رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى المانح والممنوح: مَن أنتم؟

هناك نماذج لصياغات عديدة تجدها منشورة بجرأة- يحسد عليها أصحابها- على مواقع الإنترنت لشهادات تقدير ودرجات دكتوراه فخرية أو بالأحرى وهمية، ينشرها الممنوحون على وسائل التواصل بسعادة أو ربما بسذاجة أو من باب اكتمال الوجاهة والتباهي بدرجة علمية لم يستأهلوها عن جدارة ولا استحقاق، وربما هي كمين شجعهم عليه المانحون للإيقاع بمشتاقين غيرهم في شرك الغواية.

جمعتني المصادفة قبل أشهر قليلة بأحد حَمَلة هذه الشهادات المزعومة، فإذا به يقول إنه حصل عليها تقريبًا بالمجان في حين أن فلانًا دفع فيها كذا ألف دولار، وإذا بجلسة المصارحة تمتد ليعترف بأنهما ذهبا معًا- ومعهما غيرهما- في رحلة ترفيهية إلى إحدى دول أوروبا الشرقية وقضيا هناك نحو عشرة أيام سياحة، ثم عادا لتنظم المؤسسة المانحة حفلًا أشبه بحفلات ليالي التليفزيون أو أضواء المدينة، بعد أن تم حجز قاعة كبرى في أحد فنادق الثلاث نجوم، وهناك تم تكوين لجنة- تبدو علمية- من أساتذة للأسف أكاديميين من ذوي القامات وأصحاب الحاجات ضيوف القنوات والفضائيات، ليقوموا بمناقشة- علنية هزلية كوميدية- للسادة المرشحين لنيل الدرجة.

وتصدمني المفاجأة من جديد حين يخبرني الرجل بجرأة بأن الرسالة التي تم منحه الدكتوراه الفخرية بناء عليها لا تعدو عن كونها مجرد بحث لا يتجاوز الخمسين صفحة تم تجميع مادته من مواقع الإنترنت، وأن من أعاد صياغته له أحد مساعديه النابهين، وبعد مناقشة لم تتجاوز الربع ساعة قام السادة أعضاء اللجنة- الموقرة- بإعلان النتيجة ومنح السيد المبجل درجة الدكتوراه في احتفالية تجاوزعدد الممنوحين فيها نحو العشرة أفراد وخرجوا من القاعة وهم يحملون درجة الدكتوراه الشرفية، والمضحك في الأمر أن بعضًا من هؤلاء "الدكاترة" الممنوحين لم يكن قد حصل على شهادة علمية أعلى من شهادة التعليم الفني المتوسط.

لقد فقدت الدرجات العلمية، بل وحتى الفخرية المستحقة ذات الأهلية، مضمونها بعد أن تجرأ النكرات على قيمة العلم وصاروا يمنحون الدرجات العلمية بلا رقيب ولا حسيب، وصاروا يهبون الشهادات التي لا تكلفهم أكثر من عشرة جنيهات هي قيمة الطباعة، فوهب من لا يملك من لا يستحق، بل إن بعض الجهات صارت تتاجر فيها جهارًا نهارًا، وتمنح اللقب لمن يدفع وهناك بعضهم الذي صار يحمل لقب دكتوراه مصدقًا نفسه وقد يبلغ به التبجح مبلغًا يجعله يعقب عليك إن أنت ناديته باسمه مجردًا ويؤنبك بقوله: "تقصد تقول الدكتور فلان".

بالطبع أنا هنا لا أعني تلك الدرجات الفخرية التي تمنحها الجهات العلمية والأكاديمية المعتبرة للسادات من أصحاب الأيادي البيضاء في العطاء الإنساني أو السياسي أو العلمي، كسنة حسنة بدأتها جامعة أكسفورد حين منحت أول دكتوراه فخرية إلى ليونيل وودفيل، أسقف سالزبوري في إنجلترا، عام 1740، أو كما فعلت كلية الزراعة جامعة القاهرة حين منحت الشيخ سلطان القاسمي الدكتوراه لحاكم عربي هو ابن ذات المؤسسة وامتدت أياديه البيضاء بالبذل لصالح الجامعة التي تخرج فيها فأنشأ بها مرافق علمية تضيف للبحث العلمي بها.

وهناك أيضًا الرئيس الغيني الراحل أحمد سيكوتوري الذي منحته جامعة الأزهر درجتها العلمية الأكبر في احتفال مهيب قبيل رحيله، أو كتلك التي منحتها جامعة بيروت للفنانة ماجدة الرومي تقديرًا لمسيرتها الفنية والإنسانية، أو كدرجة الدكتوراه التي تم منحها للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من كلية لايبستيج  للتجارة تكريمًا لأسلوبها في القيادة السياسية.

هنا يجدر بنا توجيه السؤال إلى المسئولين في المجلس الأعلى للجامعات: مَن المؤهل يا سادتي لمنح الدرجات العلمية؟ وما هي الشروط الواجب توافرها في الممنوح ليستحق ذلك اللقب الأكاديمي أو حتى الشرفي؟ وهل يجوز أن نفعّل أدوات الدولة الرقابية على الصادرات والواردات والمأكولات والمصنوعات، ولا نفعّلها على الألقاب العلمية؟ أفيدونا يرحمكم الله.