رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة حديثة تكشف استراتيجية الإخوان لتجنيد أجيال جديدة

الإخوان
الإخوان

كشفت دراسة حديثة بعنوان" التعليم وهندسة الفكر الإخواني" صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات عن استراتيجية جماعة الإخوان من أجل تنشئة وتجنيد أجيال جديدة تتنتمي لفكر وإيدلوجية الجماعة المتطرفة عن طريق التعليم وهو النهج الأساسي الذي اتبعه مؤسس الجماعة في مصر "حسن البنا" في زيادة عدد أفراد التنظيم في مصر ومن ثم العالم.
 

رؤية حسن البنا للتعليم ودوره في تحقيق أهداف "الإخوان"

وفقا للدراسة الحديثة: يرى حسن البنّا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في التربية والتعليم الوسيلة الأساسية والمثلى في تحقيق الهدف الأسمى للجماعة المتمثل في تطبيق الإسلام كنظام شامل، ويعتبر أن طريقة تحويل المجتمع المصري تتحقق من خلال التعليم. 

 

وفي أول كتيب للإخوان المسلمين نشر البنا في عام 1929 "رسالة عن التعليم الديني"، أوضح فيها سياسته التعليمية الدينية، ويعتبر البنّا، في هذا الصدد، التربية هي "الحبل الذي يربط الإخوان سوياً".

 

كما تأثر البنا بجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا وآراء علماء إسلاميين آخرين حول التعليم، فإنه تأثر أيضاً بالأساليب الغربية واكتسب البنّا النظريات الحديثة، مثل نظرية "التعليم الكلي" comprehensive education وطبقها في مدارس الجماعة.

 

وقد أولى البنا أولوية قصوى للتربية والتعليم منذ البداية، حيث شرع في بناء نظام تعليمي خاص بالجماعة. وفور تأسيس الجماعة في عام 1928 بالإسماعيلية قام البنّا ببناء مسجد ومدرستين؛ واحدة للبنين وأخرى للبنات، وكان النظام التعليمي المعتمد فيها يمثل نموذجاً جديداً ومنافساً لنظام التعليم الحكومي ومحتواه الذي كان سائداً آنذاك. 

 

ومنذ عام 1935 طالبت الجماعة بتعديل أسس التعليم تعديلاً جذرياً، بحيث يقوم على أسس إسلامية حقة، كما اعترضت بمرارة على المدارس المسيحية.

 

وقد سعى البنّا إلى تعميم نموذج أول مدرسة افتتحها في الإسماعيلية سنة 1931 على كل التراب المصري، وكانت المدارس الأولى للإخوان غير رسمية، وبحلول عام 1935 كانت الجماعة تدير نحو 300 من هذه المدارس غير الرسمية العاملة المنتشرة في جميع أنحاء مصر، وفي بداية الأربعينات بدأ الإخوان يطبقون برامج تربوية معيارية، حيث أدخلوا في تدريسهم مواد غير دينية؛ مثل الرياضيات، والعلوم، والتاريخ، والجغرافيا، ومع ذلك، كان التركيز أكثر على التعليم الديني وتكوين طلبة قادرين على نشر أيديولوجية الجماعة.

 

وفي هذا الصدد يقول رفعت السعيد: "اتسعت شبكة المدارس الإخوانية إلى درجة أن الشيخ البنّا قد أكد أن كل شعبة من شعب جماعته الألفين أسست مدرسة وأكثر".

 

وينبه أنه "لابد لنا من أن ندرك أثر ذلك في انتشار الجماعة ونفوذها في صفوف التلاميذ وأولياء الأمور والمدرسين والمدرسات".

 

وكان الهدف الأساسي للبرامج التعليمية لدى جماعة الإخوان المسلمين هو تدريب المنتمين إليها وتزويدهم بالمهارات من أجل نشر أيديولوجية الجماعة وفكرها.

 

 وكان التركيز في التدريب على إنتاج نخبة من الدعاة. ويورد روزن أن المرشد العام، حسن الهضيبي، دعا في عام 1951 إلى تأسيس مدرسة إخوانية مخصصة للتدريب على الدعوة في كل إقليم إداري للجماعة، وفي عام 1953 أسست الجماعة أكاديمية لشؤون الدعوة في القاهرة، بهدف تخريج وعاظ ودعاة أكفاء يمكنهم التنافس مباشرة مع علماء الدين التقليديين والعاملين في الحكومة على جذب قلوب المصريين العاديين وعقولهم واستمالتهم، وخاصة الشباب منهم.

 

وقد اتجه الإخوان إلى إنشاء مدارس خاصة تقوم بتدريس مختلف المواد إلى جانب المواد الدينية، وقد برز هذا الاتجاه منذ سبعينات القرن الماضي وتوسع بشكل كبير في التسعينات، خاصة مع تراجع قدرة الدولة على استيعاب العدد الكبير من الطلاب في المدارس الحكومية، وهو ما سيتضح في أجزاء لاحقة من هذه الورقة.

