رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتبة شيرين ماهر: مراجعات الكتب أصبحت مرهونة بالعلاقات والمجاملات

الكاتبة شيرين ماهر
الكاتبة شيرين ماهر

تمتلك الكاتبة شيرين ماهر، رؤى إبداعية متعددة، مابين السرد القصصي والروائي وكذلك النقد السينمائي بالإضافة للعديد من لتميزها في التناول الحسي والجمالي فيما يخص التحليل والنقد لعشرات الأفلام السينمائية العالمية والعربية المصرية، وهي إلى جانب ذلك تكتب مقالا صحفيا بعنوان "بحبر الروح" بجريد المشهد الأسبوعية. 

 

ولها من المؤلفات، ثلاث، ضمن سلسلة كتاب "طيوف" التابعة لدار  نشر "يسطرون"؛ كتابها الأول نثر أدبي بعنوان "ارتجالات حائرة" صدر فى عام 2016، و مجموعة مقالات أدبية تأملية بعنوان "بحبر الروح"، والثالث قراءات تحليلية سينمائية بعنوان "ماستر سين"، وقد صدرا معاً فى عام 2020. 

 

وفي مقابلة مع “الدستور” تتحدث الكاتبة عن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 52، وكذلك المشهد السردي والنقدي وماهيات الجوائز، فإلى نص الحوار:

 

من خلال عرض إصداراتك في الدورة الـ 52 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ليتك تحدثينا عن انطباعاتك ككاتبة وإعلامية في ما هو جديد على مستوى التنظيم والعرض والفعاليات الثقافية هذا العام؟

المعرض من الفعاليات الثقافية الهامة والمؤثرة سنوياً، و يجذب إليه كافة الفئات العمرية ويمثل ملتقى شديد الحيوية للمبدعين والكتاب والمهتمين. وبالطبع كانت إقامة هذا الحدث الثقافي الهام فى ظل استمرار جائحة كورونا هذا العام بمثابة تحدٍ سواء على مستوى القائمين عليه أو المشاركين أو حتى الزوار. ولكن الإطلالة الجديدة التى أطلت بها الدورة الـ 52 للمعرض كانت موفقة جداً، مثل الحجز المسبق إلكترونياً عن طريق الموقع الرسمي للمعرض للتحكم فى أعداد الحضور، وكذلك تحديد حد أقصى للطاقة الاستيعابية لكل قاعة عرض من القاعات الأربعة مع مراعاة مسافات التباعد بين أجنحة العارضين واتخاذ كافة الاجراءات الاحترازية المتعارف عليها من ارتداء أقنعة الوجة والمرور عبر بوابات التعقيم، إلى جانب توفير تطبيق إلكتروني يتيح زيارات افتراضية لأروقة المعرض لتفقد الأجنحة والصالات والمحتويات دون اللجؤ للتزاحم أو البحث ذاتياً داخل الأروقة.. تلك الإطلالة الحداثية بالطبع أضفت أجواءًا أكثر أريحية ومأمونية و إمتاعاً، فى رأيي، وجعلت المعرض أكثر تنظيماً.. أما بالنسبة للفعاليات الثقافية بين المبدعين والمثقفين، خلال هذه الدورة، اتخذت أيضاً شكلاً جديداً، حيث يتم بثها فى مواعيد محددة طوال أيام المعرض على موقع المعرض "أونلاين"، وهو  بالطبع لا يغنى عن التفاعل الحي والمباشر، لكنه بديلاً مقبولاً جداً فى ظل ظروف استثنائية عطلت كثير من مظاهر الحياة الثقافية.

 

تكتبين القصة والرواية والمقال، فأين تجدين ذاتك وأحلامك وأيًا من تلك المسارات تمثل لك مفهوم الخلاص بالنسبة للمبدع؟

