رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بناء مصر الحديثة بين السلفية الساكنة والديناميكية المتغيرة

كان موكب المومياوات الملكية من المتحف المصرى فى التحرير إلى الفسطاط بالجيزة، السبت 3 أبريل 2021 حدثًا تاريخيًا أسعد المصريات والمصريين وأبهر العالم الذى سجل الحدث لحظة بلحظة صوتًا وصورة، وبالطبع أنا واحدة من المصريات اللائى شاركن مصر فرحتها واعتزازها بالحضارة المصرية القديمة، كأولى الحضارات التى أبدعت فى كل المجالات وكانت مصدرًا لإلهام واستنارة وتقدم حضارات أخرى شرقًا وغربًا. لكننى أخاف أن يتوقف هذا الحدث التاريخ عند نقل المومياوات إلى مكان جديد، دون أن تنتقل مصر الحديثة إلى نقلة نوعية حضارية جديدة، أخاف أن يتوقف الأمر على ابهار العالم دون أن يعمل أثرًا إيجابيًا مشهودًا على أرض الواقع لكى تتغير حياتنا إلى المزيد من الحرية والعدالة  والعلم والتفتح.
فى 3 يوليو 2013، عرفنا مصر دولة جديدة بعد أن لفظت فى ثورة 30 يونيو 2013، حكم الإخوان المسلمين وتعاهد المصريات والمصريين على بناء مصر الحديثة، إن حال الإنسان المصرى والإنسانة المصرية الآن يستدعى بشكل عاجل "إعادة تشكيل" بل الكلمة الأصح هى "إعادة بناء".
لا يوجد شئ يدل على أن مؤسسات الدولة المختلفة تأخذ قضية "بناء الانسان" كقضية محورية للتقدم الحضارى الحديث، بل انها أكثر من ذلك، قضية "بناء الإنسان المصرى والإنسانة المصرية" الحديثة هى  قضية حياة أو موت، قضية وجود أو لا وجود، قضية بقاء يكمل ابداعات الحضارة المصرية القديمة التى احتفلنا بنقل مومياواتها الملكية منذ ثلاثة شهور.
من هنا أناقش قضية فى صلب بناء الانسان المصرى وهى أننا نهتم بالآثار التى صنعها الإنسان المصرى القديم أكثر من اهتمامنا بالانسان المصرى فى الحاضر.
إن اهتمامنا بالآثار كثمرة من ثمار حضارتنا المصرية القديمة، يفوق اهتمامنا بالإنسان صانع الحضارة فى الأساس، غالبية الناس لا يرون الحضارة إلا تلك الآثار العابرة حدود الزمان هم بذلك "يسجنون" الحضارة فى قالب من "الحجر" أحادى الرؤية جامد.
أنا أعتقد أن الآثار بكل تفردها وعظمتها هى صدى الصوت وليس الصوت نفسه أو هى مجرد الاصبع الذى يشير إلى القمر، لكنها ليست القمر أو بمعنى آخر، الآثار هى الجانب "الساكن" من الحضارة، أما الجانب "المتحرك" فهو عقل وقلب الإنسان الحى "هنا والآن" القادر على أحداث التغيير والإبداع إن حضارتنا ليست "تركة" جامدة من التماثيل والمومياوات والتوابيت والمعابد والأهرامات.
لماذا ننحاز إلى حضارة "الحجر" لا حضارة "البشر" أو لنقل أن هناك اتجاهًا "سلفيًا" فى الفكر الدينى كما هو موجود فى الفكر الدينى، ننشغل بحماية أنف أبوالهول، أكثر من حماية الانسان الحى الآن من الفقر والمرض والجهل، هل من العدل انفاق مبالغ طائلة على البحث عن قطعة أثرية مغمورة ؟ ولا ننفق شيئا يُذكر عن البحث عن المواهب المغمورة؟
ننفق على "ترميم" الآثار ولا ننفق على ترميم البيوت التى تتصدع وتقع على سكانها الآمنين، نهب سريعًا لو سُرقت عين "توت عنخ أمون"، بينما لا نفعل شيئًا حين تُسرق كرامة الانسان.
يقف الناس يتأملون فى انبهار أحد التماثيل الموجودة منذ خمسة آلاف سنة ولا ينبهرون بكفاح إنسان مصرى، يناطح الأقدار  ويتحدى أصعب المعوقات لمجرد أن يحافظ على بقائه.
أنا أعترض على مقولة "السياحة هى مستقبل مصر"، يرددها كثيرون بإعتبار أن مصر تمتلك وحدها ثلث آثار العالم، عفوًا أيتها التماثيل والمومياوات والتوابيت والمحنطات، أنتِ لست مستقبل الوطن، يا كل آثارنا الجميلة والعظيمة الرائدة فى التاريخ فى كل العلوم والمعارف، أنت الالهام ومنبع للتعلم والفخر وعلينا حمايتك.
إن مستقبل مصر فى تنمية حقيقية وثورة ثقافية فى "الإنتاج" فى الزراعة وفى الصناعة وفى تخضير الصحراء وفى الطاقة المتجددة وفى الفن الراقى وفى تثوير الفكر الدينى وفى تحرير النساء من المعتقلات الذكورية.
إذا كان بناء الأهرامات عجيبة من عجائب الدنيا ولغزًا لم يُفسر حتى الآن فإن "بناء الإنسان المصرى" هو العجيبة الجديدة التى يمكن أن يفعلها الشعب المصرى بينما تحاصره عوامل التعرية القاسية وظروف مناخية غير قابلة للتنبؤ.
العقل المصرى، الوجدان المصرى، الإرادة المصرية، الإبداع المصرى، هذا هو طريق مصر الذى ينتظره المصريين والمصريات، نحن لا نريد ونحن نبنى مصر الحديثة، نظرة سلفية ساكنة تنشغل بالزهو السلبى أحادى الرؤية غير المتفاعل مع تغير الزمن، نريد نظرة ديناميكية عملية دائمة الحركة والتغير والتعلم لا نهائى المصادر.

من بستان قصائدى
حبيبتى حبيبة القلب وحبيبة الروح
من تحت التراب أكتب إليكِ
أحن إليكِ أراك ِ- فى صمت - تتألمين
تتوهمين أن بكِ داءً لعينا
لكن الحقيقة أنكِ – من شدة الصحة
لا من شدة المرض – تعانين الحقيقة أن العالم هوالمريض
وليس أنتِ حبيبتى ..حبيبة القلب وحبيبة الروح 
اقفزى من سرير الأوهام.. إلى صفحة " الكتابة "اقفزى من سرير الأوهام
إلى أغنيات "فريد".. اقفزى من سرير الأوهام
إلى أمواج "البحر".. سأكون بانتظارك هناك
نتحدى الوباء والقدر العنيد