 

 التربية والتعليم كوسيلة للمشروع الإخواني

يقوم النموذج التربوي لجماعة الإخوان المسلمين على دمج التنشئة والتجنيد معاً، فالذين يتم استقطابهم داخل الجماعة يخضعون لعملية مكثفة ومطولة من التلقين والتربية، إذ تشكل التربية جزءاً من عملية صياغة أو بناء الهوية الإخوانية، بينما تحتل التعبئة والتجنيد الجزء الآخر، وتتم هاتان العمليتان بشكل متزامن؛ ليتضمن بناء الهوية والانتماء الإخواني بُعدين: بُعد بنيوي وبُعد فكري، وهما يشكلان معاً متغيرات مهمة في مكونات عملية الهندسة الاجتماعية، التي تقوم بها الجماعة لأعضائها.

 

وتجري عملية التربية في مؤسسات وأماكن/ فضاءات خاصة، حيث يلتقي فيها أعضاء الجماعة وقياداتها ويتواصلون ويتفاعلون بشكل أسبوعي أو شهري، من أجل توطيد العلاقة بينهم واستيعاب أيديولوجية الجماعة. وتنقسم هذه الفضاءات إلى سبعة كيانات هي: الأسرة- الكتيبة- الرحلة- المعسكر- الدورة- الندوة- المؤتمر، وتقع ضمن شبكة تراتبية محكومة بمستويات العضوية.

 

واستمر الاهتمام بالتعليم طوال مسار الجماعة، فبعد أن وضع البنّا أسسه وسطّر فلسفته ومنهجه، لعب الهضيبي دوراً رئيسياً في إعادة هيكلة الجماعة، والتركيز أولاً على الدعوة والتعليم، ومحاولة التأثير في السياسة من خلال الهياكل والمؤسسات الاجتماعية، بدلاً من مواجهة النظام أو الانسحاب من المجتمع، لتكون هذه الاستراتيجية هي المعتَمَدة لتحقيق الامتداد المجتمعي والتوسع الجماهيري، برغم معارضة التيار القطبي لهذا النهج.

 

في هذا السياق، نشطت المدارس الإخوانية في عهد حكم السادات، الذي اعتمد سياسة انفتحت على الإخوان وسمحت لهم بالعمل في الميدان الخيري والجمعوي والتربوي.

 

وشرع الإخوان في تنشئة الأطفال من أجل تجنيدهم في سن مبكرة ابتداءً من سن التاسعة، ويبدو الأمر شائعاً في العائلات التي ينتمي فيها الآباء والأعمام إلى الإخوان، حيث يتم التركيز على أطفال أعضاء الإخوان بشكل خاص. أو أن يكون هؤلاء الإخوة الجدد قد نشؤوا في عائلات متدينة والتقوا بأعضاء الجماعة في أثناء سنواتهم الدراسية، . ومع ذلك يتم فحص هؤلاء الأعضاء بعناية قبل قبولهم، ليكون التجنيد بداية لعملية طويلة ومتعددة المراحل يتحول من خلالها العضو الجديد الواعد إلى "أخ" في جماعة الإخوان المسلمين.

 

ويذكر العديد من الذين مروا على المدارس الإخوانية أنهم وجدوا أنفسهم أعضاء في الجماعة دون أن يشعروا، وفي هذا الصدد يقول كمال الهلباوي في سرد تجربته مع جماعة الإخوان المسلمين: "لثلاث سنوات، لم أكن أعرف أنني عضو في جماعة الإخوان المسلمين".

 

ومثل حال معظم أعضاء المجموعة الجدد، خاصة أولئك الذين لم يولدوا في عائلات الإخوان، تبدأ فترة المراقبة الأولية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، وفيها، لا تحتاج إلى دفع أي أموال، أو إلى حضور صلاة الليل، إنك لست مسؤولاً، فأنت أكثر حرية.

 

وطبقاً للهلباوي، يلاحظ المعلمون الذين يقومون بتدريس موضوعات منتظمة، مثل اللغة العربية أو الرياضيات، عقول الطلاب وشخصياتهم واعتماديتهم وتفانيهم. عندها يكتشفون أفراداً يمتلكون هذه الخصائص، يقومون بإشراكهم بوتيرة متزايدة في الأنشطة والنزهات الاجتماعية التي تنظمها الجماعة.

 

وعرفت مرحلة تولي عمر التلمساني قيادة جماعة الإخوان المسلمين، من منتصف السبعينات إلى منتصف الثمانينات، نشاطاً تعليمياً حثيثاً، حيث أُعيد فتح المدارس الإخوانية، وسميت بمدارس “المنارات الإسلامية”، التي اعتمدت في برامجها اتباع رسائل حسن البنّا، لتكون منطلقاً في استقطاب الأجيال الشابة وتثقيفها بفكر الجماعة، بما يضمن تشكّل جيل مُشرَب بمبادئ الإخوان، وما هي إلا امتداد للمدارس التي أنشأها البنّا مثل معهد حراء للبنين، وأمهات المؤمنين للفتيات، بالقرب من مقر الجماعة في الإسماعيلية، التي كان قد وضع البنّا مناهجها الدراسية بنفسه. 
 