المقال يأسرني بطريقة فطرية منذ الصغر، لأنه يشبه جلسات البوح المركزة ويخلق حالة من التماهي الافتراضي بين الكاتب والقارىء ويجعلهما شركاء فى فضاء حياتي واحد. هنا يتسلل الكاتب إلى وجدان قارئه من زاوية التماس الشعورى وتحميل الخبرات على المواقف والأراء ووجهات النظر والحوارية الضمنية مع جمهور القراء. فن كتابة المقال يمتلك انسيابية تعبيرية هائلة يحكمها سياج التكثيف الزمني وتركيز المعاني وامتطاء ألوان شتى من فنون الكتابة دون قيد أو شرط. أما عن مفهوم الخلاص بالنسبة للمبدع، فهو يختلف من مبدع إلى أخر، لكونه، فى الأساس، نتاجاً لشغفه الانساني. ولكن، فى رأيي، تظل الرواية تتربع على هذا العرش الإبداعي، لأنها تمثل عالماً قائماً بذاته، يخلق الكاتب كل معطياته، صانعاً شخوصه و أمكنته وموسيقاه الداخلية و رسائله المنسوجة بعناية التي تستقر فى وجدان القارىء بسلاسة و إمتاع.. الرواية بمثابة "صندوق الدنيا" الذي يحتشد أمامه الجميع، ثم يدفنون رؤوسهم أسفل ستارته الملساء و يحملقون فى لقطاته المتعاقبة. وبعد توقف العرض والمغادرة ، يبقى العرض مستمراً داخلهم. 

 

السوشيال ميديا وتقنيات الهاي تكنولوجي وتأثيراتهما على أشكال الكتابة، كيف ترصدين هذا العالم؟

هذه إشكالية غاية فى التعقيد، لأنها، فى رأيي، تتعدى على الخصوصية الشعورية التي تميز أنماط وقوالب الكتابة الابداعية المختلفة، التى لا تحتاج إلى تقنيات تكنولوجية، بقدر ما تحتاج إلى نفاذ فى مستوى التفاعل البشرى مع معطيات الحياة و الاشتباك مع التفاصيل. الأن تخترق الآلة كل شىء وتغرس أنيابها الفولاذية فى جثمان الملمح الأكثر خصوصية لدى البشر ، ألا وهو ، المنجز الإبداعي. يجب ألا تتعدى التكنولوجيا ووسائل التواصل الرقمي الحديث حدود الترويج والانتشار كأحد آليات الميديا المتعارف عليها، ولكن جنوحها إلى منطقة أكثر عمقاً من ذلك هو ما يشكل خلافية كبيرة.. هناك نماذج حالياً لاختراق الذكاء الاصطناعي و برامج صناعة المحتوى لمضمار الإبداع الانساني. صار من الممكن للخوارزميات كتابة قصيدة أو قصة من واقع المعطيات والمفرادات التى يتم تغذيتها بها، وهو ما يُعرف بـ "مولدات القصائد" التى تستخدم برمجة الكترونية لتوليد المعاني وفق خوارزميات تعتمد على آلية فهم اللغة. هناك أيضاً "منصات برمجة" يمكنها توليد توصيات نقدية بشأن الأفلام القصيرة بناءًا على مراجعات وقراءات سابقة.. لا أشعر أن مثل هذه الآليات تخدم أشكال الكتابة، بل على العكس، تصيب الحس الابداعي بالضمور، ليتوقف تدريجياً عن استجابته الفريدة التى تشبه البصمة الخاصة لكل مبدع على حدا. ففى النهاية، التكنولوجيا ليست سوا خادم يجب تحديد مهامه دون أن يتعداها.

 

عن ماهية الجوائز وتلك الإشكاليات المتمثلة في آليات المنح والمنع التي تتحكم في أشكال الكتابة مصرياً وعربياً، حدثينا عن رؤيتك في هذا الإطار؟

الإثابة فى عالم الكتابة هى أن تقول ما تريد دون قيد أو شرط، و أن تحرر  كل كوامن روحك وتجعلها طليقة على الأوراق. هذه هى الجائزة الأولى التى يظفر بها أى كاتب عندما يطلق سراح أفكاره ويشارك خبراته مع الأخرين. أما فكرة الجوائز الأدبية، فهى مقبولة جداً  كأحد أشكال التقدير المعنوي والمادي لهذا الجهد الانساني المهم والذى لم يلق دعماً مؤسسياً كافياً، لكنها لم تعد معياراً حقيقياً يدلل على جودة المنتج الإبداعي أو  رداءته وليست أداة فاعلة للفرز، خاصة وأن آليات التحكيم تظل غير مفهومة بشكل كبير. ولكن مما لاشك فيه أن تعدد الجوائز الثقافية يخلق أجواءًا من التنافسية التى تكون محمودة وفى بعض الأحيان مذمومة أيضاً، لأنها قد تدفع البعض إلى تصميم أعمالهم بغرض الدخول فى ماراثون الجوائز مما يطغى على القيمة الأدبية الحقيقية لهذه الأعمال. لذلك، أرى أنه لا ينبغي النظر إلى هذه الاعتبارية حال الشروع فى الكتابة، لأننا لا نُصصم أعمالنا وفق هوى الموجات السائدة داخل أروقة التحكيم، بل نغزلها مثل شبكة الصيد العملاقة التى تلتقط من أعماقنا ما نريده أن يرى النور. 

