رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«استغوا عنه ككاتب بجريدة الجمهورية» كواليس الفرح والألم في حياة طه حسين

طه حسين
طه حسين

"كنت أول أجنبي تلتقيه هذه الفتاة، وكانت أول فتاة تزورني، وكان من الطبيعي إذن ألا تجري محادثاتنا مجرى سهلًا"، يقول طه حسين في حواره مع غالي شكري، المنشور في كتاب "ماذا بقى من طه حسين؟".

أما الفتاة الأجنبية "سوزان" فقالت في حوار مع الكاتبة الصحفية أمينة السعيد بمجلة المصور 1962: "كنت على شىء من الحيرة، إذ لم يسبق لي في حياتي أن كلمت أعمى".

توطدت العلاقة بينهما، فتتحول "سوزان" إلى مرشدة تدله على ما خفي من الأدب الفرنسي، يقول طه حسين: “كانت صديقتي وأستاذتي وأنا مدين لها أن تعلمت اللاتينية من خلالها ونجحت في نيل إجازة الأدب، وأنا مدين لها أخيرًا حين استطعت أن أقرأ أفلاطون بلغته الأصلية”، حسب كتاب "سؤال الحب..من تولستوي لإينشتاين".

تتذكر "سوزان" في كتابه "معك" الأيام الأولى للقاءها بطه حسين: "كنا أمي وأختي وأنا قد أقمنا في باريس وكنا نلتقي، وكان ثمة غرفة شاغرة في بيتنا، وكان طه يبدو مهملًا ضائعًا برغم حضور أخ له لم يكن للأسف معيناً، بحيث أن أمي اقترحت عليه المجىء للسكن عندنا، لكن بعد كثير من التردد لأنه كان شديد الخجل في حياته اليومية، لم يقبل إطلاقًا أن يتناول وجباته معنا، كان ثمة قارئة تأتيه بانتظام، وكانت هناك سيدة أكبر في العمر تصحبه إلى السور بالجامعة، لكني شيئًا فشيئًا أخذت أتدخل في ذلك وأصحبه أنا الأخرى إلى الجامعة من وقت لآخر حتى بت أصحبه غالبًا، وكنت أقرأ له عندما يكون وحيدًا، كنا نتحدث بكثرة، وكان يحقق تقدمًا عظيما في اللغة الفرنسية، وذات يوم قال لي: اغفري لي، اريد أن تقرأي لي شيئًا من أوغست كونت، فقلت: لم أسمع بهذا الاسم من قبل، وكان لا بد أن أبحث عن كتب هذا الفيلسوف، ويوم وجدتها امتلأ قلبي بالفرح، بعد أيام وأنا اقرأ له فصلًا كتبه أوغست كونت عن الحب، سمعت يقول المعذرة، لا بد أن أقول لك شيئًا، ثم صمت وبعد دقائق قال: أنا أحبك، وصرخت وقد أذهلتني المفاجأة، ولكني لا أحبك، كنت أعني الحب بين الرجل والمرأة بلا شك، فقال بحزن: آه إنني أعرف ذلك جيدًا وأعرف جيدًا أنه مستحيل.

صرحت "سوزان" برغبتها في الزواج من طه حسين فصعقت العائلة، كيف؟ من أجنبي؟ وأعمى، وفوق كل ذلك مسلم؟، لكن عمها كان قسًا وساعدها في الزواج من طه حسين، وتمت مراسم الزواج عام 1971، وبعد خمسة أعوام كتب طه حسين أغنية لزوجته سوزان، وقدمها للملحن كامل الخلعي، وغنتها منيرة المهدية، وظهرت الأغنية على أسطوانة لشركة فونوغراف، مكتوب عليها أغنية من كلمات الدكتور طه حسين: "أنا لولاك ما كنت ملاك، غير مسموح أن أهوى سواك، سامحني بين العشاق أنا مشتاق، أبكي وأبوح بالأشواق، صدقني عهدك فين يانور العين، بالمفتوح تهوى اتنين، جاوبني، واحد بس يهوى لاقلب، قلبي ينوح له بالحب، طاوعني، أنا أهواك مين قساك، أنا مجروح غايتي رضاك، واصلني، كا أحلاك وقت رضا، لما تلوح ما أبهاك، كلمني".

في إحدى الليالي، كانت سوزان نائمة، فأشار طه حسين إليها وقال لابنته أمينة: هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانًا آخر.

لحظة ألم     

زاد ألم الأديب الراحل ألما فوق آلامه عندما استغنوا عنه كصحفي وكاتب وكرئيس لتحرير جريدة الجمهورية في الفترة نفسها، وعبر عن تلك الفترة بقوله: "منذ فترة استغنوا عن خدماتي، علمت بذلك من خطاب وصلني بالبريد وقد جاء فيه أن الجريدة تستغني عن خدمات عدد من المحررين ومن بينهم طه حسين".