رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب محمد علام: لا وجود للأبطال في قصصي والشخصيات مجرد أشباح على هامش العالم (حوار)

محمد علام
محمد علام

لم تكن مقولة «زمن الرواية» للناقد الدكتور جابر عصفور؛ اعتباطية أو من صنع ظاهرة ليست موجودة في الواقع، وخلال عقدين من بداية الألفية الثالثة، بدأ يلوح ما يؤكد صحة تلك المقولة، وتصدر فن الرواية المشهد الثقافي العربي على حساب الأجناس الأدبية الأخرى، ولكن هناك من غردوا خارج السرب واختاروا السباحة ضد التيار واتخذوا من فن القصة القصيرة عنوانا لإبداعاتهم الأدبية ومنتجهم الثقافي، من بينهم الكاتب الشاب محمد علام الذي التقت به “الدستور” للحديث عن مشاركته في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب بمجموعته القصصية "نهايات صغيرة"، والصادرة عن دار العائدون للنشر في الأردن، وتأتي بعد مرور خمس سنوات على صدور مجموعته القصصية الأولى “البنت التي تغتال الحكايات”، عن دار ميم للنشر، في الجزائر، في عام 2016.


- لماذا القصة القصيرة رغم أنه زمن الرواية وصعوبات نشرها وتلقيها؟ حتى أن مجموعتيك الصادرتين كانتا خارج مصر؟

مسألة أننا في زمن الرواية، غير مفهومة بالنسبة لي، ما هو زمن الرواية؟ وماذا يكون؟ ما أعرفه أننا نعيش في زمن فيه الرواية، والقصة والشعر والمسرح، والسينما والموسيقى، ولو أردنا أن نقيس الأمر بمقياس الانتشار، فكان الأصح أن نقول إننا في عصر الصورة. 


مسألة النشر خارج مصر مغامرة غير محسوبة العواقب، لها نقاط قوة ونقاط ضعف، في الوقت الذي كنت أبحث فيه عن دار تتحمس لتجربتي الأولى في ميدان القصة القصيرة -بعيدا عن قوائم النشر الحكومي التي تقطع الأمل، أو استغلال دور النشر الخاصة لشعار «القصة ليس لها قارئ»- كان هناك العديد من الكتاب العرب يتكالبون على إصدار كتبهم في مصر، ولذلك لا أعتقد أن الجزائر أو الأردن كانتا اختيارًا بعينه، بقدر ما كانتا محاولة لعلاج عجز الداخل عن احتوائنا، وإيفاء الكاتب حقوقه المعنوية والمادية كما ينبغي.

ــ من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
قرأت لكثيرين، وتأثرت بالكثيرين. كل كاتب قرأت له كنت أكتشف معه أن القصة القصيرة عالم شديد الاتساع، يمكنه أن يستوعب مليون كوكب مثل كوكبنا، وأعتقدُ أنني حينما أتأمل قراءاتي، أجده تتطور تطورًا طبيعيًا مع تقدمي في السن، وقدرتي على إدراك تطور العالم من الكلاسيكية إلى الحداثة وما بعدها، ولذلك أجد في أعمق نقطة في ذاكرتي كتابات عالقة لأنطون تشيكوف، ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وإدجار آلان بو.

- ما الذي لفتك إلى الاهتمام بالقصة القصيرة؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها؟

 
كنت أتعامل مع القصة القصيرة، كما تعامل معها الكتاب الكلاسيكيون مثل يوسف السباعي وعبد القدوس ويوسف إدريس، كنت أضغط حكاية مكتملة (الحدوتة) في عدد قليل من الصفحات، معتقدًا أن القصة القصيرة، هي مجرد حكاية صغيرة، ولكنني أذكر أن في بدايات ترددي على النادي الأدبي في الجامعة، طوى الدكتور أشرف عطية آخر صفحة من أولى تجاربي في القصة، وقال: إنها قصة جيدة، ولكن ليست مدهشة. ونبهني حينها إذا أردتُ أن أكتب القصة القصيرة فلابد أن أغرق فيها وأن أعيش مع كتابها.. وهذا ما حدث. 

- هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي أو طرق كتابته؟ 
قرأتُ الكثير عن القصة، بداية من الكتاب الكلاسيكي لـ إم فورستر، وحتى كتاب الصوت المنفرد لـ فرانك أكونور، والذي مازلتُ اعتبره كتابا مفصليا في التأطير للقصة القصيرة بعيدًا عن وضعها طوال الوقت في مقارنة مع الرواية. أتابعُ الجديد في نقد القصة القصيرة، وتأثرتُ كثيرًا بكتابين يقفان على تقنيات التجريب في القصة القصيرة: كتاب «الظواهر الفنية في القصة القصيرة المعاصرة» للدكتور مراد عبد الرحمن مبروك، وكتاب «تداخل الأنواع الأدبية في القصة القصيرة المصرية» للدكتور خيري دومة، وأيضًا من نماذج الكتب التي أراها شديدة الأهمية وينبغي تكرارها باستمرار، كتاب «وجهات النظر في القصة القصيرة» للدكتور أحمد شفيق الخطيب، والذي شرح فيه 11 وجهة نظر فنية لتناول الأحداث في القصة القصيرة، من خلال التطبيق على 11 قصة قصيرة مترجمة من الأدب المكتوب بالإنجليزية.

وفي الوقت الراهن أرى أن ما يقدمه الدكتور عمر العسري من المغرب من دراسة وتحليل لظواهر وتقنيات التجريب الحديثة بالتطبيق على نماذج قصصية جديدة ومعاصرة؛ مشروع شديد الأهمية وينبغي متابعته بعناية.

- كيف يكون مدخلك إلى القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك إلى الحدث أم إلى الشخصية؟ 


التقنية الجديدة، هي ما أبحث عنه، لا يهمني عن ماذا سأكتب، بقدر أن أجد طريقة جديدة للتعبير عما أريد في كل قصة، لا تشغلني كثيرًا مسألة الموضوع والأحداث، والزمن والمكان. سأكتبُ عن كل شيء، وأي شيء، عن ولد أحب فتاة على سبيل المثال، فقبل الميلاد كانت هناك قصة تُستحق أن تُروى عن ولد أحب فتاة، وبعد ألف عام، بالتأكيد ستظل هناك قصة تُستحق أن تروى عن ولد أحب فتاة، ولكن كيف ستروى هذه القصة في كل مرة؟ هنا تكمن المسألة.

- كيف تري مستقبل هذا النوع الأدبي؟ 
أرى أن الفترة الحالية تؤسس لنوعية جديدة من التلقي. فالكتابات الجديدة التي أتابعها، أرى أنها لا تسلم نفسها إلى القارئ بسهولة من القراءة الأولى، وأرى أنها تجاوزت الحكاية الإدريسية، إلى آفاق التجريب اللانهائي عند يحيى الطاهر عبد الله، والولع بتأسيس نظرة جديدة للعالم غير نظرة نجيب محفوظ، بل أن هناك سباقًا محتدمًا ألاحظه في كل مرة بين الكتابة والصورة، والولع بتطوير تقنيات السينما في الكتابة السردية عمومًا.

- أول كتاب شعجك علي الكتابة؟ 
ما شجعني على الكتابة في البداية، هو عدم اقتناعي بنهاية سلسلة رجل المستحيل لنبيل فاروق والتي ختمها في العدد 160، وأذكر إنني أول ما كتبت رواية قصيرة عن رجل المستحيل ووضعت عليها العدد 161، وكتبت حينها النهاية التي ترضيني، ربما هذا الشعور بعدم الرضا، وإدراكي أن لدي جديدًا أقوله طوال الوقت هو ما دفعني إلى الكتابة.

- أغرب موقف قابلته في الوسط الثقافي؟
هذا السؤال من نوعية السؤال الفخ. لأن كلمة "أغرب" هنا يفهمها ذهني مرة على أنها أسوأ موقف، ومرة على أنها أفضل موقف. ولكنني عندما تريثتُ بعض الشيء؛ أدركتُ أن المقصود بالسؤال هو نظرتي لسلوك المثقفين الذين شهدتهم. ولكنني أرى أن كل ما هو في حياتنا الثقافية يندرجُ تحت تصنيف «الغريب». في البداية كان لدي تصور رومانسي عن حياة المثقفين في الأرض، اكتسبته من قراءاتي عن النقاشات الفكرية الملتهبة في «مقهى فلور»، وحرافيش كافيه «ريش»، والمعارك الأدبية التي كانت تدور على صفحات الجرائد والمجلات في النصف الأول من القرن العشرين. ولكنني سرعان ما اكتشفت أن واقعي غير ذلك، إن العصر الذي نعيشه سريع للغاية، لا مجال للنقاش، ولا معارك أدبية، بالعكس، لقد رأيت خلال السنين الماضية المثقف رجلا عاديًا له نزواته، واهتماماته السخيفة التافهة، إنه أمر عكس كل تصوراتي تماما. وصرتُ أقابل كثيرين يكتبون ولا يقرأون، وكثيرين يتفاخرون بمجد ضبابي، وعرش من سراب. ودون أن أترك انطباعًا متشائمًا عن كل شيء، ولكنني أعتقدُ أن هذه حالة عامة، إنها أمور تحدث من وقت لآخر في كل مجتمع، فلماذا نحاول أن ننكرها في مجتمعنا؟

