رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن ثورة يونيو.. التاريخ يقول!

الآن ونحن نعيش أجواء شهر يونيو الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ مصرنا المحروسة بقلوب أبنائها الشرفاء، وكم من تواريخ في سجل نضالنا الطويل؛ تستحق الوقوف للتأمل والرصد والتوثيق ــ بأقلام محايدة بكل ماتمليه الضمائر الأمينة ــ لكتابة وقائع الواقع المُعاش التي تمر علينا؛ وتبيان مدى التأثير تاريخيًا وجغرافيًا.

أقول ونحن نعيش أجواء هذه المشاعر الجياشة: هل هناك ما يمنع أن نتخيل ماذا ستقرأ الأجيال القادمة في الصحف والمجلات عن ثورة يونيو بعد خمسين عامًا مثلاً؟! ومن أي زاويةٍ سيكون التناول عن إرهاصاتها ونبضاتها الأولى في قلب كل مصري شريف غيور على وطنه وأمته؟

إنه محض سؤال من بنات أفكاري؛ ولكني سأطلق العنان لخيالي لأقرأ أعمدة الصحف والمجلات؛ ورصد أصحاب الأقلام الذين كتبوا عنها وعن أحداثها بدقة من كل الزوايا الاجتماعية والسياسية والأمنية والاقتصادية .. وأيضًا الفنية.

يقينا ستكون الرحلة بين السطور رحلة شائقة عامرة بصدق التوثيق والأمانة في نقلها للأجيال التي لم تحظ بشرف المعاصرة لأحداثها الثقال والجسام.. ولتظل ثورة يونيو تاريخًا مجيدًا وبداية عصر يسجل لانتصار الهويَّة المصرية وإعلاء إرادة الشعوب؛ وبرهانًا قاطعًا على أن الشعب المصري يعمل دومًا على تعزيز الانتماء والولاء للوطن وقياداته من رجالات جيشه الذي لم يحد قيد أنملة عن مبادئه السامية لحماية ترابه المقدس.

واليوم ــ  لنا أن نتخيل ــ  أننا على مشارف الربع الأخير من القرن الواحد والعشرين.. لنقرأ بعض الأوراق التي تناولت تلك الثورة وبداية توالي أحداثها المتسارعة في نهايات السنوات العشر من مطلع هذا القرن:

"... لقد بدأت إرهاصات "ثورة يونيو" المجيدة؛ في المدن الكبرى والقرى والنجوع؛ بظهور العديد من تشكيلات جماعات المعارضة الشعبية السلمية؛ مثل حركة (كفاية)؛ ويساندها العديد من أساتذة الجامعات من التنويريين، وكذا طلائع المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين من شتى الاتجاهات السياسية والاجتماعية؛ بهدف إيقاف مايسمى بـ "خطة التوريث" التي بدأها النظام الحاكم آنذاك.

وتتوالى بين أيدينا الأوراق الناصعة كشهود على ثورة يونيو المجيدة:  " ... مخطئ من يظن أن هذا الشعب قد تقاعس تجاه الطبقة الحاكمة التي لم تراع مصالحه وتطلعاته في العيش الحر الكريم، فقد أعلن رفضه لحكم الفاشية الدينية الظلامية ومشروعها التسلطى المضاد للمعايير التاريخية والحضارية المصرية التي قامت على أكتاف المخلصين من أبنائه في كل العصور؛ زمرة الفلول الفاشية التي استطاعت بالخديعة واللعب على عقول الجماهير ــ آنذاك ــ  تزوير الإرادة الجماهيرية قبل تزوير صناديق الاقتراع بمعاونة الأجهزة الخارجية وعصابات الفاشية المتأسلمين، ليبدأ زحف الجماهير الغاضبة لتأييد وتعضيد موقف أبناء القوات المسلحة في امتلاك السلطة ونبذ كل العناصر الدخيلة التي جاءت لتنفيذ أجندات الغرب الطامع في وقف تقدم مصر التاريخي نحو تشييد (مصر الجديدة) التي نراها اليوم بكل العظمة والازدهار على الساحة العالمية.. وبكل الجمال والرفعة بعد خمسين عامًا من انتفاضة هذا الشعب العظيم التي حملت اسم ثورة يوليو ...".

