رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تحقق 117 مليار جنيه سنويا من شبكة الطرق

أتذكر حين كنت أعمل في القاهرة وأسكن في بنها، قبل أن أقيم بشكل دائم في القاهرة، أن الطريق الزراعي كان يتطلب مني جهدًا جسديًا، ونفسيًا، وعصبيًا في الذهاب والعودة أكبر من جهد العمل الوظيفي. كان الطريق مليئًا بالحفرات ومتكدسًا مما يعني أنه بالإضافة إلى الجهد، ضياع ساعات طويلة في قطع مسافة قصيرة كان يمكن اختصارها، وهو ما تم بالفعل الآن بعد إنشاء طريق بنها الحر، الذي يمكن قطعه في نصف ساعة بدلًا من ساعتين في الطريق القديم. 

ومن المعروف  في العلوم الاقتصادية والاجتماعية أن شبكات النقل تمثل العصب الرئيسي الذي تقوم على أساسه برامج التنمية، وفي هذا الإطار تنفذ مصر استراتيجة كاملة لتطوير منظومة النقل من خلال خطط واضحة تشمل كافة القطاعات الاقتصادية لتحقيق الترابط والتكامل. وتسهل شبكة الطرق حركة التجارة بوجه عام والتجارة الداخلية بوجه خاص، وهو ما يتضح في نقل البضائع بين المحافظات، كما أن منظومة ربط الموانئ بالطرق والتي تجمع بين البر والبحر ستسهم في حركة التجارة الدولية واستعادة دور مصر كناقل دولي. وفي هذا السياق ووفقاً للبنك الدولي، ساهمت التجارة بأكثر من 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2019، كما أن غرفة الشحن الدولية أشارت بأن 90٪ من أعمال التجارة العالمية تمر من خلال الشحن البحري، وهذا يعني أن عمليات الشحن في الموانئ المستقبلة ستحظى بأهمية كبيرة وتشكّل عاملًا هامًا في بنية الاقتصاد العالمي.

 وهكذا ستحقق هذه الشبكة من الطرق الجديدة كثيرًا من الأهداف الاقتصادية، وذلك في إطار رؤية مصر(2030)، ولعل أهم هذه الأهداف ربط المناطق الصناعية بالمدن السكنية القائمة والمدن الجديدة على السواء، وربط موانئ البحار بالطرق البرية مما يختصر وقت نقل البضائع، بالإضافة إلى العمل على تفريغ المناطق المكدسة بالسكان بنسبة تصل إلى 25% والعمل على توزيعها بشكل أفقي على مستوى أنحاء الجمهورية، فالنمو السكاني في مصر في زيادة مطردة حيث يولد طفل كل 13 ثانية!!. وفي هذا السياق أشار البنك الدولي أن منطقة القاهرة الكبرى تضم حوالي خمس سكان مصر – ما يزيد عن 20 مليون شخص - ومن المتوقع أن يرتفع إلى ما يزيد 24 مليونًا بحلول عام 2027، وهو ما يمثل ضغطًا على البنية التحتية بشكل عام. ومن الطبيعى في ظل هذا النمو السكاني المتزايد أن تتضاعف أرقام السيارت الخاصة المملوكة للأفراد، والعامة التي تضطر الدولة إلى تسييرها من أجل خدمة المواطنين من محدودي الدخل. فضلًا عن زيادة سيارات النقل الصغيرة والمتوسطة التي تنقل البضائع.

تختصر شبكة الطرق الجديدة في المتوسط نسبة تتراوح ما بين 23% إلى 25% من أزمنة الرحلات. وفي إطار تأثير الطرق على حركة التجارة والاقتصاد، حققت مصر مكاسب اقتصادية تصل إلى 500 مليون جنية يوميًا أي ما يصل إلى 117 مليار جنية سنويًا جراء تراجع أزمنة الرحلات، وبالتالي على المدى الزمني القصير والمتوسط، يساهم ذلك في أن يصبح الأفراد أكثر إنتاجية. مصر أيضًا استطاعت تحقيق زيادة تصل إلى الضعف في حركة انتقال السلع حيث ارتفعت إلى 3.3 مليون طن بعد أن كانت 1.5 طن يوميًا، بالإضافة إلى زيادة المنقول من الصادرات إلى ثلاثة أضعاف فوصلت إلى 260 ألف طن يوميًا مقارنةً بـ 84 ألف طن، كما أن التجارة البينية بين مراكز الإنتاج في المدن المختلفة ازدادت بحوالي 27.8%، وهو ما يسهم في حدوث تكامل اقتصادي بين المحافظات والمدن المختلفة.

ثمة شق اقتصادي آخر يمكن النظر إليه وهو توفير العملة الصعبة، بسبب تراجع استهلاك البنزين بنسبة تصل إلى 25%، إذ تستهلك مصر ما يقرب من 17 مليون طن من المنتجات البترولية، ستصل إلى 12.7 مليون طن في إطار تطوير شبكة الطرق، وهو ما يزيد من حصيلة النقد الأجنبي لدى البنك المركزي مما ينعكس إيجابًا على الناتج القومي. كما أن هذه الطرق ستساعد على جذب الاستثمارات في ظل الاتفاقيات الاقتصادية سواء العربية أو الأفريقية، وبالتالي لا تنحصر الجدوى الاقتصادية لهذه الطرق على المستوى الداخلي فقط بل تمتد إلى المستوى الإقليمي. بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية هناك أيضًا مكاسب إنسانية حيث تراجعت حوادث السيارات بنسبة تقرب من 44%، كما تراجع استيراد مصر من قطع الغيار إلى 34.6 مليون دولار في الربع الأول من 2020 إن أردنا المقارنة مع نفس الفترة لعام 2019 والتي قدر فيها بـ 39 مليون دولار.

بعض المواطنين قد يرون أن هذه الشبكة الجديدة كانت في حاجة إلى بعض الإضافات، إضافة تخص تحديد مناطق عبور المشاه على سبيل المثال، وإضافة لها علاقة بالحذر في أن لا تمس بعض المباني القديمة التي اعتاد وجودها المواطنون، لكن هذه الملاحظات لا تنفي أن مصر كانت في حاجة ماسة إلى هذه الاستراتيجية الجديدة التي يتوقع أن تحدث نقلة اقتصادية كبرى.

  • باحثة اقتصادية