى مع تداعيات "كامب ديفيد" على العلاقات المصرية – العربية، وما أتبعها من تغيرات إقليمية، فقد حافظت مصر حتى اليوم على دور إيجابي وعلاقات حيوية مع لبنان، ولا يُنسى في هذا الصدد الدور المصري الكبير بقيادة الراحل "عمر سليمان" في إنجاز اتفاق الدوحة لإنهاء الأزمة اللبنانية عام 2008، فضلاً عن التدخل الفعال من أجل المشاركة في معالجة العديد من أزمات الشقيقة لبنان حتى اللحظة.
عاد الحديث عن الدور المصري في لبنان، مع زيارة "سعد الحريري" الذي كان مُكلفاً بتشكيل الحكومة اللبنانية إلى القاهرة منذ أيام، وهي الزيارة التي تباحث خلالها مع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" عن الدوافع التي تقف خلف اتخاذه قراره بالاعتذار عن تشكيل الحكومة اللبنانية، ومدى إمكانية التراجع عن هذا القرار، وقد عكست هذه الزيارة أهمية الدور المصري في المعادلة اللبنانية، والاهتمام الذي توليه الإدارة المصرية لهذا الملف، حيث أكد الرئيس "السيسي" على دعم مصر الكامل للمسار السياسي للحريري بهدف استعادة الاستقرار في لبنان والتعامل مع التحديات الراهنة، وتشكيل الحكومة اللبنانية.
وبالفعل فقد توجه الحريري عقب انتهاء زيارته إلى القاهرة، إلى لبنان والتقى بالرئيس "ميشال عون" وأعلن عقب اللقاء أنه قد تقدم لـ "عون" بتشكيلة حكومية مكونة من 24 وزيراً، وهو التحرك الذي عكس نجاح الإدارة المصرية في إقناع الحريري بضرورة استمرار المشاورات من أجل إنجاز ملف الحكومة اللبنانية، لكن الحريري عاد بعدها وأعلن أنه لم يتوصل إلى اتفاق مع الرئيس "عون"، وذلك بسبب وجود خلافات "جوهرية" حول التشكيلة الحكومية بين الطرفين، مما أدى إلى اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي أعاد الأزمة اللبنانية إلى نقطة البداية.
أشار الحريري في تصريحات له عقب زيارته لمصر إلى أن "مصر ستلعب دوراً بارزاً لمصلحة لبنان في المرحلة المقبلة، مهما كانت الظروف"، وهو توجه تعززه اعتبارت كثيرة، فمصر تعتبر من أهم المحطات العربية والإقليمية التي يمكن اللجوء إليها من أجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين، وحتى بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني، حيث تشير بعض الأصوات اللبنانية إلى أن الإجماع اللبناني لا يكاد يكون متوفراً حول دور خارجي، أكثر من الدور المصري، فمصر هي الدولة الوحيدة تقريباً في المنطقة أو في العالم، التي يجمعها علاقات وقنوات تواصل مع كل الفرقاء اللبنانيين.
تعول العديد من الدوائر اللبنانية والعربية المهمومة بمعاناة الشعب اللبناني، على الدور المصري من أجل التوسط بين الفرقاء، وحلحلة الأزمة والدفع باتجاه تجاوز هذه المرحلة، وهو الاعتبار الذي يُحتم على الدولة المصرية أن تستمر في لعب دور "الأخ والوسيط" بين كافة الفرقاء في لبنان، خصوصاً وأن هذا الدور يتبنى هدفاً رئيسياً وهو مصلحة الشعب اللبناني، في ضوء المحددات الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية إزاء المحيط العربي في الحقبة الحالية، والتي تتحرك في ضوء مقتضيات الأمن القومي العربي، مع التركيز على الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية العربية في مواجهة مخاطر التفكك، ومواجهة الإرهاب والفاعلين المسلحين من غير الدول، فضلاً عن رفض ومواجهة التدخلات الخارجية المزعزعة لاستقرار الدول العربية، وهي اعتبارات قد تدفع مع التوظيف الجيد للأدوات الدبلوماسية المصرية، إلى إقناع الفرقاء اللبنانيين بتجاوز كافة الاعتبارات الضيقة الطائفية والمذهبية والأيديولوجية الضيقة، والإعلاء من المصلحة الوطنية اللبنانية.