رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مشروع الشام الجديد».. ضرورته اقتصاديًا وسياسيًا

عقدت القمة الثلاثية الأخيرة في بغداد بين مصر والعراق والأردن، وهي القمة الرابعة في إطار مشروع الشام الجديد والذي من المخطط له أن يضم أكبر عدد من الدول العربية مستقبلًا، ويقوم على أساس التفاهمات والمصالح الاقتصادية في المقام الأول من منطلق الاقتداء بالنسق الأوربي لإتاحة سهولة تدفقات رأس المال والخبرات التكنولوجية بين البلدان الثلاثة على نحو أكثر حرية. ويعد هذا بمثابة صيغة جديدة في منطقة مضطربة تعاني من تدخلات بعض القوى الإقليمية والدولية فيها. وتتطلع مصر في إطار هذا المشروع إلى زيادة حجم التعاون والتبادل الاقتصادي، والمساهمة بشكل فعال في الارتقاء باقتصاد الدول الثلاث وتحقيق المنفعة المتبادلة. 
ويمكن القول إن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الثلاث بتعدد مجالاتها جيدة إلى حد ما، وإن كان يمكن تطويرها لتصبح أكثر قوة. وفي ظل امتلاك البلدان الثلاثة لكثير من الإمكانات الخاصة الواعدة بخلق فرص أكبر للتقدم، من الممكن أن تتطور العلاقات المستقبلية في مشروع الشام الجديد، الذي يقوم بالأساس على التعاون الاقتصادي ذي الأبعاد السياسية والأمنية. وفي ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، سيهدف مشروع الشام الجديد إلى تحقيق أدوار ريادية في المنطقة وبخاصة لكل من العراق ومصر باعتبارهما دولتين مركزيتين في الإقليم، وذلك من خلال المردود الاقتصادي المتوقع لهذا المشروع، ومن ثم تعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية وتفعيل الآليات الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية. ومعني ذلك أن مصر تحاول  تأسيس كتلة موحدة سياسية واقتصادية، مع الأردن والعراق، ووجود الأردن في منتدى شرق المتوسط للغاز ومقره بالقاهرة يجعل مصر مستفيدة بشكل كبير في ظل حاجة الأردن إلى مصادر متنوعة من الطاقة كالغاز من مصر، وحاجتها أيضًا لنفط العراق، ومن ثّم يعد هذا المشروع تحالفًا استراتيجيًا يشكل نواة استقرار لهذه المنطقة في ظل التغيرات التي تحاول بعض الدول في الإقليم إحداثها، كما أن العراق يحتاج إلى استقرار أمني وإقليمى في ظل التوترات والفراغ السياسي الذي لحق به منذ عام 2003، ومحاولات بعض الدول الإقليمية والدولية تحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات بينها.
 
وقد تم التوقيع بين العراق ومصر على إقامة مدن صناعية واقتصادية مشتركة، وهو ما يدخل الدولتين في مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي العربي التكاملي، يعد بقيام السوق المشتركة بين الدول الثلاث، وبالتالي زيادة حجم التبادل التجارى، وما يترتب عليها من تشجيع للشركات والمصانع على رفع مستوى إنتاجها، وهو الأمر الذي يساعد في دعم الاقتصاد وتنميته، وخلق محفزات استثمارية جديدة، وبالتالي فرص عمل جديدة ومتنوعة، مما يسهم في تحقيق الاستفادة لجميع الأطراف. 
مصر تمتلك خبرات في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى موقعها على البحرين المتوسط والأحمر، وامتلاكها لكتلة بشرية كبيرة مما يعني وجود عمالة كثيفة ومدربة منخفضة الأجر. أما العراق فلديه موارد نفطية هائلة بالإضافة إلى بعض المعادن بالغة الأهمية مثل الفوسفات، والفحم والذهب والفضة، فضلًا عن الغاز. وهذه الإمكانيات الاقتصادية تمثل خطوة هامة في التكامل بين الموارد والطاقات العربية، مما يساعد على تعميق العلاقات الاستراتيجية لتكون قادرة على مواجهه تحديات المنطقة وتحولاتها، وفي مقدمتها تمدد القوى الإقليمية الأخرى غير العربية، التي تستغل حالة الوهن والضعف في الإقليم العربي بهدف خلق واقع جديد في المنطقة.
كما أن القيام بمد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم إلى نويبع بمصر الذي بالأساس يقوم عليه المشروع، سيفتح أسواقًا جديدة للطاقة بالمنطقة، ويغير من الخارطة الخاصة بهذا المجال، حيث سيخلق ممرًا بديلًا لنقل النفط والغاز من الشام والخليج إلى أوروبا بدلًا من مضيق هرمز، وهو ما يساعد العراق على استعادة تماسك الدولة العراقية، وأن تصبح فاعلًا في قضايا المنطقة ومستقبلها السياسي والاقتصادي. بالإضافة إلى مشروع الربط الكهربائي والذي يحتاج إليه العراق بشكل كبير، ويمكن لمصر أن تمده بحاجته في هذا المجال. 
وأخيرًا فإن اتجاه الدول الثلاث إلى قيام هذا التحالف يعني محاولة البحث عن استراتيجيات جديدة وفتح آفاق تساعد على تعظيم الأهمية السياسية للدول الثلاث في ظل سياسة المحاور الإقليمية، التي تعبر عن طموحات إمبراطورية. المهم أن تتوافر الإرادة السياسية لإنجاز هذا التحالف، وأن تستطيع الدول الثلات تجنب المحاولات التي يتوقع أن يواجهها المشروع، من قوى متعددة من خلال إدارة سياسية عقلانية ورشيدة.