واستمرت الجماعة في إنشاء المدارس التي تزايد انتشارها مع بداية الثمانينات، وظهرت مدارس "الجيل المسلم" التي استقطبت نحو 7 آلاف طالب وطالبة في المراحل التعليمية، من الابتدائية إلى الثانوية، وتوزعت في مدن: طنطا، والمحلة الكبرى، والسنطة، وكفر الزيات.

 

واستطاع الإخوان إنشاء مدارس لهم في جميع محافظات مصر، حتى بلغ عددها 174 مدرسة سنة 2012، حين وصول الجماعة للحكم، وقد تم مصادرتها كلها عام 2013 بعد سقوطهم، بالإضافة إلى خدمات تعليمية أخرى متنوعة؛ مثل (أنشطة ما بعد المدرسة، والمخيمات الصيفية للمراهقين، والتدريب المهني والدروس المسائية، والدروس التكميلية للأطفال، والتي توفر بديلاً عن التعليم الرسمي الذي تسيطر عليه الدولة).

 

مما سبق يتضح أن لجماعة الإخوان المسلمين مشروعاً تعليمياً شمولياً؛ فإلى جانب البُعد التعليمي يتم التركيز على البعدين القيمي والأيديولوجي، إذ يُراد لهذا المشروع بناء فرد جديد Homus Islamicus  يتنصل من ولائه وهويته القديمة ليتقمص هوية جديدة فردية وجماعية، وهي الهوية الإخوانية.

 

ويشكل التعليم حلقة من حلقات مشروع الإخوان في هندسة المجتمع ككل، ويكون ذلك عبر مراحل ووسائل عدة؛ ومن أجل إنجاح ذلك المشروع عملت الجماعة على مسارات متوازية: المسار الدعوي / الأيديولوجي، والمسار التنظيمي والتعبوي، والمسار التعليمي / التربوي "البيداغوجي"، وربطت هذه المسارات كلها بحياة المصريين اليومية وبهمومهم وتطلعاتهم.

 

إن المشروع الإخواني الذي يعتمد في تطبيقه على هندسة اجتماعية ويستند على رؤى وفلسفة مثالية/طوباوية لا تاريخية، تصبو إلى تحقيق "المدينة الفاضلة"، يختزل القضايا والتحديات التي يواجهها المجتمع في شعارات بسيطة وشعبوية؛ مثل "الإسلام هو الحل"، فيكفي أن يكون الفرد ورعاً والحاكم فاضلاً يحكم بما أنزل الله، حتى يصلح الكل وتتوافر السبل لتشييد أو إعادة تشييد الحضارة الإسلامية.

 

كما كان التركيز على الأخلاق والفضيلة، بوصفه حلاً سحرياً لمشكلات الأمة ووسيلة ازدهارها وتقدمها، يُعدُّ نظرة ساذجة، لا تترك مجالاً للبرامج السياسية أو للنقاش المفتوح والحر؛ فالمشروع الإخواني ينفي وجود المجال السياسي، وفي أحسن الأحوال يعدُّه ملحقاً ومكوناً ثانوياً للنشاط الدعوي؛ وعليه فقد يكفي دعوة الناس إلى اتباع حياة فاضلة حتى يتحقق المجتمع المنشود وبصفة آلية تتبعه السلطة السياسية دون ضرورة خوض أي معركة سياسية.

 

وتتمثل خطورة المشروع التعليمي الإخواني في أنه يلغي الفكر المعارض ويعتبر حاملي هذا الفكر منحرفين وخارجين عن طريق الصواب ويجب محاربتهم. فهذه اليوتوبيا التي يعمل الإخوان جاهدين ومنذ تسعين عاماً على تنفيذها تشبه غيرها من اليوتوبيات الدينية منها أو العلمانية. 

ومن أشهر تلك اليوتوبيات خلال القرن العشرين والتي تسببت في مآسٍ انسانية مفجعة، النازية والشيوعية؛ فالمشتَرك بين هذه اليوتوبيات أنها تصور لمعتنقيها بلوغ هدف أسمى، وهو مجتمع خال من الصراع والظلم والأنانية، حيث يحقق كل فرد فيه نفسه ويشبع رغباته. فالشيوعية تصور المرحلة الأخيرة للتطور البشري في أن يكون هناك مجتمع تنعدم فيه الطبقات الاجتماعية، ويزول فيه الاستغلال، ولا ضرورة فيه لوجود الدولة حيث إن الأفراد ينظمون أنفسهم في جماعات تسير نفسها ذاتياً معتمدين في كل ذلك على استبطان الأفراد للقيم والأخلاق الشيوعية. 

 

والنازية بدورها قدمت للشعب الألماني متخيَّلاً لمجتمع مثالي قائم على نقاء العرق وصفائه، عرق يقع على هرم الأعراق ويتفوق عليها. 

 

والأيديولوجة الإسلاموية بشكل عام والإخوانية بشكل خاص، هي الأخرى تبني أيديولوجيتها على مجتمع مُتخيَّل لا تاريخي، مجتمع "المدينة المنورة" في بداية أيام الرسول محمد ﷺ والخلفاء الراشدين من بعده.