رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا أحد يستطيع خنق الحرية

إلى كل مجتمع يظن أو حتى يخطر فى حلم من أحلامه أنه يستطيع بأدواته وخبرته التاريخية وموروثاته والنخبة التى ترقص من حوله وإعلامه وثقافته وتشريعاته ومقررات تعليمه وأكاذيبه المغلفة بأسماء براقة أن يخنق الحرية، أقول لن تستطيع.
إلى كل مجتمع يعتقد أن نجاحه فى خنق الحرية قد أتى ثماره لبعض الوقت نتيجة جهل الغالبية نساء ورجال أو خوفهم أو عجزهم أو لامبالاتهم، أقول لا تبتهج فالمسألة مسألة وقت حتى تنفضح أدوات قهرك ويفيق الناس من خداعك وخيانتك.
إلى كل مجتمع يمارس العقوبات الجنائية والمعنوية والنبذ الاجتماعى والثقافى والإعلامى والأدبى ضد النساء والرجال الذين يعبرون عن رأيهم المسالم المختلف عن القطيع، أقول إنك مجتمع تشعر بالخوف والعجز وفقدان الحجة المنطقية العادلة وتدرك مدى ضعف الأفكار والممارسات والقوانين والمنظومات والموروثات التى تدافع عنها وتجعلها سوطًا على رقاب البشر وتعرف أن البساط بدأ يُشد من تحت قدميك.
إلى كل مجتمع ينغص على النساء والرجال والأطفال حياتهم يجند الأوصياء فى كل مجال يتسلط باسم الأديان على أكلنا وشربنا ونومنا وعواطفنا وزواجنا ولبسنا وحبنا للفن والجمال والبحر والشِعر والموسيقى والرقص والصداقة والفرح، أقول أنت كاذب وكذبك أصبح مكشوفًا فأنت تزعم أنك بممارساتك التزمتية القاهرة تحمى الأديان وتتجنب الفتن والفوضى، بينما الحقيقة أنت تحمى خزائن الثروة وأراضى النفوذ وأطيان الاستغلال، هذا بكل بساطة ويسر قصة الأمس وقصة اليوم لكنها لن تكون قصة الغد.
إلى كل مجتمع يداعبه كابوس أن بقدرته مهما كان جبارًا أن يغلق أبواب الحرية وأن يكتم على أنفاسها التى بدأت تشق طريقها، أقول عاجلاً أو آجلاً مثلما حدث لمجتمعات أخرى سوف تذهب مع الريح وتصبح فى خبر كان بثرواتك وجرائمك وأوهامك.
لو استطعت المشى فوق الماء أو الحرث فى البحر تستطيع إذن أن تخنق الحرية، هذه كلمتى لأى مجتمع ما زال يعيش فى الوهم، رغم أننى لا أميل كثيرًا الى "المطلقات" الراسخة، وأتردد كثيرًا قبل الحديث والدفاع عنها إلا أن "الحرية" استثناء وحيد أتشبث به وليس يقلقنى جلوسها وحيدة على عرش المطلق الثابت فى حياتى.
فأنا أؤمن بـ"الحرية" إيمانًا مطلقًا راسخًا لا يشوبه شك أو تردد كما أؤمن بنفسى، بل إن إيمانى بالحرية ربما يكون الإيمان الوحيد الذى يزداد يقينًا وزهوًا مع مرور الزمن، ويصبح مع ذبول كل الأشياء وردة فيحاء العبير أعلقها على صدرى وعلى خصلات شعرى.
أؤمن بالحرية إيمانى بأن الإنسان أهم من الفلوس، وأن العدل هو الذى يجعل النظام السياسى جميلًا، وأن الثورة  هى التى تجعل الشعوب نبيلة وأن شجاعة القول والسلوك هى ما تجعل المرأة شريفة وما يجعل الرجل شريفًا.
أؤمن بالحرية مثلما أؤمن بأن الموسيقى سر من أسرار الكون، ومثلما أؤمن بأن الألم هو أهم كتاب نقرأه لنتعلم كل ما هو ضرورى لمواجهة الحياة.
إيمانى بالحرية مثل إيمانى كما قال "غاندى" بأن الفقر موجود لأننا نأخذ أكثر من احتياجنا، أؤمن بالحرية مثل إيمانى أن "رق الحبيب" من ألحان "القصبجى" طفرة جينية فى تاريخ الألحان، وأن الحضارة التى تقطع من أجساد وعقول النساء، تحمل داخلها بذور الفناء ومثل إيمانى بأن "العمر" الحقيقى الذى نعيشه لا يرتبط بتاريخ الميلاد أو زحف التجاعيد، أؤمن بالحرية كما أؤمن بأننا لا نستمتع بالحياة إلا إذا تصالحنا مع "الموت".
أؤمن بالحرية مثلما أؤمن باستحالة انتمائى لهذا العالم بكل أفكاره وأهدافه ومخاوفه وعقائده ودمويته وعنصريته وذكوريته وغروره وغطرسته وعنجهيته وحماقاته وآلامه وعذاباته وعبثيته، إيمانى بالحرية كإيمانى بأننى جئت إلى الحياة من رحم "أم" لا تتكرر، قالت لى منذ طفولتى: "تكونين حرة أو تموتين".
من بستان قصائدى
فى الأعياد والمناسبات.. أحتمى بالهدوء والكلمات
أختفى عن الأنظار.. أسافر وحدى بالقطار
أبحث عن "عيد" قلبى.. عصى الفرح
مهما أضنانى البحث.. فلن أملّ الانتظار