رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التقارب المصري العراقي الأردني

تمخض عن القمة التاريخية التي عُقدت في العراق يوم 27 يونيو، بين زعماء مصر والأردن والعراق، العديد من المخرجات الإيجابية التي يمكن البناء عليها في المرحلة المُقبلة بما يضمن زيادة مساحة "التنسيق والتعاون" العربي، وقد أعقب القمة جدل مفاهيمي بين بعض النخب السياسية العربية، حول مُسمى هذا التعاون الثلاثي بشقيه الاقتصادي والسياسي، فهنالك من شكك في مُسمى "الشام الجديد" لأن الشام مصطلح يتم إطلاقه على الكتلة الجغرافية التي تشمل دول: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وبالتالي فمصر لا تُعتبر جزءاً تقليدياً من الشام من الناحية الجغرافية، وهنالك من ذهب إلى تسمية هذا التعاون بـ "مشروع الشرق الجديد"، لكن هذا المصطلح سيواجه اعتراضات وتحفظات لأنه لا يشمل دول الخليج والمغرب العربي، وبعيداً عن هذا الاختلاف الذي لا يتجاوز حدود التنظير، فالقمة الأخيرة تعتبر استكمالاً للمباحثات المكثفة التي جرت بين الدول الثلاثة في السنوات الأخيرة، وتمثل تدشيناً لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الوثيق بين الثلاثي العربي، كما أشار الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في كلمته في الجلسة الافتتاحية لقمة بغداد.
الملاحظ أن القمة الثلاثية لم تقف عند حدود التشاور حول سبل دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتنموية بين الدول الثلاثة، وإنما امتدت لتشمل ملفات عربية أخرى، مثل: الملف الليبي، والملف السوري، والقضية الفلسطينية، وملف المياه (من منطلق كونها أحد التهديدات المتعاظمة بالنسبة للأمن القومي العربي)، وملف مواجهة الإرهاب، وهي المباحثات التي تعكس أن مفهوم التعاون لدى الزعماء الثلاثة يتجاوز حدود الاقتصادي والتنموي، إلى السياسي والاستراتيجي، بما يدعم العمل العربي المشترك، في ضوء متطلبات الأمن القومي العربي، وهي المتطلبات التي تقتضي التحرك في ثلاث مسارات رئيسية بشكل متوازي: الأول يتمثل في مكافحة الإرهاب وهي العملية التي يجب أن تقترن بمواجهة منابع هذا السلوك وجذوره الفكرية مع التحرك لبناء نموذج معرفي أصيل، والثاني يتمثل في التحرك الفعال إزاء قضايا المنطقة مع الإلتزام بمفهوم الدولة الوطنية ووحدة وسيادة الدول خصوصاً في ظل تنامي نشاط الفاعلين المسلحين من غير الدول، وزيادة التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية لا سيما الدول التي تعاني من أزمات بنيوية وحروب واقتتال، والمسار الثالث هو المسار التنموي، وهو المسار التشاركي بين الدول العربية بما يدعم فكرة التكامل العربي، وهو المسار الذي يجب أن يقترن بتوجه إصلاحي يعزز من منظومة الحكم الرشيد.
وحسب مخرجات القمة، سيقوم التعاون بين الدول الثلاثة، على أساس "النهج التكاملي" وذلك في ضوء تميز كل طرف من الأطراف الثلاثة بمميزات نوعية يمكن أن تُوظف في إطار الشراكة، بما ينعكس بتداعيات إيجابية على شعوب هذه الدول، فمصر مثلاً تمتلك العنصر البشري، والتجربة المتميزة في العديد من المجالات خصوصاً تلك المرتبطة بالبنية التحتية وهي المميزات التي يحتاجها العراق في عمليات إعادة الإعمار، والعراق دولة تمتلك موارد نفطية ضخمة بما يوفر الغطاء المالي للمشروعات الاقتصادية والتنموية التي ستُقام في إطار الشراكة الثلاثية، أما الأردن فهو حلقة الوصل الجيوسياسية بين مصر والعراق، فضلاً عن أنه دولة ذات اقتصاد واعد.
وقد أكد البيان الختامي للقمة، على جملة من الأمور التي تعكس دلالات مهمة، على النحو التالي:
1- حمل مضمون البيان الختامي، وحديث الزعماء الثلاثة في القمة، إشارات واضحة إلى رفض التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية، كما عكس هذا البيان وجود رغبة خصوصاً من مصر والأردن على عدم ترك الدول العربية فريسة التدخلات الإقليمية، وهو الأمر الذي يعني أن دولة كالعراق بالانفتاح على مصر والأردن سوف تسعى إلى تبني سياسة خارجية متوازنة، تضمن عودتها وانفتاحها على حاضنتها العربية، وتحييدها تدريجياً عن سياسات المحاور والتكتلات، وربما يعزز هذا التوجه وجود مؤشرات على تغيرات يشهدها الإقليم، حيث مساعي الدول العظمى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ووجود مباحثات سرية بين السعودية وإيران، وقمة العلا الأخيرة وما ترتب عليها من إعادة ترتيب للبيت العربي والخليجي، ومساعي تركيا ورغبتها في بناء تفاهمات مع دول كمصر والسعودية.
2- بجانب التعاون الاقتصادي الكبير الذي سيترتب على هذا التنسيق، يحمل هذا المشروع خريطة جيوسياسية جديدة لمنقطة الشام ككل، بعد أن وسّع المشروع رقعة مساحة الشام الجغرافية كي تشمل دولة بحجم مصر، وبالتالي فالمشروع يربط مصر بدول الشام جغرافياً قبل أن يكون ربطاً اقتصادياً.
3- هذه النقلة النوعية في مستوى وحجم التعاون بين الدول الثلاثة، قد تكون بداية لتحالف عربي جديد، خصوصاً مع رغبة مصر والأردن في عدم ترك الدول العربية كفريسة للقوى الإقليمية، وهو ما يعني إمكانية انضمام فاعلين آخرين لهذا الإطار التعاوني، مثل: سوريا.
بالرغم من كون الحراك المصري – الأردني – العراقي، نقطة إيجابية في اتجاه العمل العربي المشترك، إلا أن هذا التحرك سيواجه عدداً من التحديات المرتبطة برفض بعض القوى الإقليمية له، خصوصاً إيران، فضلاً عن بعض التحديات الفنية والاقتصادية، لكن يمكن تجاوز هذه التحديات في ظل توافر الإرادة السياسية، مع توظيف السياق الإقليمي الذي تشير بعض المؤشرات إلى توجهه نحو "التهدئة" من أجل الدفع باتجاه تعزيز النهج التعاوني والتكاملي بين الدول الثلاثة، وتوسيع هذا الإطار ليشمل دولاً أخرى، بل وربما التحرك من أجل خلق تسويات إقليمية.