رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

واشنطن بين الدب والتنين

لم ينقضِ سوى أسبوعين بين لقاء الرئيسين الأمريكى والروسى فى جنيف ١٦ يونيو وبين احتفال الصين ١ يوليو بمئة عام على حزبها الذى قاد البلاد على امتداد قرن كامل.. ومع أن حملة شبه عدائية متبادلة سبقت لقاء بايدن وبوتين فى جنيف، أدرجت روسيا خلالها أمريكا فى قائمتها الرسمية للدول «غير الصديقة»، ووصف الجانبان العلاقات بينهما بأنها «فى الحضيض» حتى توقف التمثيل الدبلوماسى على مستوى السفراء- إلا أن قمة جنيف أسفرت عن العثور على نقاط اتفاق غير قليلة، ووصفها بوتين بأنها كانت «بنّاءة»، وأضاف أنه «لم يكن هناك أى نوع من العداء، على العكس من ذلك، أظهر الجانبان محاولة لتقريب مواقفنا»، وقد كان ذلك متوقعًا إلى حد ما بعد انضمام روسيا اقتصاديًا وسياسيًا إلى منظومة الرأسمالية العالمية، وتحول الخلافات من طابعها العدائى القديم إلى خلافات الأقارب. 

المشكلة الحقيقية التى تواجه واشنطن ليست الدب الروسى، بل التنين الصينى بدوره ونموه الاقتصادى المتضخم.. ويشير تقرير صندوق النقد الدولى «الآفاق الاقتصادية لعام ٢٠٣٥» إلى تراجع الاقتصاد الأمريكى وصعود الاقتصاد الصينى، ويتوقع التقرير أنه بحلول عام ٢٠٣٥ قد تصبح الصين «القوة الاقتصادية الأولى فى العالم» بشعبها الذى يقترب من مليارى نسمة، وحزبها الذى بلغت عضويته مئة مليون فرد، ويبدو أن بكين تشعر بقوتها المرتقبة، ومن هنا قال الرئيس الصينى «شى جين بينج»، فى خطاب الاحتفال بمئة عام على نشأة الحزب: «سيُسحق رأس كل من يجرؤ على الاستقواء على الصين ويُخضب بالدماء على سور فولاذى صنعه ما يزيد على ١.٤ مليار صينى»! 

تتحدث واشنطن عن روسيا لكن عينها على الصين التى يشكل نموها خطرًا حقيقيًا فى عالم المنافسة الحرة والقوة الاقتصادية.. وقد حققت الصين ما حققته بفضل سياسة «السوق الاشتراكية» التى بدأها سكرتير الحزب «دينج شياو بينج» عام ١٩٨٢ وأفسح فيها للقطاع الخاص دورًا رئيسيًا، مع وضع نشاطه فيما يخدم خطط الدولة وتوجهاتها، وفى ذلك كتب الاقتصاديون فى الصين أن السوق لن تحل محل الدولة التى تنهض بالمشروعات الكبرى مثل الكهرباء والمرافق والمياه وغيرها، لكن السوق ستعمل فى مجالات أخرى، وأضاف البعض منهم أن «السوق الاشتراكية» إبداع فكرى صينى، لكن ذلك غير صحيح، فقد توصل الزعيم الروسى فلاديمير لينين إلى تلك الفكرة عندما طرح عام ١٩٢١ «السياسة الاقتصادية الجديدة» التى اشتملت على تجاور القطاعين الخاص والعام، وإطلاق حرية التجارة داخل البلاد، وتشجيع رءوس الأموال الأجنبية على العمل داخل الاتحاد السوفيتى، والاعتراف بالملكية الخاصة التى سبق للدولة أن شطبت عليها، وبلغ الأمر حدًا أن «لينين» كان مستعدًا على حد قوله «لمنح شركات التنقيب عن البترول الأجنبية أكثر من خمسين بالمئة مقابل استخراج النفط». لكن ستالين، الزعيم اللاحق، وأد تلك الخطة ورجع بالبلاد إلى المركزية المفرطة فى الاقتصاد.

فى كل الأحوال تبقى التجربة الصينية جديرة بالدراسة، على الأقل لأنها تتحدث عن حزب استطاع الاستمرار مئة عام، وهذه بحد ذاتها معجزة فى ظل انحسار الفكر الاشتراكى وأحزابه، كما أن ما حققته الصين فى مجالات التعليم والقضاء على الفقر وحتى فى مكافحة وباء كورونا جدير بالملاحظة.. لكل تلك الأسباب فإن واشنطن قد تضع عينها على موسكو لكن يدها على قلبها من بكين.