- من هو أقرب أبطال قصصك إليك.. وما قصته ولماذا؟ 
لا يوجد في قصصي أبطال بالمعنى الملحمي للبطولة، بل وسأذهبُ لأبعد من ذلك، وأقول إنه لا ينبغي أن توجد في القصة القصيرة شخصية يمكن إدراجها تحت تصنيف البطل الملحمي. وأرى أن كل الشخصيات التي تدور عنها أو حولها القصص؛ هي مجرد أنماط عامة، أو بصيغة شاعرية قليلا؛ مجرد أشباح تعيش على حافة العالم. ولقد وجدتُ نفسي في كتابي الأخير «نهايات صغيرة» مدفوعًا بحمى مجهولة المصدر؛ لتقديم حالات إنسانية، لشخصيات عزلتها هزائمها في الحياة عن كل شيء صاخب في الحياة، فقررت الرحيل، أو ظلت تغوص في داخلها حتى ماتت كمدًا. أما إن كان قصدكِ؛ إذا كنت أجد في بعض الأشخاص في الواقع مادة ملهمة لقصصي، فذلك أمرٌ قائمٌ طوال الوقت، ولا أبالغ إن قلتُ إنني أرى كل شخصٍ ألتقيه في الواقع قصة تمشي على قدمين.

- هل هناك شخصية في فيلم مفضله لك؟ ولماذا؟
أرى شخصية «جيب جامبرديلا» في فيلم «الجمال العظيم» هي الأقرب لي. لا لشيء محدد، ولكن لأنني شعرتُ منذ رأيته أن هذا الشخص العاجز عن إنتاج رواية جديدة، ويعيش على مجد رواية وحيدة كتبها قبل أربعين عامًا، وتهربه الدائم من الإجابة على سؤال لماذا لم تكتب رواية أخرى، يعبر عن مجتمعنا الذي يتهرب من حاضره ويعيش على أطلال مجد سحيق.  

- هل لك موقف مع كاتب أو فنان كبير تذكره دائما؟ ما هو؟ 
هناك الكثير من المواقف البسيطة للغاية، تشغل مساحة عميقة من ذاكرتي. وكلما صادفتُ شخصًا محمومًا بالتكبر والخيلاء، أذكرُ من حين لآخر زيارتي الأولى إلى مهرجان القاهرة السينمائي، كنتُ حينها في عامي الجامعي الأول تقريبًا. ومن بعيد لمحتُ نور الشريف يهرول تجاه المسرح، كنت بجوار باب المدخل تقريبًا، وقد بدا عليه أنه متأخر عن الحفل. وقررتُ التسمر مكاني بجوار الباب، مع التأهب في وضعية كي أعترضه قبل أن يدخل، كانت عيناه مركزتين على الباب، مددت يدي إليه بمجرد ما اقترب مني، لكن الباب فتح فجأة ولمحتُ حسين فهمي وهو يجذب نور الشريف من ذراعه بسرعة إلى الداخل، ثم بدأ الباب ينغلق فجأة وكانت يدي مازال معلقة في الهواء، لم يأخذ الموقف أكثر من 3 ثوانٍ، ولمحت فجأة أن نور الشريف سحب ذراعه من ذارع حسين فهمي، والتقط الباب قبل أن ينغلق، ونظر إلي وابتسم، ولم أشعر إلا وأنا أصافحه، ومازال كل الحب والوداعة في ابتسامته الصافية عالقًا في ذهني حتى الآن.    

- ما هي القصة التي تحلم بكتابتها يومًا ما؟ 
لو أنني أعرف القصة التي أحلم بكتابتها، لشرعت في كتابتها على الفور، ولكنني للأسف لا أعرفها. وكل ما أعرفه أنني أحلم دومًا بكتابة قصة لم يكتبها أحد من قبل.
 

199745047_4198512153505084_9064934042771718220_n
199745047_4198512153505084_9064934042771718220_n
210517031_1032035510959099_7855043630223728497_n
210517031_1032035510959099_7855043630223728497_n