وهاك ورقة أخرى.. تحكي أسباب وخلفيات قيام ثورة يونيو في العام 2013 من القرن الواحد والعشرين:

" ... لقد ثبُت للشعب المصري العظيم؛ صاحب المشاعر المُرهفة التي لاتخطئ أبدًا في قياس وطنية من يجلسون على سدة الحكم! أن احتلال مايسمى بـ "مندوب الإخوان" للقصر الجمهوري ممثلاً ـ بالخديعة ـ للنظام الحاكم في مصر؛ خير دليل على أن هؤلاء القوم ليسوا بمسلمين وأنهم لعبوا تلك اللعبة الخبيثة باسم الدين ـ والدين منهم براء ـ للانقضاض على مفاصل الدولة، ولكن كان الشعب المصري لهم بالمرصاد دقيقة بدقيقة وخطوة بخطوة بكل الجديَّة والحرص على مقدراته؛ وفات هؤلاء الأغبياء وضع التقدير الصحيح لقوى الشعب المصري وقوته الناعمة وجيشه الباسل بقيادته التي تخطت الحواجز؛ وخرج من بين صفوفه زعيم يحمي الوطن وشعبه الذي أنقذ بدمائه مبادئ الحرية والكرامة على مدى التاريخ.. ولتحظى ثورة يونيو بهذا النقاء والبقاء في أذهاننا بالذكرى الطيبة حتى يومنا هذا، وتحتفظ أيضًا بكل مانُسب إليها من استكمال البنية التحتية للمباني والمشروعات السيادية والطرق والكباري التي أسهمت في استمرارية ونجاح المشروعات العملاقة في مجالات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا العصرية المتقدمة ... ".

والآن .. وفي غمرة قراءتي للأوراق التي تتحدث عن "ثورة يوليو" بعدما يزيد على خمسين عامًا، كنت أتمنى أن أقرأ عن ماذا كتب السادة المؤرخون عن الأعمال الفنية ــ مسرحيًا وسينمائيًا ــ التي تقوم بالتوثيق الصادق والحقيقي لأحداثها ساعة بساعة ولحظة بلحظة؛ ورصد البطولات التي حققها الجيش المصري بمساندة المطالب الشعبية المشروعة؛ وكتابة الخلود لأسماء من قاموا بكل الأعمال البطولية قبل وأثناء وبعد الثورة.

ولكنني ــ للأسف الشديد ــ لم أجد إلا النذر اليسير الذي لايتواءم مع حجم الانتصارات التي تحققت على أرض الواقع؛ ولم أجد سوى الحديث عن بعض "الأفلام التسجيلية" لجموع الشعب الزاحف في الشوارع والميادين.. بداية من "جمعة الغضب" حتى نجاح الثورة واستقرارها وانتصار الإرادة الشعبية التي لاتُقهر.

إنني أهيب بالوزارات السيادية ــ وعلى رأسها بالطبع وزارة الثقافة المصرية ــ ؛ وبالتضامن والتضافر مع كتائب مدينة الإنتاج الإعلامي؛ للبدء في إنتاج الأفلام السينمائية التي تجسِّد بطولة الفنانين الذين عاصروا الأحداث ــ قبل أن تدهسهم عجلة الزمن ــ كي لا نفتقد الإحساس النابض بقلوبهم التي عاصرت الأحداث لحظة بلحظة؛ ونتدارك الأمر قبل أن تضيع المعالم الحقيقية التي عاشها الشارع المصري في زخم الوقائع والأحداث.

إنه نداء من القلب؛ وأعتقد أنني أحمل وجهة نظر ـ بصفتي الأكاديمية ـ شريحة كبيرة من صفوف القوى الناعمة المصرية؛ وهي الفئة التي تُعد المصدر الصادق والوحيد لتوثيق انتصارات الثورة المصرية العظيمة..

وكل "يونيو" وشعبنا المصري الجسور المُسالم وقيادته الوطنية وجيشه وشرطته في خير وسلام.

  • أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي بأكاديمية الفنون