 

علاقتك بتلك التيارات النقدية في مصر، كيف تقيمينها وهذا من خلال التعامل مع نصوصك الإبداعية ومساراتك في الكتابة؟

ربما سأصدمك حين أقول لك، لا علاقة لى بأى من هذه التيارات. ولا أحاول بأى شكل من الأشكال استخدام دائرة العلاقات فى ذلك، خاصة وأن مراجعات الكتب حالياً أصبحت مرهونة، فى أغلبها، بشبكة العلاقات والمجاملات وصارت جزء من سيناريو التسويق والدعاية وليس عملية إبداعية موازية تتخذ مسافتها من العمل لوضعه على طاولة التحليل والتفنيد. لطالما رأيت أن العمل النقدي هو العين المجهرية التى تتمم رحلة الكتابة الابداعية وتكسبها بعداً عميقاً نافذاً بكل التوقفات التى يرصدها الناقد عبر  جولة التحليل الفنى والأدبي للعمل. للقراءات النقدية مذاق مكثف وقيمة مضافة لا يكتمل نصاب الكتابة الابداعية إلا بها . لذلك أحسبها من ألوان الكتابة الهامة جداً، والتى تحتاج إلى إعادة توجيه لتعود دفتها إلى مسارها الذى يجب أن تكون عليه لإثراء الساحة الثقافية دون إعطاء وزن سوى للاعتبارات المهنية والفنية فقط.

 

بدأتِ تدشين مشروعك الأدبي من خلال مقالات في السينما والفن كانت تنشر في بوابة الحضارات، فما هو تأثير تلك المرحلة في سيرتك الكتابية؟

سلسة "ماستر سين" أعتبرها من أهم المراحل التى أفرجت عن شغفي المتراكم تجاة أشرطة السينما الدائرة في رأسي منذ طفولتي و سطوة العرض الأول التى لم تنطفىء حتى الأن. كان دافعي الرئيسي لكتابة هذه السلسلة أن أضىء قنديلاً فى الممر المُعتم، خاصة بعد أن باتت السينما ليست بوهج و ألق الماضى وصار يحكمها مبدأ العرض والطلب بعيداً عن المضمون والرسالة. لاحظت أيضاً أن هناك ضرورة أن نقدم للجمهور ما أسميه "مبادىء التثقيف السينمائي"، ولكن ليس فى صورة وصايا ونقاط استرشادية، وإنما عبر مُشاهدة جديدة بعين جديدة وتوقف جديد، و ربما رسائل جديدة أيضاً.. فعندما كنت أشاهد فيلماً، أشعر كأنني فى جلسة تأمل، عيني تظل مثبتة على الشاشة وأذني تتابع إيقاع الموسيقي المنسابة مع الأحداث ومع إيماءات الشخصيات ونص الحوار وما شابه ذلك من تفاصيل. ذلك الاشتباك بالحواس يدخلك فى تجربة حياتية مليئة بالمتعة والنهم. تكون فى تلك اللحظة متفتح المسام للتشبع بالرسائل. مثل هذه التوقفات أحببت مشاركتها مع القراء والمهتمين لتربية جمهور بدأت تتآكل لدية ماهية الرسالة السينمائية ذاتها.

 

ماهو جديدك القادم؟ 

"ماستر سين" يظل يستحوذ على قلمي وشغفي، وهو بالفعل "مشروع أدبي" أمضي فى تأسيس خطواته، خاصة وأنه يستهدف الجيل الذى لا يعرف شيئاً عما  نتحدث عنه. جيل علاقته بالسينما يمكن اختزالها في أفلام "العشوائيات" وما إلى غير ذلك من محتوى فني ضعيف. وهو فى الواقع، جيل مظلوم، ليس لديه سوى الماضي كى يسترشد به لتحسن ذائقته، والتقاط التجارب القليلة الآنية التى أفلتت من إعصار الركاكة. سأطرح الجزء الثاني من كتاب "ماستر سين" فى معرض الكتاب القادم أن شاء الله، وستكون هناك توقفات، ستفاجىء القراء والمهتمين، لكنها تستكمل ذات الخط الذى تحدثت عنه فى الجزء الأول.