رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عطايا بيرم التونسى

تعرفت إلى الأستاذ سيد عنبة قبل ثلاثين عامًا عن طريق الشيخ إمام عيسى، وتوطدت علاقتى به فى بيت أحمد فؤاد نجم، ولمست إخلاصه للراحلين الكبيرين طوال هذه السنوات، لقد نجح فى توثيق ألحان الشيخ وقصائد الفاجومى، من خلال «جمعية محبى الشيخ إمام» التى أسسها ودافع عن وجودها وعانى ماديًا ومعنويًا لكى تظل ذكراهما ناصعتين.

لقد نجح هذا الرجل بمفرده تقريبًا فى إنجاز عمل يحتاج إلى مؤسسة، وقبل خمس سنوات اكتشف كنزًا عظيمًا غير موجود فى المكتبة العربية، وهو سيرة الظاهر بيبرس كما رواها عظيم الشأن بيرم التونسى، هذا الكنز صاغه الشاعر الكبير فى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى بعبقرية وفهم عميق لملحمة الجهاد التى قادها بيبرس ضد الأخطار التى واجهت الأمة، وقد أُذيعت هذه السيرة فى حلقات إذاعية على جزءين: الأول فى ١٠٠ حلقة، زمن الحلقة نصف ساعة، أما الجزء الثانى فكان فى ٨٨ حلقة مدة الحلقة ربع ساعة، وقد تُوفى التونسى فى ٥ يناير عام ١٩٦١ أثناء إذاعة هذه الحلقات، وبالتحديد بعد إذاعة الحلقة رقم ٧٩ من الجزء الثانى، وكان قد سبق له الانتهاء من الكتابة حتى الحلقة ٨٧، فأكمل الشاعر عبدالفتاح مصطفى وكتب الحلقة ٨٨، سجل «عنبة» فى البداية عددًا من الحلقات كانت تُذاع فى البرنامج الثانى وقام بتفريغها على الورق، وكان من الصعب الوصول إلى باقى الحلقات فى دهاليز الإذاعة رغم تدخل عدد من الأصدقاء النافذين، ولولا حماس الدكتور عبدالرحمن حجازى، رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية والمسابقات بالمجلس الأعلى للثقافة «الذى رحل قبل أسابيع قليلة بسبب الوباء اللعين»، لما خرج هذا الكنز إلى النور، لقد خاطب الرجل النبيل رئيس الإذاعة والهيئة الوطنية للإعلام للسماح لرجل فى العقد الثامن من العمر بزيارة مكتبة الإذاعة وتفريغ الحلقات الناقصة وكتابتها على الورق فى شهر كامل، تحمس الدكتور هيثم الحاج على للمشروع وصدر الجزء الأول من السيرة قبل أسابيع تحت عنوان «نشأة البطل»، تتميز سيرة الظاهر بيبرس عن غيرها من السير الشعبية مثل «السيرة الهلالية» و«الزير سالم» و«عنترة» بأنها تروى سيرة حاكم له تاريخ موثق، واستمر فى الحكم أكثر من سبعة عشر عامًا «١٢٦٠ إلى ١٢٧٧»، وأيضًا بطل جسّد معنى البطولة فى معارك حربية حقيقية تعتبر من أشهر معارك الأمة فى العصور الوسطى، بدءًا من معركة المنصورة التى أُسر فيها لويس التاسع عشر، مرورًا بمعركة عين جالوت، إلى جانب معاركه ضد الصليبيين وانتزاع مدينة أنطاكية، أهم حصونهم فى الشرق، وأيضًا معاركه ضد المغول ومطاردته لهم فى عقر دارهم، تحوّل بيبرس المولود فى بلاد القفجاق «كازاخستان حاليًا» إلى بطل أسطورى يروى سيرته شعراء الربابة وقصاصون محترفون فى مقاهى القاهرة ودمشق، وكانت تسمى «المقاهى الظاهرية»، بيرم التونسى بموهبته العظيمة وخياله الوثاب ومعرفته بالتاريخ والجغرافيا نجح فى صياغة ملحمة عظيمة، وكتب فى آخر سطور من مذكراته أن الرئيس جمال عبدالناصر كان له الفضل فى إعادة إذاعتها بعد وشاية تؤكد أن بها إسقاطات على الواقع، قام بإخراج الجزء الأول السيد بدير، حيث أخرج الحلقات من ١ إلى ٨٧ ثم ثلاث حلقات من إخراج أنور المشرى وبعدها محمود السباع حتى الحلقة المائة، وتناوب على إخراج الجزء الثانى أحمد أبوزيد ويوسف حجازى ومصطفى صادق ومحمد يوسف، وقام بدور الظاهر بيبرس صلاح منصور، وشارك عدد كبير من نجوم هذا الزمان فى هذا العمل الفريد، وقام بدور الراوى وأداء الأشعار على الربابة شاعر الربابة الأشهر السيد فرج السيد، تحية واجبة لسيد عنبة الذى أنجز هذا العمل، ولهيثم الحاج على الذى نشر.. وألف رحمة ونور على روح الدكتور حجازى الذى قدم أيضًا للسيرة المطبوعة.