رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نجيب» .. الذي مضى!

احتاج الأمر أن يمضي بعض الوقت، حتى يملك المرء جماع نفسه، لكي يستطيع الكتابة عن "نجيب شهاب الدين"، الذي حمل الكثير من معاني اسمه: النجابة، والشعور الذي بثه في وجدان محبيه وعارفيه، بأنه، في مجيئه إلى الحياة، وحتى مُغادرتها، كان برَّاقاً وسريع الحركة كالشهاب اللامع، الذي ما أن تلمحه العين حتى يمرق من أمامها، كالسهم الجامح، فلا تعود تراه!

  "نجيب شهاب الدين"، وأعلم جيداً أن الأغلبية العظمى من أبناء شعبنا لا يعرفون عنه شيئاً، و(الفضل) يرجع إلى مناهج التعليم ووسائل الثقافة والمعرفة العامة والإعلام؛ فهو ليس لاعب كرة شهيراً، تتخاطفه الأندية الكبرى، وتثير أخبار أهدافه وانتقالاته من نادٍ إلي آخر الأحاديث والتجمُّعات، وتتصدر صورته الصحف ونشرات الأخبار و"التريندات"، ، ولا هو مطرب مرموق تتهافت وسائل الإعلام على تتبع حركاته وسكناته، أو ممثلة معروفة تثير تسريحة شعرها، أو فتحة فستانها البرامج ومواقع السوشيال ميديا، ولا رجل أعمال ثرياً تتهافت المجلات علي نشر صورته بابتسامته المتألقة طمعاً في عطاياه وإعلانات شركاته، ولا هو شيخ من مشايخ الدين والدنيا، تلمع ذقنه الطويلة المُحنَّاه، وهو يُغادر سيارته الفارهة، لكي يلحق بالخطبة التي يعظ فيها مئات الفقراء من مُريديه، بأفضال الزهد والتقشُّف، ولا..، ولا ..!
  إن أدق تعريف لهذا الشخص المجهول المعلوم هو أنه واحد من العُشَّاق الكبار لهذا الوطن، الذي نسكنه ويسكننا.. مصر.
  عرفت "نجيب شهاب الدين" وأنا في مطلع الشباب، في سبعينيات القرن الماضي، حينما كانت مصر تقف على قلب رجل واحد، تُطالب باسترداد الأرض المُحتلة بعد "نكسة" 1967، وكان الفن الصادق والأدب الحي يلعبان دوراً محورياً في بث الثقة في النفس بقدرتنا على تجاوز العثرة، والنهوض وقوفاً على الأقدام، وبرز في تلك الآونة أسماء سيُخلِّدها التاريخ، بصوتها القوي وهي تهتف لمصر، وتثير الحميّة في النفوس للانطلاق مُجدداُ والعبور على أطلال الهزيمة للفجر الجديد. 
  أسماء كثيرة لمعت: الثنائي المُبدع الشاعر "أحمد فؤاد نجم" والمُلحن والمُغنِّي "الشيخ إمام عيسى"، والثنائي المُبدع الشاعر "سمير عبد الباقي" والملحن والمُّغني "عدلي فخري"، وكتيبة المبدعين المُجيدين الكبار: فؤاد حدّاد، وصلاح جاهين، نجيب سرور، وزين العابدين فؤاد، والسيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي، وفؤاد قاعود، وزكي عمر، ومحمود الشاذلي، ومحمود الطويل، ومحسن الخيَّاط، وطاهر البرنبالي، وصابر زرد، ... إلخ .. إلخ. 
  وكان من بينهم صوت مرهف وشفيف، شق السماء بأغنية لحَّنها "الشيخ إمام"، سرعان ما أصبحت تجري على كل لسان: تُغني في التجمعات والمحافل؛ تبعث الأمل في النفوس، وتستثير الحميّة في الوجدان، "يا مصر قومي وشدي الحيل":
يا مصر قومي وشدي الحيل/ كل اللي تتمنيه عندي/ لا القهر يطويني ولا الليل/ أمان أمان بيرم أفندي ـ رافعين جباه حرة شريفة/ باسطين أيادي تأدي الفرض/ ناقصين مؤذن وخليفه/ ونور ما بين السما والأرض ـ يا مصر عودي زي زمان/ ندهة من الجامعة وحلوان/ تعصي العدوين وتعاندي/ أمان أمان بيرم أفندي ـ الدم يجري في ماء النيل/ والنيل بيفتح على سجني/ والسجن يطرح غلة وتيل/ نجوع ونتعرى ونبني ـ يا مصر لسه عددنا كتير/ لا تجزعي من بأس الغير/ يا مصر ملو قلوبنا الخير/ وحلمنا ورد مندي/ أمان أمان بيرم أفندي ـ يسعد صباحك يا جنينة/ يسعد صباح اللي رواكي/ يا خضرا من زرع إيدينا/ شربت من بحر هواكي ـ شربت من كاس محبوبي/ وعشقت نيل أسمر نوبي/ وغسلت فيه بدني وتوبي/ أمان أمان بيرم أفندي ـ يا مصر قومي وشدي الحيل/ كل اللي تتمنيه عندي/ لا القهر يطويني ولا الليل/ أمان أمان بيرم أفندي.